في خطوةٍ تاريخيةٍ تعكس جهود الفاتيكان لتعزيز الحوار بين الأديان؛ وصل البابا فرنسيس إلى إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، في مستهل جولة آسيوية طموحة تستمر 12 يومًا، تأتي في إطار أطول رحلة بابوية في تاريخه، لتسلط الضوء على أهمية التعايش الديني والحوار بين الثقافات في عالم يشهد توترات متزايدة.
رحلة تاريخية تتحدى الصعاب
وفقًا لما ذكرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، هبطت طائرة البابا فرنسيس، البالغ من العمر 87 عامًا، في العاصمة الإندونيسية جاكرتا اليوم الثلاثاء، محطته الأولى في رحلة ستشمل أيضًا بابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وسنغافورة.
وتغطي هذه الجولة مسافة تقارب 32,000 كيلومتر، مما يجعلها الأطول والأبعد في السنوات الإحدى عشرة من قيادته للكنيسة الكاثوليكية.
تأتي هذه الرحلة الطموحة في وقت يواجه فيه البابا تحديات صحية متزايدة، حيث أصبح يستخدم كرسيًا متحركًا بشكل روتيني للتنقل، وخضع لعملية جراحية لعلاج الفتق في عام 2023.
ومع ذلك، أفاد المتحدث باسم الفاتيكان، ماتيو بروني، أن الإجراءات الطبية المعتادة كافية، مع وجود طبيبه الشخصي وممرضتين برفقته.
رسالة تعايش في قلب التنوع الديني
تكتسب زيارة البابا فرنسيس لإندونيسيا أهمية خاصة نظرًا للتركيبة الدينية الفريدة للبلاد، فعلى الرغم من أن المسلمين يشكلون 87% من السكان ، أي ما يعادل حوالي 242 مليون نسمة، فإن المسيحيين الكاثوليك، الذين يمثلون أقل من 3%، او ما يعادل حوالي 8 ملايين، يتمتعون باعتراف رسمي كواحدة من ست ديانات معترف بها في هذا البلد العلماني رسميًا.
وفي خطوة رمزية قوية، سيلتقي البابا يوم الخميس بممثلين عن جميع الديانات الست المعترف بها في مسجد الاستقلال، أكبر مساجد جنوب شرق آسيا ورمز للتعايش الديني.
هذا المسجد مرتبط بـ "نفق الصداقة" مع الكاتدرائية المجاورة، حيث التقط المسيحيون في الأيام الأخيرة صورًا ذاتية مع صورة بحجم الحياة للبابا.
إعلان مُشترك يعالج قضايا عالمية
من المقرر أن يوقع البابا فرنسيس إعلانًا مشتركًا مع الإمام الأكبر، نصر الدين عمر، في مسجد الاستقلال.
وبحسب ما أفادت به صحيفة الجارديان، سيركز هذا الإعلان على قضية "نزع الإنسانية"، وخاصة انتشار العنف والصراعات التي تؤثر بشكل خاص على النساء والأطفال، بالإضافة إلى التدهور البيئي.
يأتي هذا التركيز على القضايا البيئية في سياق دعوات البابا المتكررة للعالم لبذل المزيد من الجهود لمكافحة تغير المناخ والتخفيف من آثاره، بما في ذلك ارتفاع مستوى سطح البحر الذي يهدد العاصمة جاكرتا الملوثة بشدة.
أمن مشدد وترحيب رسمي وشعبي
تشهد الزيارة التي تستمر ثلاثة أيام إجراءات أمنية مشددة، إذ تم نشر أكثر من 4000 من أفراد الأمن من الجيش والشرطة وحرس الرئيس، وفي مظاهر الترحيب الرسمي والشعبي، تم وضع لافتة كبيرة في وسط العاصمة الإندونيسية جاكرتا تحمل عبارة "مرحبًا بالبابا فرنسيس"، كما أمرت الحكومة بإصدار طابع بريد خاص تكريمًا له.
وقد أشادت وزارة الشؤون الدينية الإندونيسية بالزيارة، معتبرة إياها رمزًا للتنوع الديني في البلاد.
وقال المتحدث باسم الوزارة، سونانتو: "إنها مهمة جدًا في نقل رسالة وإظهار للعالم أن الانسجام الديني في إندونيسيا مضمون وتم تنفيذه".
تطلعات وآمال المجتمع الكاثوليكي
على الرغم من الاعتراف الرسمي بالأديان المختلفة في إندونيسيا، هناك مخاوف من تزايد التمييز، بما في ذلك ضد المسيحيين.
ويأمل المسيحيين الكاثوليك المحليون أن يتحدث البابا عن هذه القضايا خلال زيارته.
وفي هذا السياق، يرى ميشيل شامبون، عالم اللاهوت والأنثروبولوجيا في جامعة سنغافورة الوطنية، أن زيارة البابا "لا تستهدف حقًا الكاثوليك في إندونيسيا" بقدر ما تهدف إلى تسليط الضوء على الأهمية العالمية للحوار الإسلامي المسيحي، وهي رسالة سبق للبابا أن وجهها في دول ذات أغلبية مسلمة أخرى مثل العراق والبحرين وتركيا والمغرب.
برنامج حافل وتطلعات مستقبلية
خلال زيارته، سيلتقي البابا فرنسيس بالرئيس المنتهية ولايته، جوكو ويدودو، كما سيعقد لقاءات مع الشباب والدبلوماسيين ورجال الدين.
ومن المقرر أن يترأس قداسًا في ملعب يتسع لـ 80,000 شخص، وهو واحد من عدة فعاليات مماثلة خلال جولته، التي تعد الرحلة الخارجية الـ 45 في فترة بابويته.
هذه الزيارة، التي كان مخططًا لها في الأصل عام 2020 ولكن تم تأجيلها بسبب جائحة كوفيد-19، تأتي قبل ثلاثة أشهر من عيد ميلاده الثامن والثمانين، مما يجعلها اختبارًا حقيقيًا لقدرته على مواصلة مهامه الدبلوماسية والروحية على الصعيد العالمي.