الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

معضلة التنفيذ.. ما تحديات اتفاق تشاغوس بين بريطانيا وموريشيوس؟

  • مشاركة :
post-title
رئيس الوزراء البريطاني ورئيس وزراء موريشيوس

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في الثالث من أكتوبر الجاري 2024، أبرمت كلٌ من بريطانيا وموريشيوس اتفاقًا سياسيًا تاريخيًا يتعلق بأرخبيل تشاغوس في المحيط الهندي، ووفقًا لهذا الاتفاق، ستتنازل بريطانيا عن سيادتها على الأرخبيل مقابل مَنْح موريشيوس الحق في استخدام القاعدة الجوية في دييغو غارسيا لمدة تسعة وتسعين عامًا، ويتيح هذا الاتفاق لموريشيوس إمكانية إعادة توطين سكان تشاجوس الأصليين، حيث ستقدم بريطانيا دعمًا ماليًا خلال فترة الاتفاق لمساعدتهم في العودة والاستقرار. كما يُعد اتفاق تشاجوس نقطة تحوُل في الجغرافيا السياسية؛ نظرًا لأهمية الموقع الاستراتيجي لأرخبيل تشاجوس، ولا سيما جزيرة دييجو جارسيا، التي تحتضن قاعدة عسكرية حيوية تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ويُنهي هذا الاتفاق عقودًا من النزاع حول السيادة على الأرخبيل، ويأتي في وقتٍ تزداد فيه المخاوف من التوترات بين القوى الكبرى تحديدًا الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

تأسيسًا على ما سبق، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما هي فرص وتحديات اتفاق تشاغوس بين بريطانيا وموريشيوس؟

فرص ناشئة

يفتح اتفاق تشاغوس الباب أمام فرص ناشئة متعددة الأبعاد، تتمثل أبرزها في:

(*) تصحيح الأضرار التي لحقت بالسكان الأصليين: لا يغفل الاتفاق عن توفير تعويضات لسكان تشاغوس الذين تم ترحيلهم قسرًا في الستينيات بعد عقود من التهجير القسري، فرغم أن بريطانيا كانت قد منحت موريشيوس استقلالها في عام 1968، إلا أنها احتفظت بأرخبيل تشاجوس؛ لتأجير القاعدة الجوية في دييغو غارسيا للولايات المتحدة الأمريكية، والتي استُخدِمَت في غاراتها على العراق عام 2003، لكن هذا الإجراء أدى إلى نزوح نحو ألفين من سكان تشاجوس بين عامي 1968 و1973، وإعادة توطينهم في موريشيوس وسيشيل، مما تعرض هذا الإجراء لانتقادات شديدة من قِبَل منظمات حقوق الإنسان التي اعتبرت ذلك جريمة ضد الإنسانية. لذا، سيتيح اتفاق تشاجوس الفرصة للسكان الأصليين للعودة إلى جُزُرهم، ومن ثم تحسين ظروفهم المعيشية، بما يساهم في إعادة بناء مجتمع محلي في الأرخبيل.

(*) تعزيز دور القانون الدولي: يُشكل الاتفاق سابقة مهمة في العلاقات الدولية، حيث اضطرت قوة استعمارية سابقة إلى الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية، فمن الجدير بالذكر أن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية ليست ملزمة، على عكس الأحكام القضائية الملزمة للأطراف المتنازعة. ومع ذلك، غالبًا ما تظهر الدول التي تصدر ضدها آراء استشارية في البداية استياءً، ثم تعود لاحقًا للامتثال احترامًا للقانون الدولي وللحفاظ على سمعتها في المجتمع الدولي، حتى لا تُعتبر دولة لا تحترم قرارات المحكمة. فاتفاق تشاغوس سيشجع دولًا أخرى على التفاوض حول حل العديد من النزاعات الراهنة على الساحة الدولية، ومن ثم تعزيز صورة بريطانيا كدولة تلتزم بحل النزاعات الدولية بشكل سِلمِي.

(*) تعزيز سيادة موريشيوس: يمثل الاتفاق تحوُلًا في المناخ السياسي الدولي، وانتصارًا سياسيًا لموريشيوس، وتعزيز مكانتها الدولية، فبعد عقود من النزاع، ستتمكن موريشيوس من ممارسة حقوقها السيادية على الأراضي التي تعتبر جزءًا من إرثها التاريخي. كما يؤدي الاتفاق إلى فتح باب التعاون بين موريشيوس وبريطانيا في مجالات مختلفة كالتجارة، ناهيك عن ذلك، سيوفر الاتفاق فرصًا اقتصادية هامة لموريشيوس، من خلال الاستفادة من المنطقة الغنية بالموارد البحرية في مجالات الصيد البحري والسياحة البحرية، إلى أن يكون للأرخبيل إمكانيات اقتصادية هائلة.

(*) فتح باب التعاون بين الصين وموريشيوس: بعد استعادة موريشيوس سيادتها على أرخبيل تشاغوس ، ستصبح موريشيوس أكثر انفتاحًا، وقد تعرض الصين على موريشيوس استثمارات؛ لتطوير البنية التحتية للأرخبيل، بما في ذلك الموانئ والمرافق البحرية، مما قد يعزز نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. حيث يمثل المحيط الهندي جزءًا أساسيًا من مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وتسعى الصين لإنشاء قواعد لوجيستية لدعم تجارتها، لذا، أي تغيير في الوضع الجيوسياسي بالمنطقة يمنح الصين فرصة لتوسيع نفوذها، واستغلال الأوضاع لتحقيق أكبر عائد عليها.

