الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المسار المحتمل.. هل تتحرك المرأة الأفغانية ضد قيود "طالبان"؟

  • مشاركة :
post-title
طالبات أمام جامعة في العاصمة الأفغانية كابول

القاهرة الإخبارية - نورا فايد

لا تتواني حركة طالبان منذ استيلائها على مقاليد الحكم بأفغانستان في أغسطس 2021، عن فرض ممارسات متشددة على المرأة الأفغانية تمنعها من ممارسة أبسط حقوقها، كان آخرها في 20 ديسمبر 2022، إذ أعلن وزير التعليم العالي في حكومة طالبان "ندا محمد نديم" حظر تعليم الإناث في الجامعات إلى أجل غير مسمى، قائلًا، "أبلغكم جميعًا بتنفيذ الأمر المذكور بوقف تعليم الإناث حتى إشعار آخر"، وهو ما يعيد إلى الأذهان رغبة الحركة الأفغانية في العودة إلى الخلف والتنصل من الوعود التي سبق وقطعتها على نفسها حول انتهاجها سياسات معتدلة قائمة على دعم واحترام حقوق المرأة وفق حدود الإسلام استجابة للضغوط الدولية.

قيود متشددة:

وتجدر الإشارة إلى أن الممارسات المتشددة التي تتخذها الحركة الأفغانية بحق النساء، تعود إلى حقبة التسعينيات حينما كانت طالبان مسيطرة على حكم أفغانستان في الفترة من (1996 -2001)، ووقتها كانت تحظر تعليم الأفغانيات وتمنعهن من العمل في معظم الوظائف والمشاركة في التصويت، وما أن تولي الرئيس الأفغاني الأسبق "حامد كرزاي" حكم البلاد في ديسمبر 2001، رفع القيود التي كانت وضعتها طالبان على المرأة، ومنحها جميع حقوقها وسمح لها بالتعلم والعمل في الداخل والمشاركة في الحكومة والبرلمان وتمثيل أفغانستان في الخارج، وهو النهج ذاته التي سار عليه نظيره السابق "أشرف غني"، حيث وصفت فترة حكمه في الفترة من (2014-2021) بـ "العصر الذهبي للمرأة" وذلك لتعاظم دور الأفغانيات وقتها، وعليه فقد وجّه المجتمع الدولي فور سيطرة طالبان على حكم البلاد العام الماضي، رسالة مفادها أن تعليم البنات يعد شرطًا رئيسيًا للاعتراف الدولي بالحركة الإسلامية المتشددة.

وفي ضوء ما تقدم، فإن قرار حظر تعليم الأفغانيات في الجامعات لم يكن الأول من نوعه، فقد وضعت طالبان على مدار العام والنصف العام سلسلة من القيود على النساء، أثارت استنكارًا ورفضًا في الأوساط الدولية والمنظمات الحقوقية المعنية، كالآتي:

(*) إغلاق مدارس البنات الثانوية في العاصمة كابول: اتخذت الحركة هذا القرار عقب سيطرتها مباشرة على الحكم، معلنة وقتها أن سبب الإغلاق سيظل قائمًا حتى تصدر الحركة "مناهج جديدة ترتكز على التعاليم الإسلامية"، ورغم أنها قامت منتصف مارس الماضي بإعادة فتح هذه المدارس جراء الضغط الأممي عليها، ولكن لم يستمر هذا إلا بضع ساعات، حتى عادت إلى قرار الإغلاق، وهو ما أكده وقتها عدد من الطالبات والمعلمات على حد سوءا كاشفين لوسائل الإعلام أنهن فوجئن بوجود مسلحي الحركة يطالبوهن بالعودة إلى منازلهم، ليخرج المتحدث باسم الحركة "إنعام الله سمنكاني" ليؤكد للصحافيين صحة قرار الإغلاق دون أن يوضح سبب ذلك، إلا أن الناطق باسم وزارة التعليم الأفغانية "عزيز أحمد ريان" كشف وقتها لوسائل الإعلام أن سبب الإغلاق يرجع إلى بعض القيود الثقافية، قائلًا، "في أفغانستان، خصوصا في القرى، العقليات ليست جاهزة بعد.. لدينا بعض القيود الثقافية"، وهو القرار الذي أدي بدوره تقليص عدد الفتيات في الجامعات.

