الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مآلات التصعيد الإسرائيلي في لبنان

  • مشاركة :
post-title
موقع الغارة على مقر قيادة حزب الله بالضاحية الجنوبية

القاهرة الإخبارية - د. مبارك أحمد

جاء التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان باغتيال قادة "حزب الله"، وما سبقه من اختراق وتفجير لأجهزة البيجر وأجهزة اللاسلكي، وتهديد جيش الاحتلال الإسرائيلي بشن عملية برية في جنوب لبنان، فضلًا عن إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن عملية اغتيال حسن نصر الله خطوة ضرورية لتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الأهداف الإسرائيلية من التصعيد المنفلت ضد لبنان، وهل يشكّل غياب حسن نصر الله، الأمين العام لـ"حزب الله"، تغييرًا لتلك الموازين التي تتسم طبيعتها بالتعقيد والتشابك؟.. في ظل تداخلها مع أنماط التوازن الدولي التي تؤثر على طبيعة التفاعل داخل الأنظمة الإقليمية ومنها إقليم الشرق الأوسط بطبيعة الحال.

أهداف متنوعة

تتنوع أهداف التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

(*) محاولة استعادة الردع المفقود: تسعى إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى" إلى استعادة الردع المفقود بعد أن نجحت حركات المقاومة في إسقاط نظريات الردع الإسرائيلي، بدخولهم مستوطنات غلاف غزة وقتل نحو 1200 شخص، واحتجاز ما يزيد على 250 شخصًا، وبث بعض من عمليات احتجاز الإسرائيليين على الهواء. جعل هذا الواقع إسرائيل أكثر وحشية في ردها بعملية "السيوف الحديدية" التي أدت إلى سقوط ما يزيد على 150 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح بقطاع غزة، وتدمير ما يقرب من 80% من منشآت القطاع وبنيته الأساسية.

وبرغم تلك الخسائر المادية والبشرية، إلا إسرائيل أخفقت في تحقيق أي من أهداف حربها الغاشمة على غزة، ومع دخول "حزب الله" في عملية إسناد للمقاومة الفلسطينية باستهداف مستوطنات الشمال، وهو ما جعل من جبهة جنوب لبنان الهدف التالي لحربها المفتوحة على جبهات مشتعلة، لا سيما بعد عملية "مجدل شمس" التي اتهمت إسرائيل الحزب بتنفيذها، ورفض الحزب ذلك الاتهام، وفوّض مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المصغر كلًا من رئيس الوزراء بنيامين نتياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت بتحديد نوع وتوقيت الرد، حيث أعلن الأخير بضرب الحزب في كل مكان، وطالب وزير الأمن القومي إيتمار بن جفير رئيس الوزراء بشن حرب على الحزب.

(*) الرغبة في تحقيق التماسك الداخلي: أدت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى انقسام داخل إسرائيل ومطالبة المعارضة بمحاكمة نتنياهو وحكومته بعد عملية طوفان الأقصي، كما تزايدت المظاهرات التي تطالب برحيل الحكومة الإسرائيلية، وتطالبها أيضًا بقبول جهود الوساطة لوقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس.

ومع إصرار نتنياهو على الاستمرار في حربه ضد غزة ورفض المتشددين في حكومته قبول وقف إطلاق النار والتهديد بالانسحاب من الحكومة، ومع إخفاقه في تحقيق أهدافه من الحرب على غزة بدا له أنه يحتاج إلى جبهة جديدة يشعلها كي يضمن تحقيق التماسك الداخلي، ومع استمرار المناوشات بين إسرائيل و"حزب الله" على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، اتجه جيش الاحتلال لتنفيذ عمليات نوعية بالضاحية الجنوبية لبيروت باستهداف المقار المركزية لـ"حزب الله"، التي اغُتيل خلالها الأمين العام للحزب وعدد من قادة الحزب ونائب قائد الحرس الثوري وقائد فيلق القدس في لبنان عباس نيلفروشان، وما تلاها من التهديد بحرب برية محدود لاستهداف تمركزات "حزب الله" في الجنوب اللبناني.

(*) عودة سكان الشمال: هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي من التصعيد على جبهة لبنان هو عودة سكان الشمال وتأمين منطقة الجليل، وهو ما أعلن عنه في 18 سبتمبر 2024 أن إسرائيل ستضمن عودة عشرات الآلاف من سكان المناطق الحدودية الشمالية، كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أن الحرب دخلت مرحلة جديدة بنقل المزيد من القوات والموارد باتجاه الجبهة الشمالية مع لبنان.

