على مدى أكثر من عقدين من الزمن قضاهما في سجون إسرائيلية، كان يحلم الفلسطيني يوسف مقداد بالعودة إلى قطاع غزة لتعويض ما فاته مع أطفاله، وبالفعل تحقق الحلم ونال مقداد حريته أخيرًا، لكن عندما وطأت قدماه غزة الأسبوع الماضي، وجد منزله مدمرًا ووطنه قد تحول إلى أنقاض وركام بسبب القصف الإسرائيلي.
وفي أثناء تجوله في الأحياء التي دمرتها الغارات الجوية والمدفعية وصل إلى شاطئ غزة على البحر المتوسط، حيث يخيّم فلسطينيون نزحوا عدة مرات بسبب الهجوم الإسرائيلي.
وكحال غيره من الآباء في القطاع يتعين على "مقداد" أن يبحث عن وسيلة لتوفير الطعام لأسرته في منطقة تعاني من نقص الغذاء والوقود والطاقة والدواء، علاوة على تدمير المدارس حيث كان سيتعلم أحفاده وتوقف العديد من المستشفيات عن العمل.
ويقول "مقداد" إن ابنته "هايا" التي كانت تبلغ من العمر أربع سنوات فقط عند سجنه لقيت حتفها في غارة جوية إسرائيلية على مدينة غزة في مارس الماضي، وهي واحدة من أكثر من 38 ألف فلسطيني استشهدوا في القطاع منذ اندلاع الحرب، مضيفًا: "لدي خمسة أبناء، تلات ولاد وبنتين، هادي البنت كانت أصغر واحدة وأحسن واحدة".
وتلقى الرجل خبر استشهاد ابنته مع زوجها وأطفالها الأربعة خلال شهر رمضان الذي قضاه خلف القضبان لسنوات، وأضاف "ماشفتهاش وهي عروس أشوفها هي وولادها على الأقل... كل ما أشوف بنت وولاد صغار بقول إن هي هادي".
وألقت القوات الإسرائيلية القبض على مقداد (63 عامًا) من منزله في إحدى ضواحي مدينة غزة خلال مداهمة في 2002، وحُكم عليه بعد إدانته بالانضمام إلى كتائب شهداء الأقصى، الجناح المسلح لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).
وقضى فترة سجنه في عدة سجون إسرائيلية ويتذكر كيف سُمح للسجناء الفلسطينيين في مرحلة ما بإدارة شؤونهم الخاصة في السجن ما سمح بظروف جيدة.
إلا أن الحال تغير على نحو جذري بعد أن هاجمت حركة حماس جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر في هجوم أدى إلى مقتل 1200 شخص واحتجاز 250 رهينة.
وتابع مقداد حديثه قائلًا: "صرنا نُعامل معاملة الحيوانات، حتى الحيوانات لها حقوق والبني آدم لا.. مالوش حقوق عندهم، شفنا جميع أنواع التعذيب وأنواع الويل.. حتى الجوع شفناه.. ولا شرب ولا ورق ولا وسيلة اتصال ولا أي حاجة".