الطالبات في الثانوية العامة بعد طردهم من قبل مسلحي طالبان

(*) منع النساء من دخول أماكن الترفيه: أصدرت الحكومة الإسلامية المتشددة قانونًا جديدًا في 10 نوفمبر الماضي، يقضي بحظر دخول الأفغانيات إلى المتنزهات والحمامات العمومية والصالات الرياضية والحدائق العامة في العاصمة الأفغانية كابول، تحت مزاعم عدم اختلاط الرجال والنساء في هذه الأماكن، وكشف وقتها المتحدث باسم وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأفغانية "محمد عاكف صادق مهاجر" أن السبب في هذا القرار انتهاك الجنسين لقواعد عدم الاختلاط، قائلًا في تصريحات صحفية، "بذلنا قصارى جهدنا لترتيب الأمور وتسويتها وتم تحديد الأيام الخاصة بوجود الذكور والإناث كي لا يتم الاختلاط، لكن القواعد انتهكت في العديد من الأماكن وكان هناك اختلاط ولم يتم احترام وضع الحجاب، ولهذا السبب اتّخذ هذا القرار في الوقت الراهن".

(*) فرض قيود متشددة على اختيار التخصصات الجامعية: في فبراير الماضي، بعد أن سمحت طالبان بعودة بعض الفتيات إلى الجامعات، قامت بوضع عدد من القيود، من بينها عدم السماح للفتاة بالوجود في الجامعة أكثر من أربع ساعات، وعدم الاختلاط بالذكور وتخصيص فصول دراسية لكل الجنسين على حد، وحول ذلك قال وزير التعليم العالي في حكومة طالبان "عبد الباقي حقاني" في سبتمبر 2021، "التعليم المختلط يتعارض مع مبادئ الإسلام والقيم والعادات والتقاليد الأفغانية"، كما وضعت قيودًا أيضًا على اختيار الفتيات للتخصصات الجامعية التي يريدن دراستها، فقد كانت فروع الاقتصاد، الهندسة، الطب البيطري، الزراعة، الصحافة، والتخصصات السياسية من التخصصات المحظورة، لدرجة أن المتحدث باسم وزارة التعليم الأفغانية قال معلقًا على دوافع هذا القرار، "لا يوجد سبب يجعل النساء يعملن سياسيات أو مهندسات لأن هذه "مهام الرجال".

(*) حظر ظهور النساء في المسلسلات التلفزيونية: في إطار القواعد الجديدة الخاصة بوسائل الإعلام المتعددة التي أعلنت عنها طالبان في نوفمبر 2021، بشأن حظر الأفلام والمسلسلات التلفزيونية التي تخالف مبادئ الشرعية الإسلامية وأعراف وقيم الدولة الأفغانية، وتروج لقيم الغرب، وتشارك فيها شخصيات نسائية وتعرض أعمال كوميدية مسيئة للأفغان، فقد صدرت قرارات أخرى تنص على منع ظهور المرأة الأفغانية في الأعمال الدرامية التي تعرض في البلاد، كما وضعت قيود على ظهور الأفغانيات على شاشات التلفاز أهمها الالتزام بارتداء الحجاب، وهو ما أثر بالسلب على وسائل الإعلام في أفغانستان، لدرجة أن عضو منظمة الصحفيين في أفغانستان "حجة الله مجددي" قال وقتها في تصريحات لوكالة "بي بي سي"، "بعض القواعد الجديدة ليست عملية، وإنه إذا تم تنفيذها، فقد تضطر محطات تلفزيونية إلى الإغلاق".

مذيعة في عهد طالبان

(*) قيود على وظائف عمل المرأة الأفغانية: تمثلت أولى الممارسات المتشددة التي فرضتها طالبان على المرأة عقب استيلائها على السلطة، إصدارها قرار في سبتمبر 2021 يقضي بحل وزارة شؤون المرأة واستبدالها بوزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتم فصل عدد كبير من النساء من وظائفهن الحكومية وحل الرجال مكانهن في مختلف مؤسسات الدولة، بل وجهت وزارة المالية الأفغانية في يوليو الماضي، رسالة إلى الأفغانيات العاملات، لمطالبتهن بترشيح أقارب لهن من الذكور كي يشغلوا أماكنهن في الوظائف، ولذلك شكلت طالبان حكومتها من دون وضع النساء في مناصب وزارية، كما منعت المرأة من العمل في مجالات الصحافة والإعلام والتدريس والهندسة، والتمثيل، وغيرها من الوظائف العامة، وكشف تقرير لصحيفة الجارديان البريطانية في مايو الماضي، أن "100 من بين 700 صحفية لا يزلن يعملن في أفغانستان حتى نهاية 2021".