تحديات مطروحة

يحمل اتفاق تشاغوس في طياته تحديات واردة، تتمثل في:

(*) التنفيذ الفعلي للاتفاق: على الرغم من أهمية التوصُل إلى اتفاق سياسي تاريخي مثل اتفاق تشاغوس ، لكن يبقى التنفيذ الفِعلي لعملية نقل السيادة لموريشيوس معقدة قد تتأخر نتيجة عقبات إدارية أو قانونية، كما أن هناك احتمالًا بأن تواجه الحكومة البريطانية ضغوطًا سياسية داخلية، تحديدًا من بعض الأوساط المعارضة لفكرة التخلي عن الأرخبيل ذو الأهمية الاستراتيجية، فإنْ لم يتم التوصُل إلى تفاهمات واضحة بشأن إدارة قاعدة دييغو غارسيا، ستحدث بعض التوترات في العلاقات البريطانية الأمريكية. فضلًا عن ذلك، قد تظهر بعض التحديات القانونية المتعلقة بحقوق السكان الأصليين، فرغم الاتفاق على حق العودة وتقديم تعويضات لسكان تشاجوس الأصليين، إلا أنه قد تواجه الحكومة الموريشية صعوبة في توفير تعويضات ملائمة للسكان في ظل القيود الاقتصادية الراهنة؛ بحجة أن التعويضات المقترحة غير كافية مقارنة بما عانوه من ترحيل قسري وظروف معيشية صعبة في المَنفَى.

(*) التأثير على العلاقات الدولية: في ضوء المنافسة الجيوسياسية بين كلٍ من الصين والولايات المتحدة الأمريكية، لن تسمح واشنطن بتواجُد عسكري مباشر لبكين في تشاغوس نظرًا لحساسيات المنطقة، إلا أنه من الممكن أن يتم التعاون بشكل غير مباشر بين الصين وموريشيوس في مجالات كالقرصنة البحرية أو التبادُل الاستخباراتي، مما يعزز وجودها الإقليمي بطرق غير تقليدية. وقد تستغل الصين فرصة تقليص أو إعادة تقييم القاعدة العسكرية في دييغو غارسيا وفق بنود الاتفاق، حتى تسعى الصين من جهة أخرى لتعزيز علاقاتها مع دول المحيط الهندي المجاورة. وفي هذا الصدد، لا نغفل التنافُس الصيني الهندي، فالهند تعتبِر الصين منافسًا استراتيجيًا في المنطقة، وإذا شعر الجانب الهندي أن النفوذ الصيني يتصاعد، قد يؤدي ذلك إلى توترات متزايدة.

(*) التجسُس الإلكتروني ومراقبة الاتصالات: تُعرَف الصين بتنفيذ أنشطة تجسُس إلكتروني في عدة مناطق حول العالم، ويُعتقَد أنها قد تستغل اتفاق تشاغوس لتعزيز قدراتها الاستخباراتية في المنطقة، فهناك احتمال بأن تقوم الصين بتركيب أجهزة مراقبة إلكترونية أو استخدام تكنولوجيا اتصالات متقدمة في المشاريع التي قد تشارك فيها في أرخبيل تشاجوس أو الجُزُر المجاورة. كما أن قاعدة دييغو غارسياهدف استراتيجي لأي عملية تجسُس، وستحرص الصين على جمع معلومات حساسة حول الأنشطة العسكرية في هذه القاعدة. فإذا شعرت الولايات المتحدة الأمريكية بأن الصين تستخدم استثماراتها في المنطقة لأغراض تجسس، فقد يتم اتخاذ إجراءات لمواجهة النفوذ الصيني، سواء من خلال تشديد الرقابة على المشاريع الصينية أو تعزيز التعاون العسكري الهندي؛ لإعاقة أى تمدد صيني.

ختامًا، يُعتبَر استعادة موريشيوس لسيادتها على أرخبيل تشاغوس ، وفق الاتفاق المُبرَم مع بريطانيا، بمثابة نقطة تحوُل جوهرية في التاريخ المُعاصِر للمنطقة. وعلى الرغم من التحديات السياسية والأمنية التي قد تطرأ نتيجة الاتفاق الراهن، يبقى الأمل معقودًا على أن يُسهِم في تعزيز الهوية الوطنية وتعميق الاستقرار الإقليمي. وفي ظل التنافُس الدولي الراهن في المحيط الهندي، من المُنتظَر أن تُعيد موريشيوس تقييم استراتيجياتها بما يتماشى مع مصالحها الوطنية وسيادتها، إلى جانب اتخاذ الحكومة الموريشية خطوات جادة؛ لمعالجة آثار التهجير التي عانت منها مسبقًا. فنجاح الاتفاق أو فشله يعتمد على التزام الأطراف بالاتفاقيات الجديدة المتعلقة بقاعدة دييغو غارسيا، وأي خرق أو اختراق في تنفيذ لبنود الاتفاق، سيؤثر بالفعل على استقرار المنطقة برمتها.