في خطوةٍ دبلوماسيةٍ بارزةٍ تعكس تعقيد العلاقات الدولية الراهنة، حمل وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى بكين ملفات شائكة تتصدرها مخاوف بلاده من تزويد شركات صينية للقوات الروسية بمعدات عسكرية. وتأتي هذه الزيارة في توقيت حساس، عقب فرض الولايات المتحدة عقوبات على شركات صينية، وفي ظل محاولات الحكومة البريطانية الجديدة إعادة ضبط العلاقات مع بكين.
الملف العسكري يتصدر المباحثات
كشفت مصادر دبلوماسية بريطانية، في تصريحات نقلتها صحيفة بوليتيكو، عن تفاصيل اللقاء المطول الذي جمع "لامي" مع نظيره الصيني وانج يي.
وتركزت المحادثات بشكل رئيسي حول المخاوف المتزايدة من الدور الصيني في النزاع الأوكراني، وأوضح البيان الحكومي البريطاني أن لامي شدد خلال المحادثات على وجود "مصلحة مشتركة" بين البلدين في تحقيق السلام الأوروبي وإنهاء الحرب في أوكرانيا.
وفي تفاصيل المباحثات، قدم الجانب البريطاني أدلة تشير إلى تورط شركات صينية في تزويد روسيا بمعدات عسكرية، مؤكدًا أن هذه الممارسات تهدد بإلحاق ضرر جسيم بالعلاقات الصينية-الأوروبية.
وطالب لامي نظيره الصيني باتخاذ إجراءات فورية للتحقيق في هذه المزاعم ومنع الشركات الصينية من تقديم أي دعم للجهود العسكرية الروسية.
تحديات العلاقات الثنائية
في مواجهة الاتهامات الغربية، اتخذت الصين موقفًا دفاعيًا قويًا، حيث أكدت في بيان رسمي نقلته وكالة CGTN الحكومية أنها "لم تقدم مطلقًا أسلحة فتاكة لأي طرف في النزاع بين روسيا وأوكرانيا".
وأشارت بكين إلى أن لديها نظامًا "صارمًا" لضبط الصادرات، مؤكدة التزامها بالحياد في النزاع الأوكراني.
وتزامنت هذه التطورات مع قرار وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على شركتين صينيتين، متهمة إياهما بتصميم وإنتاج وتصدير طائرات هجومية مُسيرة تستخدمها القوات الروسية في عملياتها العسكرية بأوكرانيا.
ويعكس هذا التوقيت حساسية الموقف الذي تجد بريطانيا نفسها فيه، حيث تحاول الموازنة بين الضغط على الصين والحفاظ على قنوات الحوار معها.
تحول في المقاربة البريطانية
تكشف تفاصيل الزيارة عن تحول ملحوظ في المقاربة البريطانية تجاه الصين مع تولي حكومة حزب العمال الجديدة السلطة، فعلى الرغم من أن لامي أثار قضايا حقوق الإنسان، وخاصة ما يتعلق بمعاملة أقلية الأويجور في شينجيانج، إلا أن النبرة كانت أكثر دبلوماسية مما كانت عليه في السابق.
ويمثل هذا تحولًا لافتًا عن موقف لامي السابق، عندما كان في صفوف المعارضة، حيث صرح لبوليتيكو في مارس الماضي بأن حزب العمال سيسعى إلى إعلان ممارسات الصين ضد الأويجور "إبادة جماعية".
وبرر متحدث باسم رئيس الوزراء كير ستارمر، هذا التحول بالقول إن تحديد ما إذا كانت هناك إبادة جماعية هو أمر يعود للمحاكم الدولية المختصة.
مستقبل العلاقات
على الرغم من التوترات القائمة، فتح الجانبان الباب أمام التعاون في مجالات محددة، وأشار البيان البريطاني إلى إمكانية العمل المشترك في قطاعات استراتيجية، مثل الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي.
كما اتفق الطرفان على أهمية الحفاظ على قنوات الاتصال مفتوحة على المستوى الوزاري، في خطوة تعكس إدراكًا مُتبادلًا لأهمية العلاقات الثنائية رغم الخلافات.
وفي تحليل للموقف، يبدو أن الحكومة البريطانية تتبنى نهجًا جديدًا في علاقاتها مع الصين، يجمع بين الحزم في القضايا الخلافية والمرونة في البحث عن مجالات التعاون المشترك.
ويعكس هذا النهج محاولة لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على المصالح الاقتصادية والتجارية مع بكين من جهة، والوفاء بالالتزامات تجاه الحلفاء الغربيين من جهة أخرى.