انعكاسات محتملة:

وفي ظل التطورات السالف ذكرها، من المتوقع أن تشهد الدولة الأفغانية تحت حكم "طالبان"، بعض الانعكاسات كرد فعل على هذه القيود المتشددة، يمكن تناولها على النحو التالي:

(& ) تزايد حدة الاحتجاجات النسائية في أفغانستان: من المتوقع أن تشهد الأراضي الأفغانية خلال الفترة المقبلة احتجاجات نسائية متفاقمة في جميع أرجاء الدولة الآسيوية ضد استمرار قيود الحركة الإسلامية المتشددة على المرأة ومنعها من حق التعليم في الجامعات، وهو ما قد يهدد هذه الجماعة التي ستدفع بعناصرها على الفور لقمع تلك المسيرات، والترويج لمزاعم بأن هذه قلة من النساء ولا يمثلون الأفغانيات، وهو الأمر الذي حدث بشكل مكثف منذ استيلائها على السلطة، وقد تتخذ المرأة الأفغانية "العبرة" من نظيرتها الإيرانية التي نجحت أخيرًا في إجبار نظام الملالي على حل "شرطة الأخلاق الإيرانية" التي كانت تقمع الإيرانيات خاصة بعد قيامها بقتل الفتاة الكردية الشابة "مهسا أميني" في سبتمبر الماضي لعدم التزامها بقواعد لباس الحجاب، وعليه ستصر الأفغانيات على الاحتجاجات حتى تتحقق مطالبهن وترفع القيود المفروضة عليهن.

احتجاجات نسائية في أفغانستان

(&) عقوبات أوروبية وأمريكية على الحركة الأفغانية: من المتوقع في ظل الغضب العارم والانتقادات الدولية التي وجهت إلى الحركة الأفغانية عقب قرار حظر تعليم الفتيات في الجامعات وقيودها التي تعيد النساء إلى فترة التسعينيات، أن تصدر حزمة من العقوبات الأوروبية والأمريكية على طالبان إذ لم تتراجع عن انتهاكاتها لحقوق المرأة، وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكي "أنتوني بلينكن" في 21 ديسمبر الجاري، قائلًا، "لا يمكن أن تتوقع طالبان أن تكون عضوًا مشروعًا في المجتمع الدولي ما لم تحترم حقوق الجميع في أفغانستان. لا يمكن أن يزدهر بلد مع عزل نصف المجتمع"، ومضيفًا، "خطوة كهذه سيترتب عليها إجراءات ضد طالبان".

(&) مناشدة نسائية أفغانية لحشد المنظمات الحقوقية: ستتجه منظمات المجتمع المدني الأفغانية خاصة المعنية بحقوق المرأة والعاملة في الخارج مثل منظمة "نساء من أجل المرأة الأفغانية" (WAW) غير الحكومية التي أسست في نيويورك 2001، على تكثيف مناشدتها للمجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية الدولية، لحثهم على ضرورة التدخل لمساندة ودعم المرأة الأفغانية التي تعاني من خنق لحرياتها تحت مظلة حكم طالبان، وستطلب تلك المنظمات أيضًا من هذه الدول خاصة واشنطن التي انتقدت بشدة قرار حظر تعليم الفتيات في الجماعات، بزيادة المساعدات الإنسانية والإنمائية لتقوية المرأة الأفغانية.

تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن حركة طالبان تواصل فرض قيود على النساء منذ استيلائها على الحكم لعدم وجود قوة رادعة تجبرها على وقف انتهاكاتها بحق المرأة وخاصة الشعب الأفغاني بشكل عام، وعليه من المتوقع أن تتزايد هذه الممارسات المتشددة خلال الفترة المقبلة إذ لم تقف دول المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية بالمرصاد لهذه الجماعة المتشددة، الأمر الذي قد يؤدي أيضًا لرفع عمليات النزوح والهجرة للمواطنين الأفغان إلى الخارج، وهو ما قد يؤثر على اقتصاد الحركة التي تمنع نصف سكانها من التعليم.