غير أن المفارقة في تشابه تحركات إسرائيل بين الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 مرورًا بالانسحاب من لبنان عام 2000 وصولًا للتصعيد في 2024 ارتبط بهدف رئيسي وهو سلامة منطقة الجليل، التي تعني أن إسرائيل فشلت في تحقيق الأمان لسكان الشمال بعد مرور ما يزيد على أربعة عقود بكل ما تمتلكه من قوة، بما يؤكد حقيقة تاريخية بأن الأرض لأهلها لا لمن يحتلها.

(*) الاستدراج الإسرائيلي لإيران: يشكّل اتجاه إسرائيل للتصعيد ضد لبنان في أحد جوانبه رغبة إسرائيلية في استدراج إيران نحو حرب شاملة، وأمام محاصرة نتنياهو داخليًا وخارجيًا بدا له أن الخروج من هذا المأزق لتوحيد الداخل الاسرائيلي، يرتبط بالتوجه نحو تصعيد الصراع مع إيران واستدراجها لحرب شاملة، باعتبار أن العديد من الدول الغربية لا تزال تعتبرها "دولة مارقة" تتعاون مع روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية، فاتجه نحو استهداف أذرع إيران في دول الإقليم وتصفية المنتمين لتلك الأذرع، وفي مقدمتها "حزب الله" اللبنانيـ التي ظلت القواعد في المناوشات بينه وبين إسرائيل تخضع لما اصطلح على تسميته بـ"التناسب في قواعد الاشتباك"، التي ظلت تحكم المناوشات المستمرة بين الجانبين لفترات ممتدة ضمنت عدم التصعيد إلى حافة الهاوية، إلا أن شن إسرائيل لحربها الغاشمة على غزة دون رادع جعلت الحزب يتجه نحو عمليات للإسناد في شمال إسرائيل من خلال استخدام مسيّرات وصواريخ استهدفت العمق الإسرائيلي بررت بها إسرائيل غاراتها الجوية على الجنوب اللبناني واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت والتهديد بعملية برية.

سيناريوهان محتملان

على خلفية التصعيد الإسرائيلي في لبنان، فإن ثمة سيناريوهين يمكن إبرازهما على النحو التالي:

السيناريو الأول.. التصعيد المفتوح: وهو الأقرب للتحقق ويقوم ذلك السيناريو على مجاراة القيادة الإيرانية لأهواء التصعيد لدى النخبة اليمينية المتشددة في إسرائيل، التي ترفض وقف إطلاق النار في غزة -رغم اعتباره المفتاح الرئيسي لتهدئة كافة الجبهات التي تشتعل لمساندتها وتخفيف الضغط عنها- وقد انعكس ذلك في إطلاق الحرس الثوري الإيراني هجوم صاروخي باليستي واسع يوم الثلاثاء 1 أكتوبر 2024.

كما يعكس الموقف الأمريكي الذي تبنى رفضًا قاطعًا لاستهداف لبنان تناقضًا ما بين التوجهات الرافضة لتمدد الحرب من غزة إلى باقي البؤر القابلة للاشتعال في المنطقة، ومنها لبنان، منعًا لتحولها إلى حرب شاملة من جهة، والسلوك على أرض الواقع الداعم لتوجهات نتنياهو بالتصعيد المنفلت في لبنان من جهة أخرى، وذلك بتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لحماية ودعم إسرائيل، وهو ما عبّر عنه الرئيس الأمريكى بأنه وجّه بزيادة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة لما يُقدر إجمالًا بنحو 43 ألف مقاتل إلى جانب تمديد مهمة مجموعة حاملة الطائرات "إبراهام لينكولن" وتوجيه مجموعة حاملة الطائرات "هاري ترومان" التي من المتوقع وصولها لشرق المتوسط خلال أيام.

السيناريو الثاني.. التصعيد المدار ويقوم هذا السيناريو على قدرة الإدارة الأمريكية على إدارة التصعيد واحتواء الموقف الإيراني في ضوء المفاوضات عبر قنوات الاتصال العربية، إلا أن فرص التهدئة باتت تتلاشى في ظل الحملة الإسرائيلية الموسعة على "حزب الله" الذي يشكّل أحد الأجنحة الرئيسية في إدارة إيران لصراعها مع إسرائيل وتوظيفه أيضًا على مستوى الداخل من خلال القوى السياسية المرتبطة به، التي كان لها تأثيرها على المعادلة السياسية في لبنان، والتي تجلت بوضوح في مسألة الفراغ الرئاسي في لبنان الذي استمر لما يزيد على عامين بعد مغادرة الرئيس السابق ميشيل عون للسلطة في أكتوبر 2022.

واجمالًا؛ فإن التصعيد الإسرائيلي في لبنان والسعي لفصل "حزب الله" عن طرق إمداده ودعمه يمثل خسارة كبيرة لإيران والأذرع المسلحة الموالية لها في المنطقة، ما يعزّز فرص تصعيد الصراع ويقلل من فرص التوصل لتسوية مرضية للطرفين بعد دخول الصراع لمرحلة المواجهة المباشرة.