- لن نمنع أي شيء تريده.. تناقض فج يغلف تعامل واشنطن مع انتهاكات إسرائيل في غزة
أكدت ليز جراندي، كبيرة المسؤولين الأمريكيين المعنيين بالوضع الإنساني في غزة، أنّ واشنطن لن تفكر في تعليق إمدادات الأسلحة لإسرائيل حتى مع استمرار عرقلتها دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وفق ما كشفته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، نقلًا عن مسؤولي منظمات إغاثة في واشنطن بعد اجتماعهم مع جراندي، خلال أغسطس الماضي.
وأدلت "جراندي"، بهذه التصريحات خلال اجتماع مغلق مع منظمات الإغاثة في واشنطن، أواخر أغسطس الماضي، فيما وصفت إسرائيل بأنها تنتمي إلى "دائرة ضيقة من الحلفاء المقربين جدًا" الذين لن تعارضهم واشنطن، ولن "تمنع عنهم أي شيء يريدونه".
وأوضح أحد المشاركين في الاجتماع –رفض الكشف عن هويته- أنّ تصريحات جراندي كانت "صادمة بشكل مفاجئ" عندما قالت بصراحة إن "القواعد لا تنطبق على إسرائيل".
تناقض أمريكي
يأتي الكشف عن هذه التصريحات في وقت حساس، خاصة بعد التهديد الأخير الذي وجهه وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيان، أنتوني بلينكن ولويد أوستن، لإسرائيل في رسالة مشتركة، الأحد الماضي.
وبحسب "بوليتيكو"، تضمنت الرسالة تهديدًا بتعليق إمدادات الأسلحة إذا لم تتحسن الأوضاع الإنسانية في غزة خلال 30 يومًا، ما يثير تساؤلات حول جدية هذه التهديدات في ضوء تصريحات جراندي السابقة.
عراقيل إسرائيلية متواصلة
وأشارت الصحيفة إلى حجم العراقيل الإسرائيلية المتواصلة التي تواجهها منظمات الإغاثة العاملة في غزة، والتي عبرت عن إحباطها الشديد خلال الاجتماع الذي استمر قرابة ساعتين مع المسؤولة الأمريكية.
وتحدث ممثلو المنظمات بتفصيل عن منعهم من استخدام طرق بديلة لنقل المساعدات داخل القطاع، وهي مسارات كان من شأنها تجنب التجمعات والعصابات المعروفة بسرقة حزم الغذاء والدواء.
وأشارت المنظمات، وفقًا لما نقلته "بوليتيكو"، إلى مخاوف جدية من انتهاكات صارخة للقانون الإنساني الدولي، الذي يحظر بشكل عام على الدول تقييد أو منع المساعدات الإنسانية أو حركة العاملين في المجال الإنساني في مناطق النزاع، لكن هذه المخاوف قوبلت باعتراف صريح من جراندي بأن القواعد القانونية لا تنطبق على إسرائيل.
ووفقًا للوثائق التي حصلت عليها الصحيفة الأمريكية، أكدت المنظمات الإغاثية أنها استنفدت جميع الحلول الممكنة لإدخال المزيد من المساعدات إلى القطاع المحاصر، وجميعها باءت بالفشل في ظل التعنت الإسرائيلي المتواصل.
فيما عبر بعض قادة المنظمات عن إحباطهم من عدم وجود أي ضغط حقيقي من الجانب الأمريكي لتغيير هذا الوضع، خاصة مع استمرار تدفق الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل دون أي قيود أو شروط تتعلق بتحسين الوضع الإنساني.
دور "كوجات"
كشفت "بوليتيكو" عن تفاصيل مثيرة حول دور مكتب تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق (كوجات)، وهو الجهة الإسرائيلية المسؤولة عن الإشراف على توزيع المساعدات في غزة.
وبحسب المذكرات التفصيلية للاجتماع، وصفت المبعوثة الأمريكية ليز جراندي هذا المكتب بأنه مجرد "صندوق بريد" لجيش الاحتلال الإسرائيلي، في إشارة إلى افتقاره للاستقلالية فيما يخص اتخاذ القرارات.
وأوضحت جراندي أنّ "كوجات" يخضع لنظام معقد من التعليمات المتداخلة، إذ يتلقى أوامره من ثلاث جهات رئيسية في إسرائيل، وهي: جيش الاحتلال، والمجلس الوزاري المصغر (الكابينت)، وأجهزة الاستخبارات.
وتمتلك كل من الجهات الثلاث طلباتها الخاصة حول كيفية إدارة العمليات الإنسانية في غزة، ما يخلق تعقيدات بيروقراطية تعوق وصول المساعدات بشكل فعال.
وفي محاولة مزعومة لتجاوز هذه العقبات، كشف الصحيفة عن مساعٍ أمريكية لنقل الإشراف على عمل المنظمات الدولية من "كوجات" إلى وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت مباشرة.
وتهدف هذه الخطوة -بحسب الصحيفة- إلى تبسيط عملية اتخاذ القرار وتسريع وصول المساعدات الإنسانية، غير أنّها أشارت إلى أن مصير هذه المساعي لا يزال غير واضح.
مستقبل المساعدات الإنسانية
وكشفت الصحيفة أن بعض المنظمات تدرس الانسحاب من غزة بسبب المخاوف المتزايدة على سلامة موظفيها، في حين ردّت جراندي على ذلك بالقول إن إسرائيل لديها خطة لاستخدام القطاع التجاري لتوصيل المساعدات بمساعدة الدول المجاورة.
ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي التعليق على الاجتماع أو تفسيرات منظمات الإغاثة له، فيما أكد مسؤول في الخارجية الأمريكية، طلب عدم الكشف عن هُويته، أن "كوجات" وجيش الاحتلال "شركاء حيويون" و"جزء لا يتجزأ من نجاح الجهود الإنسانية".
يذكر أن جراندي، التي تولت منصبها كمبعوثة خاصة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط في أبريل الماضي، شغلت سابقًا منصب الرئيس التنفيذي لمعهد السلام الأمريكي.