الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ممرات آمنة.. لماذا تتنامى ظاهرة تهريب المخدرات عبر الغرب الإفريقي؟

  • مشاركة :
post-title
تنامي تجارة المخدرات في الغرب الإفريقي - صورة أرشيفية

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

اقترنت تجارة المخدرات في منطقة الغرب الإفريقي بنمو نمط الجرائم العابرة للحدود، التي تقوم عليها التنظيمات والميليشيات المسلحة بشكلٍ عام، وما يرتبط بذلك من تراجع تطبيق القانون، وغياب الاستقرار في بعض دول الغرب الإفريقي، وهو ما كان له آثار سياسية واقتصادية وأمنية خطيرة، أثّرت على علاقات التعاون بين الدول في تلك المناطق، ونمو التجارة البينية، وتهديد حركة البضائع والأفراد. وعلى ما سبق، يتناول هذا التحليل أسباب استخدام منطقة الغرب الإفريقي، كمسارات وممرات لتهريب المخدرات، متطرقًا إلى مؤشرات تنامى تلك الظاهرة في غرب القارة الإفريقية.

أسباب الانتشار:

إن قراءة ورصد خريطة تجارة المخدرات في القارة الإفريقية، يشير إلى مجموعة من الأسباب تؤدى إلى تنامي تلك الظاهرة عبر الساحل الغربي لإفريقيا، نوضحها كما يلي:

(*) تورط عناصر من خارج إفريقيا: أعلنت سلطات الجمارك في دولة السنغال أوائل نوفمبر 2022 عن ضبط شحنة تُقدر قيمتها بـ24 مليار فرنك إفريقي (37 مليون يورو) في كديرا على الحدود المالية السنغالية، وتُعد هذه العملية واحدة من أكبر عمليات التهريب للكوكايين التي تتم عبر البر. ويشير تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) إلى أن منطقة غرب إفريقيا تحولت من كونها منطقة لعبور المخدرات إلى منطقة ذات استهلاك عالٍ، ويتجاوز استخدام القُنب والمواد المخدرة في غرب إفريقيا المتوسطات العالمية. وينتشر خارج مناطق مدينة بيساو العشرات من الأجانب خاصة الكولومبيين الذين تظهر عليهم آثار الرفاهة وأسلوب الحياة المختلف عن السكان المحليين. وتشير دراسة منشورة على موقع مجلة هارفارد الدولية منتصف أبريل 2022 إلى أن أباطرة تجار المخدرات الكولومبيين يعيشون في مزارع على الطراز الإسباني خارج مدينة بيساو، ويتميزون بنمط حياة مختلف عن السكان المحليين، يغلب عليه رفاهية هذه التجارة المُربحة مثل انتشار أفراد الأمن حول بوابات المنازل، وحمامات السباحة الفيروزية، والسيارات الفخمة.

(*) ارتفاع معدلات الفقر: تؤكد جغرافية تنامي انتشار المخدرات في مناطق غرب إفريقيا على وجه الخصوص، تأثير الفقر على تنامي هذه التجارة؛ إذ تُعد غينيا بيساو من أكبر دول الغرب الإفريقي إسهامًا في هذه التجارة، مما جعل الأمم المتحدة تُطلق عليها في عام 2000 "أول دولة مخدرات" في إفريقيا. وتُعد غينيا بيساو خامس أفقر دولة في العالم؛ حيث يقول مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدرات والجريمة، إن قيمة تجارة المخدرات في غينيا بيساو أكبر من الدخل القومي، وتحتل غينيا بيساو المركز رقم 177 من أصل 191 دولة في تقرير التنمية البشرية 2021 الصادر عن الأمم المتحدة.

