في الـ26 من ديسمبر 2022، أعلن دميتري كوليبا، وزير خارجية أوكرانيا، أن كييف تعتزم عقد "قمة سلام" في الأمم المتحدة بنهاية شهر فبراير المقبل، مطالبًا بعدم دعوة روسيا لحضور تلك القمة، إلا بعد خضوعها لمحكمة دولية وامتثالها لقراراتها. وفي ظل حرص أوكرانيا على عدم حضور روسيا هذه القمة، وتأكيد أنطونيو جوتيريش، أمين عام منظمة الأمم المتحدة، استعداده للتوسط، إذا وافقت جميع الأطراف بما في ذلك روسيا، يبقى السؤال، وهو: ما هي فرص انعقاد قمة السلام التي دعت لها أوكرانيا؟، وما هي تحديات نجاحها في حالة اجتماع الأطراف وحضور الأمين العام للأمم المتحدة؟
مبادرات متعددة:
لم تكن مبادرة زيلينسكي ودعوته لعقد قمة للسلام في الأمم المتحدة، هي المبادرة الوحيدة التي تطالب بوقف الحرب والاقتتال على الأراضي الأوكرانية، فقد سبقتها العديد من المبادرات سواء على مستوى الأطراف المنخرطة في الصراع بشكل مباشر أو الدول المعنية بالسلام العالمي، منها ما ألمح إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، 25 ديسمبر 2022، عن استعداد بلاده للتفاوض، كما كشف الرئيس الأوكراني خلال مشاركته، عبر الفيديو، في قمة مجموعة العشرين التي عُقدت في مدينة بالى الإندونيسية، نوفمبر 2022، عن خطة للسلام من ثلاث نقاط لزيادة الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي لأوكرانيا، فيما جاء تعليق ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين على المبادرة بوصفها أنها ثلاث خطوات عدائية.
كما تنوعت المبادرات المطروحة من قبل الأطراف المعنية بإرساء السلام العالمي والداعية إلى تحقيق السلام في أوكرانيا، حتى لا تتسع دائرة الصراع أو تمتد لتشكيل شبكة من التحالفات المتنافسة، منها ما طرحه أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، من دعوات متكررة لإحلال السلام في أوكرانيا، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي وجه نداءً من شرم الشيخ لإحلال السلام في أوكرانيا.
عشر نقاط:
جاءت مبادرة زيلينسكي في عشر نقاط أساسية، ثلاث منها مرتبط بتحقيق الأمن، هي: الأمن النووي، وما يتعلق بالسلامة الإشعاعية والنووية، بالتركيز على استعادة الأمن حول أكبر محطة نووية في أوروبا، هي محطة زابوريجيا في أوكرانيا التي تخضع للسيطرة الروسية. والأمن الغذائي، بما يشمل حماية وضمان صادرات الحبوب الأوكرانية لأفقر الدول في العالم. وأمن الطاقة، بالتركيز على قيود الأسعار على موارد الطاقة الروسية، إضافة إلى مساعدة أوكرانيا في إصلاح وتأهيل البنية التحتية للكهرباء التي تضرر نحو نصفها من الهجمات الروسية.
فيما جاءت الأربع نقاط التالية لتحدد المطلوب من روسيا وفقًا لمبادرة السلام المطروحة، هي: الإفراج عن كل السجناء والمبعدين بما يشمل أسرى الحرب والأطفال الذين تم ترحيلهم لروسيا، وإعادة وحدة الأراضي الأوكرانية وتأكيد روسيا عليها بموجب ميثاق الأمم المتحدة، وسحب القوات الروسية ووقف العمليات القتالية، وإعادة الحدود بين أوكرانيا وروسيا لسابق عهدها، وتحقيق العدالة بما يشمل تأسيس محكمة لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب من روسيا. وجاءت النقطتين التاليتين في المبادرة لتركزان على المنع، هما: منع إبادة البيئة الطبيعية والحاجة لحماية البيئة بالتركيز على إزالة الألغام، وإصلاح منشآت معالجة المياه، ومنع تصعيد الصراع وبناء هيكل أمني في الفضاء اليورو– أطلسي بما يتضمن ضمانات لأوكرانيا. فيما جاءت النقطة العاشرة والأخيرة، لتأكد انتهاء الحرب من خلال توقيع وثيقة من كل الأطراف المعنية.
تحديات ماثلة:
تواجه مبادرة الرئيس الأوكراني بشأن عقد قمة للسلام العديد من التحديات، لعل أبرزها:
(*) الرفض الروسي: جاء تصريح ماريا زاخاروف، المتحدثة باسم الخارجية الروسية، 29 ديسمبر 2022، تعليقًا على طرح المبادرة، بأن الحديث عن عقد ما يُسمى قمة السلام في ذكرى بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا بمقر الأمم المتحدة، التي ستسهم وفقًا لخطة قادة كييف في "تنفيذ الإرهاصات الغربية" للرئيس الأوكراني زيلينسكي، التي صاغها فيما يُسمى بـصيغة السلام، ليست سوى "حيلة أخرى من حيل العلاقات العامة من جانب واشنطن، التي تحاول مؤخرًا تقديم النظام بكييف في صورة صانع السلام". هذه الرؤية، تعكس الموقف الروسي من صيغ ومبادرات السلام، التي تقوم على شروط روسيا للقبول بها من خلال ضرورة الاعتراف بالسيادة الروسية على المناطق الأوكرانية الأربع التي تم ضمهم أواخر سبتمبر 2022، هي مناطق دونيتسك، لوجانسك، وخيرسون، وزابوريجيا، وإعلان تلك المناطق خاضعة لحماية الترسانة النووية الروسية، وإعلان الأحكام العرفية برغم انسحابه من خيرسون، فضلًا عن تجميد إجراءات ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلنطي، منعًا لتمدد الحلف على تخوم روسيا ومناطق أمنها القومي.
