يعكس بيان اللجنة الوطنية الديمقراطية للحزب الديمقراطي بأن كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكي، نالت دعم 99% من بين 4567 مندوبًا أدلوا بأصواتهم في عملية حزبية استمرت خمسة أيام عبر الانترنت إجماعًا على ترشيحها لخوض السباق الانتخابي الرئاسي المزمع عقده في الخامس من نوفمبر 2024، بعد تراجع الرئيس الحالي جو بايدن عن خوض الانتخابات في 21 يوليو 2024 ودعمه لهاريس، وذلك لتزايد المخاوف من عدم قدرته الصحية على ممارسة مهام الحكم بعد أن ظهر في المناظرة الانتخابية مع الرئيس السابق دونالد ترامب دون المستوى المأمول وافتقاده للتركيز اللازم لمنافسة مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي لا يزال يتمتع بشعبية واسعة من الممكن أن تؤهله لحسم الانتخابات برغم التوقعات التي تشير إلى احتمالية فوز هاريس وفق نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجريت أخيرًا.
وهو الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول المقومات الداعمة لفرص هاريس لحسم السباق الانتخابي، ومؤهلاتها السياسية للقيادة، والتحديات التي تواجهها، ليحصل الديمقراطيون على ولاية رئاسية ثانية في ظل الاخفاقات المتتالية، لإدارة بايدن في العديد من الملفات سواء على مستوى الداخل الأمريكي أو على مستوى السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
مقومات داعمة
منذ أن تم الإعلان عن ترشح كامالا هاريس لخوض السباق الانتخابي الرئاسي، وهي تسعى لتعزيز فرصها السياسية، لحسم السباق الانتخابي لصالح الديمقراطيين ليحصلوا على ولاية ثانية. لذلك فهناك العديد من المقومات الداعمة لها، التي يمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:
(*) تجسّد الحلم الأمريكي: تعد مسيرة كامالا هاريس داخل الولايات المتحدة الأمريكية والمحطات التي مرت بها والمناصب التي تقلدتها تجسيدًا للحلم الأمريكي للعديد من المهاجرين، فهي منحدرة من أصول لاتينية إفريقية وآسيوية هندية، وأصبحت أول امرأة كنائب للرئيس الأمريكي، وأول امرأة تخوض الانتخابات الرئاسية. كما جاء تأهيلها العلمي ليتاح لها فرص الترقي داخل المجتمع الأمريكي، فهاريس ولدت في 20 أكتوبر 1964 في أوكلاند بولاية كاليفورنيا، والدها دونالد هاريس كان استاذا في الاقتصاد، ووالدتها باحثة في قضايا سرطان الثدي، وقد حصلت على البكالوريوس في القانون من جامعة هوارد، إحدى جامعات السود التاريخية في واشنطن، ودرست القانون في كلية هايستنجز بجامعة كاليفورنيا، وكان لتأثير الجامعة على تشكيل هويتها وآرائها حول الصراع العرقي والعدالة في أمريكا قبل أن تصبح مدعية عامة، إذ شغلت منصب المدعي العام لسان فرانسيسكو لمدة ولايتين، وانتُخبت مدعية عامة لكاليفورنيا في 2010 ثم في 2024، وتزوجت في العام نفسه من دوجلاس ايمهوف وهو محام أبيض لديه ولدان من زواج سابق.
(*) اختيار تيم والز: مثّل اختيار كامالا هاريس لتيم والز (60 عامًا) لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية كنائب للرئيس على بطاقتها الانتخابية في 6 أغسطس 2024، دعمًا رئيسيًا لفرص هاريس للفوز بالسباق الانتخابي، فهو يشغل منصب حاكم ولاية مينيسوتا لفترتين منذ عام 2019، كما عمل مدرسًا للدراسات الاجتماعية، وضابطًا في الحرس الوطني لمدة 15 عامًا، كما تم انتخابه عضوًا بمجلس النواب منذ عام 2006 لمدة 12 عامًا. وتنعكس خلفياته الاجتماعية ومسيرته على إضافة مزايا نسبية لمسيرة هاريس، فهو حاكم من الغرب الأوسط ومؤيد للنقابات ومحارب قديم، وساعد في سن أجندة ديمقراطية طموحة لولايته، بما في ذلك الحماية الشاملة لحقوق الإجهاض والمساعدات السخية للأسر. وقد لاقى اختيار والز ارتياحًا لدى الديمقراطيين فوصف بايدن اختيار هاريس لـ"والز" بأنه قرار ممتاز، كما رحّب الرئيس السابق باراك أوباما بخيار هاريس. أما ترامب فقد وصف ذلك القرار بأن والز سيكون أسوأ نائب رئيس في التاريخ لأنه سيطلق العنان للجحيم على الأرض.
(*) تدفق التمويل: أسهم اختيار كامالا هاريس لخوض السباق الانتخابي الرئاسي إيذانًا بتدفق التمويل على الحملة الانتخابية من المانحين والداعمين لهاريس بعد فترة من التردد لدعم بايدن في ظل ظروفه الصحية التي ربما سيكون لها تأثيرها على ممارسته لمهام الحكم، كما زاد التدفق منذ الإعلان عن اختيارها لـ"تيم والز" كنائب للرئيس. وأعلنت هاريس أنها جمعت ما يقرب من 36 مليون دولار في الاربع والعشرين ساعة التالية لاختيار والز، كما نجحت حملة هاريس الانتخابية من جمع 200 مليون دولار خلال أسبوع، وخلال شهر يوليو تمكن الديمقراطيون من جمع 310 ملايين دولار مقابل 139 مليون جمعتها حملة ترامب. هذا التدفق المالي المستمر يعكس رغبة المانحين في تمكين هاريس من تنفيذ حملة انتخابية تنجح في تسويق برنامجها لتتوج مسيرتها بالفوز بالاستحقاق الرئاسي.