(*) انتشار الفساد: سجلت دول غرب إفريقيا مراكز متأخرة على مؤشر مدركات الفساد لعام 2021؛ وحصلت غينيا بيساو على 21 نقطة من أصل 100، فيما حصلت مالي على 25 نقطة، وموريتانيا على 28 نقطة، ونيجيريا على 24 نقطة، وكلها تقع في المنطقة ذات الأحمر الداكن (عالية الفساد). ويمكن القول إن ارتفاع معدلات الفساد يُسهم في تسهيل تجارة المخدرات والكوكايين لكبار العصابات الكولومبية والمكسيكية المنتشرة في الغرب الإفريقي، لتسهيل تجارتها وتأمين مساراتها إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

(*) هيمنة نمط الدول الهشّة: تستهدف عصابات أمريكا الجنوبية نماذج الدول الفاشلة أو الهشّة أمنيًا لتسيير تجارتها حولها، مستغلة تراجع تطبيق القوانين، وضعف السلطة المركزية. وتشهد غالبية هذه الدول غياب الاستقرار السياسي، وانتشار الفساد بنسب مرتفعة، وذلك وفق تقرير مؤشر مدركات الفساد لعام 2021. مما يسمح بالتواطؤ مع هذه العصابات. في هذا السياق، تطالب حكومات غرب إفريقيا المجتمع الدولي بتوفير المساعدات، لتتمكن من مكافحة هذه الجرائم التي باتت تهدد استقرار الدولة، والتزاماتها القانونية.

(*) البطالة وتراجع التوظيف: يشير تقرير المخدرات العالمي 2021 إلى تأثير حالة الإغلاق التي عاشها العالم عام 2020 إثر انتشار فيروس كورونا على ارتفاع معدلات استهلاك المخدرات بسبب انتشار البطالة وتضاعفها؛ حيث تعاطى خلال عام 2021 نحو 275 مليون شخص حول العالم للمخدرات. وقد حفزت حالة الإغلاق العام التي مرَّ بها العالم من الشعور بالعزلة والإحباط وغياب الأنشطة الترفيهية، وتزايد معدلات البطالة مما جعل البعض خاصة فئة الشباب يميلون إلى تعاطي المخدرات. ويسعى المهربون إلى التركز في المناطق التي تشهد ضعف دولة القانون لتحقيق أهدافهم.

(*) تصاعد دور التنظيمات الإرهابية: تفرض البيئة الأمنية الهشة في مناطق الغرب الإفريقي واقعًا أمنيًا مغايرًا للتنظيمات الإرهابية، وذلك لتوفير مصادر تمويلها ذاتيًا؛ حيث تكون الفرصة مواتية لممارسة هذه التنظيمات لأنشطتها غير المشروعة؛ فإلى جانب تجارة المخدرات توظف هذه التنظيمات مزيدًا من الأنشطة غير المشروعة مثل الاتجار بالبشر وتجارة السلاح لتأمين التمويل اللازم، وذلك عبر استغلال الثغرات الأمنية مثل ظاهرة الصراعات القبليَّة والإثْنيَّة في العديد من هذه المناطق. وينشط تنظيم "بوكو حرام" الإرهابي في نيجيريا وتأتي تجارة المخدرات والكوكايين على رأس أنشطته. وقدَّرت وزارة الخزانة الأمريكية إيرادات الجماعة بنحو 10 ملايين دولار سنويًا، وتأتي معظم هذه الأموال من الجرائم المنظمة مثل الخطف، وتجارة السلاح والمخدرات. تجدر الإشارة إلى أن السلطات في غينيا بيساو ضبطت في 2019 800 كجم من المخدرات مخبأة في شاحنة محملة بالأسماك المجمدة، وقد صرَّحت السلطات الأمنية في تحقيقاتها بأن هذه الصفقة من المخدرات كانت في طريقها إلى تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب" الإرهابي.

مؤشرات واضحة:

هناك العديد من المؤشرات التي تؤكد تنامي ظاهرة الاتجار بالمخدرات في مناطق الغرب الإفريقي، ومن أبرزها:

(*) تنامي حجم التجارة: على الرغم أن تقرير لمكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة (UNODC) الذي نُشر منتصف عام 2021 يعتبر أن نسبة مشاركة إفريقيا لا تُشكل سوى 1% تقريبًا من حجم تجارة المخدرات عالميًا، فإن التقرير أظهر تخوفاته بشأن تنامي هذه الظاهرة وتضاعفها لأكثر من 10 مرات خلال أعوام 2015-2019 لا سيَّما في مناطق الساحل الغربي لإفريقيا. وتُستهدف مناطق الغرب الإفريقي من قبل عصابات إفريقية وآسيوية لتسهيل تهريب الهيروين عبر المحيط الأطلسي إلى السواحل الأمريكية.