(*) الدعم الأمريكي: برغم تنامي الدعوات المطالبة بإحلال السلام في أوكرانيا، إلا أن الدعم الأمريكي المكثف لأوكرانيا تشير إلى عكس المرجو من تلك المبادرات، إذ وافق الكونجرس الأمريكي في مايو 2022، على تقديم 40 مليار دولار دعمًا لجهود الحرب في أوكرانيا. كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية اعتزامها تقديم مساعدات إضافية لأوكرانيا بقيمة 1.85 مليار دولار تشمل منظومة باتريوت للدفاع الجوي، فيما أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن أن بوتين لن ينتصر في تلك الحرب، خلال المؤتمر الصحفي مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي على خلفية زيارة الأخير إلى الولايات المتحدة الأمريكية، 21 ديسمبر 2022، فيما عبر زيلينسكي خلال المؤتمر عن أن أوكرانيا تدافع عن الدول الأوروبية الأخرى من تهديدات بوتين، كما طالبت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي المنتهية ولايتها في رسالة موجهة إلى أعضاء الكونجرس، بدعم أوكرانيا، مشبهة الأخيرة ببريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية، عندما طلبت الدعم الأمريكي لمواجهة ألمانيا النازية.
(*) المساندة الأوروبية: تتنوع المساندة الأوروبية الاقتصادية والعسكرية لأوكرانيا، هي المساندة التي تضع مبادرات السلام على المحك، إذ تعهدت إلى جانب باقي أعضاء مجموعة الدول السبع، بتقديم 19.8 مليار دولار. فيما أعلنت ألمانيا وفرنسا تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا. ففي أكتوبر 2022، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على توفير 500 مليون يورو كمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ليصل بذلك المبلغ الإجمالي الذي تم تخصيصه لها منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، فبراير 2022، إلى 3.1 مليار يورو، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية.
(*) شرط الأمين العام للأمم المتحدة: يعتبر تأكيد أنطونيو جوتيريش، استعداده للوساطة في حال موافقة جميع الأطراف، هو شرط مكمّل ونتيجة للتحديات المذكورة سابقًا، ويعد حرص أوكرانيا على عدم حضور روسيا للقمة إلا بعد خضوعها لمحكمة دولية وامتثالها لقراراتها، وكذلك رفض روسيا الحضور، بمثابة تحديات واضحة أمام فرص انعقاد القمة من الأساس، خاصة وأن تأكيد أنطونيو جوتيريش، أمين عام منظمة الأمم المتحدة، وضع شرط تعجيزي لعقدها، يتمثل في استعداده للتوسط، إذا وافقت جميع الأطراف، بما في ذلك روسيا.
سيناريوهان لا ثالث لهما:
وفقًا لمبادرات السلام التي يطرحها زيلينسكي وغيره، وفي ظل استمرار الدعم الغربي المكثف لأوكرانيا، وفي ظل الرفض الروسي لتلك المبادرات وتمسك بوتين بشروطه لإحلال السلام، فإن سيناريوهين رئيسيين لمستقبل الصراع الروسي الأوكراني، هما:
(&) السيناريو الأول، تسوية الصراع: ويتم من خلال وصول الطرفين إلى مرحلة الإنهاك المتبادل، ومع دخول الشتاء ولما للطقس من تأثيرات على مسار العمليات العسكرية في تلك المنطقة، فإن ذلك قد يؤدى إلى التهدئة يعزز من ذلك التوجه أن كل دول العالم قد عانت من التأثيرات السلبية للصراع، منها ارتفاع التضخم وتحديات سلاسل الإمداد، بما أدى إلى دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة من الركود انعكس على التوقعات بتباطؤ النمو العالمي خلال عام 2023. وهو الأمر الذي ربما يدفع أطراف الصراع للاتجاه نحو التهدئة التي ستكون مقدمة لتسوية الصراع في ظل عدم قدرة الكثير من الدول على تحمل التكاليف الباهظة لاستمراره.
(&) السيناريو الثاني، تعقد الصراع: يعني استمرار فشل مبادرات السلام. وهو السيناريو الأقرب للتحقق، ويقوم هذا السيناريو على احتمالية اتساع نطاق الصراع في ظل الإصرار على إعادة تشكيل النظام الدولي من قبل عدد من القوى الكبرى والمتوسطة في النظام الدولي. وهو الأمر الذي سيدفع بسباق تسلح عسكري عالمي بدت مؤشراته فى إعلان ألمانيا زيادة مخصصات الإنفاق العسكري وزيادة ميزانية التسلح لتصبح الثالثة في هذا السباق بعد أمريكا والصين، وإعلان اليابان تخليها عن سلميتها والعودة إلى التسلح، والدعم الإيراني بالطائرات المُسيّرة لروسيا، والدعم التركي لأوكرانيا بالطائرات المُسيّرة. وهي الشواهد التي ستعقد الصراع وستؤدي لاستمراريته.
مجمل القول، إن التدخلات العابرة للحدود في الصراع الروسي الأوكراني ستضعف من قبول مبادرات التسوية السلمية للصراع في المدى القريب، لا سيما وأن الصراع اتجه نحو إيجاد حالة من الاصطفاف والتحالفات التي تسعى لإرساء قواعد جديدة لنظام دولي لا زال يتحول بتكلفة عالية.