فيما تعتقد حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن إصلاحاتها الرئيسية في مجال التقاعد ضرورية لإنقاذ نظام التقاعد العام مع تقدم سكان فرنسا في السن، إلا أن هذه السياسة قوبلت بغضب شديد من جانب الناخبين الفرنسيين.
وشهدت الانتخابات البرلمانية الفرنسية، الشهر الماضي، صعود أقصى اليسار وأقصى اليمين، المعاديين لسياسة الرئيس المثيرة للجدل للغاية، لرفع السن القانونية الأدنى للتقاعد من 62 إلى 64 عامًا بحلول عام 2030.
وتضم البلاد إلى الآن 17 مليون متقاعد -أكثر بأربعة ملايين مقارنة بعام 2004- فيما سيتعيّن على العاملين حاليًا العمل لمدة 43 عامًا -مقابل 42 عامًا اليوم- للحصول على معاش تقاعدي كامل من الدولة؛ ما أثار غضبًا شديدًا لدى الناخبين الفرنسيين، الذين يصرون على عدم إجبارهم على العمل لفترة أطول.
ويعتبر سن التقاعد في فرنسا منخفضًا مقارنة بدول أوروبية كبيرة أخرى، إذ تعكف ألمانيا على رفع سن التقاعد من 65 إلى 67 عامًا، وفي إيطاليا بلغ سن التقاعد بالفعل 67 عامًا، وفي بريطانيا، من المقرر أن يرتفع سن التقاعد الحكومي من 66 إلى 67 عامًا في عام 2028، ثم إلى 68 عامًا بحلول منتصف الأربعينيات من القرن الحادي والعشرين.
هذا لم يمنع الأحزاب المتطرفة في السياسة الفرنسية من القول بأن سن التقاعد لا ينبغي أن يظل كما هو فحسب، بل ينبغي خفضه أيضًا، كما أشار تقرير لصحيفة "التليجراف" البريطانية.
فرنسا المتمردة
بينما لم يفز أي حزب بالأغلبية المطلقة في الانتخابات البرلمانية المبكرة التي جرت في يونيو ويوليو الماضيين، لكن تحالفًا واسعًا من الأحزاب اليسارية حقق مفاجأة من خلال الحصول على أكبر عدد من المقاعد، يليه ائتلاف ماكرون الوسطي "إنسامبل" في المركز الثاني، والتجمع الوطني اليميني المتطرف وحلفاؤه في المركز الثالث.
ويريد كل من أقصى اليمين وأقصى اليسار تقليل عدد السنوات المطلوبة للتأهل للحصول على معاش الدولة الكامل من 43 عامًا إلى 40 عامًا؛ بينما اقترح حزب "فرنسا المتمردة" خفض سن التقاعد الحكومي من 62 إلى 60 عامًا.
وهذه التغييرات قد تكلف ما بين 10 مليارات و60 مليار يورو، وفق ماكسيم دارميت، الخبير الاقتصادي في شركة تأمين "أليانز تريد" في باريس، لافتًا أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى "فجوة مالية ضخمة"، حيث إن 70 مليار يورو من المدخرات مطلوبة بالفعل لخفض عجز الميزانية الفرنسية إلى أقل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2027، وهو الحد الأقصى المسموح به بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي.
وأضاف دارميت لـ"التليجراف" أن قضية المعاشات التقاعدية هي "الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجانبان".
سن التقاعد
في الشهر الماضي، قدمت "فرنسا المتمردة" مشروع قانون لإلغاء إصلاحات ماكرون في مجال التقاعد، وأشارت الجبهة الوطنية إلى أنها على استعداد للتصويت لصالح مشروع القانون لتعطيل هذه السياسة، وفي المجمل، تتمتع الكتلتان بما يكفي من الأصوات للقيام بذلك.
وتلفت "التليجراف" إلى احتمالية فشل مشروع القانون عندما يعرض على مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يهيمن عليه يمين الوسط.
وبمعدل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، فإن عجز الميزانية في فرنسا هو أحد أعلى المعدلات في منطقة اليورو، وتنفق البلاد 13.9% من ناتجها المحلي الإجمالي على معاشات التقاعد العامة، وهو ما يقرب من ضعف متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وتبلغ الفجوة بين سن التقاعد ومتوسط العمر المتوقع في فرنسا 27 عامًا للرجال و23.5 عام للنساء، وهي الأكبر بين جميع البلدان باستثناء اليونان، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل الدين الفرنسي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 118.5% بحلول عام 2027. وعندما تولى ماكرون السلطة في عام 2017، بلغ المعدل 98.1%.
وقد دفعت المخاوف بشأن مستويات الديون الفرنسية وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيف الائتماني إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد في مايو الماضي. وحذّرت وكالة "موديز" من أنها قد تفعل الشيء نفسه إذا ألغيت إصلاحات المعاشات التقاعدية.
وتشير تقديرات وزارة العمل إلى أن تأجيل سن التقاعد لمدة عامين، وتمديد فترة سداد المعاشات التقاعدية، من شأنه أن يجلب 17.7 مليار يورو إضافية في شكل مساهمات سنوية في المعاشات التقاعدية، ما يسمح للنظام بالتعادل بحلول عام 2027.