(*) ارتفاع حجم المضبوطات: يشير تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الصادر في يونيو 2021 إلى تزايد حجم الكميات المضبوطة من الكوكايين، والأنواع المختلفة للمخدرات في إفريقيا إلى نحو 10 مرات. وبلغت مضبوطات الكوكايين وفقًا لتقديرات (UNODC) في غرب إفريقيا بدول (الرأس الأخضر، والسنغال، وغينيا بيساو) بين عامي 2019، و2022 نحو 57 طنًا، وبلغت المضبوطات المسجلة في النيجر نحو 214 كجم، وبوركينا فاسو 115 كجم، ومالي 33.9 كجم. ويشير ذلك إلى أن طريق الساحل الإفريقي بات يمثل منطقة عبور كبيرة نسبيًا.

(*) تنوع مسارات المرور: وفق العديد من التقارير مثل تقرير "بي بي سي للأبحاث" المنشور في مايو 2020، وتقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لعام 2021، تتنوع مسارات مرور المخدرات؛ فهناك طريق يبدأ من غينيا بيساو مرورًا بمالي والنيجر وصولًا إلى أوروبا. وآخر يبدأ من مالي عبر شمال إفريقيا وصولًا لأوروبا. وتُعد سمة انعدام الأمن والاستقرار أساس نمو هذه التجارة في الغرب الإفريقي. فكما نرى، تأخذ العصابات والتنظيمات من الدول غير المستقرة مثل مالي وغينيا بيساو وليبيا طريقًا لاستقبال وإعادة شحن المخدرات إلى الجوار الإفريقي مثل أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ووفقًا لتقرير الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات لعام 2021، باتت مناطق غرب إفريقيا مركزًا لتدفق الكوكايين من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا، خاصة بعد أن أصبحت الطرق الأخرى مثل أمريكا الوسطى صعبة على المهربين، بسبب ضغوطات الأجهزة الأمنية والرقابية.

(*) تمدد إجراءات التضييق الأمني: أجبر التضييق الأمني في بعض مناطق أمريكا الوسطى العصابات على تطوير طرق جديدة للاتجار بالكوكايين عبر المحيط الأطلسي. ووفق مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، تصل هذه العصابات إلى سواحل غرب إفريقيا من خلال أقصر معبر عبر المحيط الأطلسي من أمريكا الجنوبية، وهو إما عن طريق إرسال شحنات بطائرات صغيرة معدلة من فنزويلا وكولومبيا إلى وجهات مختلفة في غرب إفريقيا، وكذلك عن طريق سفن تُقلع من البرازيل أو فنزويلا ليلًا، وتسير مغطاة بالقماش المشمع الأزرق لتجنب اكتشافها. وكما ذكرنا تستخدم هذه التنظيمات حاويات الشحن لنقل البضاعة بين أمريكا اللاتينية ومناطق الغرب الإفريقي، وتعتبر هذه من الوسائل الفعالة لنقل المخدرات إلى غرب إفريقيا، بسبب ضعف إمكانيات العديد من دول المنطقة لفحص كل الحاويات عبر موانئها.

في الختام، اقترنت تداعيات انتشار تهريب المخدرات بتهديد أمن منطقة الغرب الإفريقي، وتدهور العلاقات الدبلوماسية بين الدول، مثل الضغوط الدولية التي تمارسها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على دول الغرب الإفريقي لضبط الحدود ومكافحة الاتجار في المخدرات. وقد طوّرت التنظيمات الإرهابية الاتجار بالمخدرات وحولته إلى اقتصاد كامل عبر تهيئة الظروف وتوفير الملاذ الآمن للنقل والانتشار. وتربط التقارير بين أنشطة التنظيمات الإرهابية وتجارة المخدرات؛ إذ قالت مجموعة الأزمات الدولية أن أعضاء بتنظيم "نصرة الإسلام والمسلمين" التابع لتنظيم "القاعدة" الإرهابي متورطون في شبكات التهريب بدولة مالي، التي تشهد أنشطة إرهابية متزايدة بالفترة الأخيرة. ويعتبر الاتجار غير المشروع في المخدرات إحدى قنوات التمويل اللازم لكثير من حالات التمرد والإرهاب في العديد من مناطق العالم.