شارك رئيس الوزراء الإيطالي والبنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي، أمس الجمعة، في قمة وزارية غير رسمية في العاصمة المجرية بودابست، ليتحدث إلى رؤساء الدول والحكومات السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي، موضحًا كيف يمكن للاتحاد الأوروبي المتراجع استعادة قدرته التنافسية في مواجهة الولايات المتحدة والصين.
ورغم أن "دراجي" قدّم تقريرًا من 400 صفحة حول هذا الموضوع في قمة الاتحاد الأوروبي في بروكسل في سبتمبر الماضي، لكن في ذلك الوقت، لم تتم مناقشة النقاط الدقيقة في مقترحات الخبير الاقتصادي والمصرفي الإيطالي، لتبدو قمة بودابست "فرصة لتغطية ما فات"، وفق بيرند ريجيرت مراسل "دويتش فيله".
ومن بين القضايا التي سلّط "دراجي" الضوء عليها أمام زعماء الكتلة الأوروبية "نفاد الوقت"، لافتًا إلى أهمية اتخاذ إجراءات حاسمة إذا كانت القارة العجوز تريد مواكبة التطورات.
وفي أعقاب إعادة انتخاب الجمهوري دونالد ترامب لرئاسة أمريكا الثلاثاء الماضي، الذي هدد بفرض رسوم جمركية ضخمة على السلع المستوردة، قال الخبير الاقتصادي الإيطالي إن "الشعور بالإلحاح أكبر مما كان عليه قبل أسبوع".
تقرير دراجي
قبل اثني عشر عامًا، في أثناء أزمة الديون السيادية الأوروبية، كان دراجي، بصفته رئيسًا للبنك المركزي الأوروبي، هو الذي حافظ على استقرار العملة الأوروبية الموحدة وأنقذ الدول الأعضاء في الكتلة التي كانت تعاني نقص السيولة. وساعدت عبارته الشهيرة التي وعد فيها "ببذل كل ما يلزم" لدعم اليورو في طمأنة الأسواق المالية.
هذه المرة، يرى أنه لمواكبة الولايات المتحدة والصين، يتعين على أوروبا أن تستثمر ما يصل إلى 800 مليار يورو (857 مليار دولار) في البحث والتطوير والبنية الأساسية والدفاع. وهذا من شأنه أن يرفع إجمالي الاستثمار من 22% إلى 27% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن هذا يتطلب عكس الاتجاه الحالي في العديد من الدول الأعضاء المتمثل في خفض الاستثمارات.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاتحاد الأوروبي بنسبة 1.2% فقط في السنوات المقبلة، لكنه يتوقع ضعف النمو في الولايات المتحدة.
أيضًا، يرى "دراجي" أنه ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يلتزم بالإصدار المنتظم للسندات المشتركة لتمويل الاستثمارات العامة في المشاريع المشتركة.
وقد أصدر الاتحاد الأوروبي في البداية ديونًا مشتركة، حيث يجمع أعضاء الاتحاد الأوروبي الالتزامات المالية بشكل جماعي، للتخفيف من آثار جائحة كوفيد-19. في ذلك الوقت، اتفقت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل ووزير ماليتها، المستشار الحالي أولاف شولتس، على أن هذه الصفقة يجب أن تظل صفقة لمرة واحدة.
لكن لتجاوز السقوط، يحث "دراجي" الاتحاد الأوروبي على تطوير سوق رأس مال متكاملة، تمامًا كما هو الحال في الولايات المتحدة، حيث يمكن لرأس المال بلا حدود وحركة الائتمان أن تساعد في تعبئة استثمارات رأس المال الاستثماري.
مواجهة الصين
يشير رئيس الوزراء الإيطالي السابق إلى أنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقلل من اعتماده على سلاسل التوريد الصينية والعملاء الصينيين. بدلًا من ذلك، يتعين عليه إيجاد طريقة لمواجهة المنافسة الصينية المدعومة من الدولة. كما يتعين على الصناعة الأوروبية أن تصبح أكثر استقلالًا عن المواد الخام وقطع الغيار من الصين.
أيضًا، تحتاج أوروبا إلى الاحتفاظ بالصناعات الرئيسية القائمة وتعزيز الصناعات الجديدة وشركات التكنولوجيا من خلال تحسين ظروف العمل؛ كما نقلت "دويتش فيله".
وحذّر "دراجي" من أن العديد من الشركات التي تطمح إلى النمو تنقل إنتاجها إلى الخارج من أوروبا. فيما تعهد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية على المنتجات الأوروبية ونقل الإنتاج إلى الولايات المتحدة "وهو ما لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغوط الاقتصادية الحالية"، كما يشير ريجيرت.
ودعا دراجي إلى استراتيجية صناعية موحدة لدعم الشركات المحلية وتعزيز الإنتاجية، وكذلك تبسيط قنوات صنع القرار الأوروبية والحد من البيروقراطية المفرطة والمكلفة. حيث أن التشريع يتطلب في المتوسط 19 شهرًا، وهو وقت طويل للغاية.
وكان دراجي ذكر في مؤتمر صحفي في سبتمبر الماضي أن أوروبا "لا تنسق فيما يتعلق بالأمور المهمة، ولم تتطور قواعد صنع القرار في أوروبا بشكل كبير مع توسع الاتحاد الأوروبي وزيادة عدائية البيئة العالمية التي نواجهها وتعقيدها".
وفي عام 2019، قال إن الاتحاد الأوروبي أصدر 13 ألف قانون لتنظيم اقتصاده، بينما أصدرت الولايات المتحدة 3 آلاف قانون فقط. وخلص إلى أن "هذه الحقيقة تجعلك تفكر: هل يمكننا أن نفعل أقل قليلًا وأن نكون أكثر تركيزًا؟"
نوايا طيبة
خلال قمة بودابست، أصدر زعماء الاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا رحّبوا فيه بتوصيات دراجي. لكن تظل نقطة الخلاف الأكبر هي إصدار الديون الجماعية لتمويل الاستثمار. إذ تعارض دول مثل ألمانيا والنمسا وهولندا هذه الفكرة، في حين أعربت فرنسا وإيطاليا عن استعدادهما لاستئناف الالتزامات المشتركة.
أيضا، سوف يُطلَب من المفوضية الأوروبية الجديدة، التي ستتولى مهامها في ديسمبر المقبل، وضع مقترحات بشأن كيفية تمويل الاستثمارات.
ويشير التقرير إلى أن "تبني استراتيجية صناعية موحدة سوف يثبت صعوبة الأمر، نظرا لأن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تتنافس فيما بينها على اجتذاب الشركات التي توفر لبلدانها فرص العمل وإيرادات الضرائب".
كان المستشار النمساوي كارل نيهمر حذّر من التفكير في الديون الجماعية قبل تطوير المشاريع المشتركة. بينما اقترح المستشار الألماني شولتس -الذي سافر إلى بودابست أيضًا على الرغم من انهيار ائتلافه الحاكم- خفض بعض البيروقراطية.
وقال شولتس في القمة: "لقد تراكمت البيروقراطية لعقود من الزمن. والآن نحن بحاجة إلى تقليصها في فترة قصيرة. كل هذا حتى نتمكن من تحقيق النمو والفرص في المستقبل".