بينما تتواصل جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس، لأجل التوصل لاتفاق بين الجانبين، على وقف إطلاق النار في غزة، وصفقة تبادل المحتجزين في القطاع والأسرى بسجون الاحتلال، لا تزال هناك انقسامات وخلافات عميقة في الرأي بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين وحكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية انتقاد أعضاء اليمين المتطرف في حكومته، أي اتفاق لوقف إطلاق النار، وفق ما ذكرت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية.
وأشارت الشبكة إلى أن التقارير الإسرائيلية، تستشهد بمسؤولين أمنيين يتهمون نتنياهو بتخريب المفاوضات. ورأت الشبكة، أنه حتى لو تم التوصل إلى اتفاق، فقد لا يدوم إلا أسابيع، قبل أن ينهار وتستأنف الحرب في غزة، وأنّ "إسرائيل" ليست مستعدة للموافقة على وقف إطلاق نار دائم.
وذكّرت "سي إن إن" بتصريح نتنياهو لـ"القناة 14" الإسرائيلية في أواخر يونيو الماضي، حين قال: "أنا مستعد لإبرام صفقة جزئية، وهذا ليس سرًا، من شأنها أن تعيد بعض الناس. لكننا ملتزمون بمواصلة الحرب بعد الهدنة من أجل تحقيق هدف تدمير حماس. لن أتخلى عن هذا".
بالمقابل، قال مسؤول أمريكي كبير للشبكة إنّ "الجيش الإسرائيلي يرغب في وقف إطلاق النار الآن، ويريد وقف إطلاق نار يحقق هدف إعادة المحتجزين. جميع القضايا العالقة يمكن التحكم فيها". مضيفًا: "ليست مثالية ولكن يمكن التحكم فيها".
واعترف المسؤول الأمريكي الكبير بأنّه "من السهل أن نشعر بالتشاؤم لأن الأمر استغرق وقتًا طويلًا"، مؤكدًا أنه "كان بوسعهم إغلاق هذا الملف مرات عديدة ولكنهم لم يفعلوا".
وسبق أن رفض كل من وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن جفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، التوصل لاتفاق هدنة مع حركة حماس، وهددا بحل حكومة نتنياهو.
وكان رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، قد أكد أن "نتنياهو لا يريد استعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة"، معقّبًا أن "مفاوضات وقف إطلاق النار قد تنهار في مرحلة ما"، وحذر من اتجاه إسرائيلي إلى سيناريو "الحرب الشاملة".
وفي سياق الخلافات داخل إسرائيل، تبادل كل من وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، وبن جفير، أمس الجمعة، الاتهامات بشأن الفشل الذي تعيشه "إسرائيل"، والذي يتفاقم كلما طالت فترة الحرب التي تستنزفها، مضاعفان بذلك خسائر الاحتلال، وهزيمة حكومته.
ويلخص تراشق الاتهامات بين الطرفين، جانبًا من حال الانقسام والفوضى والعبث، داخل حكومة نتنياهو خاصّة، وداخل المجتمع السياسي الإسرائيلي عامّة، وفق الإعلام الإسرائيلي.
ووصف جالانت بن جفير، بأنّه "عديم المسؤولية، ويُشكّل خطرًا على الأمن القومي الإسرائيلي في إثر دعمه لإرهاب المستوطنين الإسرائيليين". بينما ردّ بن جفير بمنشور عبر منصة "إكس"، جاء فيه: "تعهّدت بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وفي هذه الأثناء أنت تُعيد الشمال إلى العصر الحجري. وبدلًا من مهاجمتي، ابدأ بمهاجمة حزب الله في لبنان".
ويأتي ذلك في حين أظهر استطلاع نشرته هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أمس الجمعة، أن 48 % من الإسرائيليين يعتقدون أن تحقيق النصر المطلق في الحرب بـقطاع غزة، ليس هدفًا واقعيًا.
وحسب الاستطلاع، أيد 49 % من الإسرائيليين إبرام صفقة تبادل المحتجزين والأسرى مع الفصائل الفلسطينية بالصيغة الحالية التي طرحها الوسطاء. وقال 50 % من المشاركين بالاستطلاع؛ إن نتنياهو يتصرف وفقًا لدوافع واعتبارات سياسية.
كما يرى 50 % من أفراد العينة بضرورة إطلاق سراح جميع المحتجزين ووقف القتال، حتى ولو كان ذلك على حساب عدم هزيمة حركة (حماس)، في المقابل أجاب 27 % بأن الحرب يجب أن تستمر حتى على حساب بقاء المحتجزين في الأسر.
وعن أداء نتنياهو خلال الحرب الجارية على قطاع غزة، قال 58 % من الإسرائيليين؛ إنه ليس جيدًا أو ليس جيدًا على الإطلاق، مقارنة بـ32 % أجابوا بجيد جدًا أو جيد.
ويشن الاحتلال الإسرائيلي، بدعم أمريكي حربًا مدمرة على غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، خلفت أكثر من 133 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتسعى دول الوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة إلى تسريع التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وصفقة تبادل المحتجزين والأسرى.
وتحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن، هاتفيًا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، أمس الجمعة، لمواصلة الجهود الرامية للتوصل إلى اتفاق، في وقت يجتمع فيه مفاوضون في العاصمة المصرية القاهرة، من أجل تذليل العقبات المتبقية أمام اتفاق طال انتظاره.
وأعلن البيت الأبيض في بيان، أن بايدن تحدث مع رئيس مصر وأمير قطر بشكل منفصل، لمناقشة "الجهود الدبلوماسية لإبرام اتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن".
وجاءت المحادثتان بعدما أعلن البيت الأبيض، أمس الجمعة، أن محادثات وقف إطلاق النار في القاهرة كانت بناءة، وستستمر خلال نهاية الأسبوع، حيث تواصل واشنطن والوسطاء الضغط على إسرائيل و"حماس" للتوصل إلى اتفاق.
وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: "تم إحراز تقدم. نحن بحاجة الآن إلى أن يجتمع الجانبان معًا وأن يعملا على تنفيذه".
ولم يذكر كيربي تفاصيل عن التقدم المحرز، لكنه أكد على وجود زخم في المفاوضات التي بدأت، أول أمس الخميس، وسط خلافات كبيرة بين إسرائيل و"حماس" بشأن إصرار الاحتلال على الاحتفاظ بقوات في محوري فيلادلفيا ونتساريم في غزة.
وتظل أبرز القضايا التي تمثل أزمة في المفاوضات، هي إصرار إسرائيل على بقاء قوات لها على طول محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وقطاع غزة، بجانب الاحتفاظ بقوات في ممر نتساريم الذي يفصل شمالي قطاع غزة عن جنوبه.
وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن "المسؤولين الإسرائيليين لا يثقون في نتنياهو كما يفعل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ويشعرون بأن نية رئيس الحكومة هي استمرار الحرب".
ونقلت الصحيفة عن فرانك لوينشتاين، وهو أحد المفاوضين في الشؤون الإسرائيلية الفلسطينية خلال إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إن "نتنياهو كان واضحًا تمامًا لأشهر، بأنه لا يمتلك أي نية تنفيذ اتفاق المراحل الثلاث بالكامل، والذي يعني إنهاء الحرب". وأضاف لوينشتاين: "على الرغم مما قاله نتنياهو للوزير بلينكن، يبدو جدًا أنه لا يرغب حقا في وقف إطلاق نار مؤقت وإطلاق سراح المحتجزين".