(*) استطلاعات الرأي العام: برغم أن استطلاعات الرأي العام تتسم بقابليتها للتغيير بشكل مستمر، إلا أن أحدث تلك الاستطلاعات كشفت عن تقدم كامالا هاريس على دونالد ترامب، وهو الاستطلاع الذي أجرته أخيرًا كل من صحيفة "نيويورك تايمز"، وكلية "سيينا كوليدج"، وجاءت نتائجه لتشير إلى أن هاريس تتقدم على ترامب بأربع نقاط مئوية (50% لهاريس مقابل 46% لترامب). في كل من ميتشجان وبنسلفانيا وويسكونسن. وتؤثر هذه الولايات الثلاث الواقعة في وسط غرب البلاد وذات التعداد السكاني المرتفع في تحديد الفائز في الانتخابات الرئاسية.
تحديات ماثلة
برغم المقومات الداعمة لفرص هاريس في المنافسة الانتخابية الرئاسية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعوق مسيرتها نحو البيت الأبيض كرئيس جديد للبلاد خلفًا للرئيس الحالي جو بايدن. لذلك يمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات على النحو التالي.
(*) شعبية ترامب: يمتلك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قاعدة شعبية صلبة من المواطنين الأمريكيين البيض والمقتنعين برؤية ترامب سواء فيما يتعلق بالتمييز العنصري ورفض استقبال المهاجرين واعتبارهم عبئًا على الاقتصاد الأمريكي، أو ما يتعلق برؤيته للدور الخارجي للولايات المتحدة التي يرى أنها تتحمل عبء الدفاع عن أمن الحلفاء بلا مقابل وتحتاج إلى مراجعة ذلك الدور أو توظيفه بما يخدم المصالح الأمريكية. هذه الرؤية جعلت تيارًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية يتشكل ووصف بـ"الترامبية" ومبادئها التي تقوم على برنامج ترامب الانتخابي، الذي يجد صداه لدى قطاع معتبر من الناخبين في الولايات المتحدة الأمريكية. وبالتالي فإن التيار الترامبي يشكل تحديًا لحسم هاريس للسباق الانتخابي الرئاسي.
(*) ضعف الأداء السياسي لهاريس: يركز أنصار الرئيس دونالد ترامب على ضعف الأداء السياسي لكامالا هاريس خلال توليها منصب نائب الرئيس. الأمر الذي جعل البعض يصفونها بأن لديها مسيرة شخصية ملهمة وسجلًا سياسيًا أقل إلهامًا، ويبررون ذلك بأنها لم تنجح في العديد من الملفات التي أسندها لها الرئيس جو بايدن، ومنها ملفات الهجرة غير الشرعية، والحدود الجنوبية للولايات المتحدة الأمريكية. كما ينتقد البعض الآخر غياب أي تمايز لرؤيتها للسياسة الخارجية عن توجهات الرئيس بايدن برغم أن قضايا السياسة الخارجية لا تهم الناخب الأمريكي بشكل أساسي بقدر اهتمامه بقضايا الداخل مثل التعليم والصحة والبطالة وقوانين الإجهاض. وتتبنى هاريس نفس رؤية بايدن فيما يتعلق بالموقف من الحرب الروسية الأوكرانية، ومستقبل علاقة الولايات المتحدة بحلف الناتو، والتنافس الصيني الأمريكي، والعلاقة مع ملف إيران النووي، والموقف من قضايا الشرق الأوسط وفى مقدمتها العلاقة الأمريكية بإسرائيل وضمان أمنها وحمايتها.
(*) إخفاق بايدن في ولايته الأولى: يشكّل إخفاق الرئيس بايدن في ولايته الأولى تحديًا يواجه إعادة انتخاب كامالا هاريس ليحظى الديمقراطيون بولاية انتخابية ثانية، فقد أخفق بايدن في ترجمة برنامج الانتخابي لجعل العالم أكثر سلامًا واستقرارًا كما أدعى في بداية ولايته. فقد تفجرت الصراعات في الكثير من المناطق مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على اقتصادات الدول، وتباطؤ النمو العالمي الذي تجسّد في انهيارات البورصات العالمية مطلع أغسطس 2024، واندلاع الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة وفشله في وقفها برغم تبنى مجلس الأمن لقرار وقف إطلاق النار بناء على مبادرته لإحلال السلام، فضلًا عن المعايير المزدوجة إزاء الصراع الروسي الأوكراني والصراع الإسرائيلي الفلسطيني. أما على مستوى الداخل الأمريكي فهناك انقسام مجتمعي وثقافي وعنصري، وتراجع اقتصادي، وتردٍ في أوضاع البنية الأساسية في بعض الولايات.
مجمل القول إن ترشيح كامالا هاريس كأول امرأة ملونة لخوض السباق الانتخابي الرئاسي في الولايات المتحدة أعطى للحزب الديمقراطي دفعة نحو ترجمة برامجه وأهدافه الداعمة لحقوق الإنسان على أرض الواقع، ومنها احترام حق المرأة في الترشح للانتخابات وفى أرفع منصب سياسي. الأمر الذي ربما يعزّز من الصورة الإيجابية للولايات المتحدة كأمة قادرة على تجديد شبابها وتصحيح مسارها لتجسد الحلم الأمريكي في صورته المثالية كأرض الأحلام لكل المهاجرين إليها. فهل تنجح هاريس في أن تكون أول امرأة تتولى رئاسة القوى العظمى في العالم، وتحقق نبوءة والدتها في أن تكون الأولى دائمًا، أم أن دونالد ترامب سيكون الرئيس الـ47 للولايات المتحدة الأمريكية؟