يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه في موقف لم يسبق له مثيل، فبعد إعلانه المفاجئ عن انتخابات مبكرة، تكشفت حقيقة مزعجة، هي أن الرجل الذي كان يومًا ما الأمل الصاعد للسياسة الفرنسية، أصبح الآن عبئًا ثقيلًا على حزبه وحلفائه.
وسلط تقرير لصحيفة "لو موند"، الضوء على التحولات الدراماتيكية في مشهد السياسة الفرنسية، كاشفًا عن عمق الأزمة التي يواجهها ماكرون.
قرار مفاجئ
وقالت "لو موند" في تقريرها إن إعلان ماكرون عن انتخابات مبكرة جاء كصاعقة حتى على أقرب مستشاريه ومؤيديه، ففي اجتماع طارئ عُقد في 10 يونيو، جمع كبار مسؤولي الاتصال الحكومي، اعترف المسؤولون في قصر الإليزيه بحقيقة مرة، هي أنهم لم يكن لديهم أي استطلاعات رأي أو بيانات تشير إلى أن المرشحين المرتبطين بماكرون قادرون على الاحتفاظ بمقاعدهم البرلمانية.
هذا الاعتراف يكشف عن عمق الأزمة التي يواجهها الرئيس الفرنسي، إذ تحول ماكرون من كونه رمزًا للتغيير والتجديد في السياسة الفرنسية، إلى شخصية مثيرة للجدل يخشى المرشحون الارتباط بها علنًا.
وهذا التحول في موقفه السياسي يعكس مدى تدهور شعبيته، حتى بين صفوف حزبه وأقرب مؤيديه.
حلفاء الأمس.. أعداء اليوم
كما كشف تقرير "لو موند" عن ظاهرة غريبة تجتاح الساحة السياسية الفرنسية، وهي نفور الحلفاء السابقين من ماكرون، فالعشرات من النواب الذين انضموا إليه في الأيام الأولى لتأسيس حزبه الوسطي، والذين ساعدوه في بناء حركته السياسية من الصفر، لا يريدونه الآن بالقرب من حملاتهم الانتخابية.
الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن حتى الحلفاء المقربين والشخصيات الثقيلة في حكومته يحاولون الابتعاد عنه، فوزير المالية برونو لو مير، ووزير الداخلية جيرالد دارمانان، ورئيس الوزراء جابرييل أتال، وهم من أبرز الوجوه في حكومة ماكرون، يسعون جاهدين للحفاظ على مسافة بينهم وبين الرئيس.
هذا النفور من قبل أقرب المقربين يعكس عمق الأزمة التي يعاني منها ماكرون، فالشخصيات التي كانت تعتبر يومًا ما من أشد المدافعين عنه، أصبحت الآن تخشى الارتباط به علنًا، خوفًا من التأثير السلبي على فرصها الانتخابية.
ماكرون عبء انتخابي
وفقًا لتقرير "لو موند"، فإن المشكلة الأكبر التي تواجه فريق ماكرون الآن هي كيفية إبقاء الرئيس البالغ من العمر 46 عامًا بعيدًا عن الأضواء، إذ أصبحت صورته السياسية، التي كانت يومًا ما مصدر قوة لحزبه، عبئًا ثقيلًا على المرشحين.
بعد مرور أسبوعين على إعلانه المفاجئ، لم يدرج معظم المرشحين الموالين للحكومة صورة ماكرون في ملصقاتهم أو منشوراتهم الانتخابية، بل إن الكثيرين منهم، وهم يجوبون دوائرهم الانتخابية، لا يرغبون في انضمامه إليهم في حملاتهم.
هذا التحول الدراماتيكي في موقف المرشحين من ماكرون يعكس حجم التحدي الذي يواجهه الرئيس الفرنسي، فقد تحول من كونه رمزًا للتغيير والأمل في السياسة الفرنسية، إلى شخصية يخشى المرشحون الارتباط بها علنًا.
سلوك متقلب
زاد من تعقيد الموقف، كما يشير تقرير "لو موند"، سلوك ماكرون المتقلب في الآونة الأخيرة، إذ أدلى بتصريحات مثيرة للجدل في بودكاست استمر قرابة الساعتين، محذرًا من "حرب أهلية" في حال فوز اليمين المتطرف أو الكتلة اليسارية في الانتخابات.
هذه التصريحات، التي وصفتها منافسته الرئيسية مارين لو بن بأنها مجرد "تخويف" لا يؤثر على الناخبين، زادت من صعوبة موقف المرشحين المؤيدين للحكومة، فهم الآن يجدون أنفسهم في موقف حرج، مضطرين للدفاع عن تصريحات رئيس أصبح يُنظر إليه على نطاق واسع كعبء سياسي.
مستقبل غامض
رغم تعهد ماكرون بالبقاء في منصبه حتى نهاية ولايته في 2027، إلا أن بعض المراقبين، وفقًا لتقرير "لو موند"، بدأوا التشكيك في هذا الافتراض، نظرًا لسلوكه غير المتوقع.
وأشارت الصحيفة إلى أنه في حال استمرار ماكرون في منصبه، فمن المرجح أن تقتصر مسؤولياته على الشؤون الخارجية والدفاع، بينما سيتولى رئيس الوزراء المسؤولية عن القضايا الداخلية.
هذا السيناريو، إن تحقق، سيمثل تحولًا دراماتيكيًا في النظام السياسي الفرنسي، فالرئيس الذي كان يومًا ما يتمتع بسلطات واسعة، قد يجد نفسه مقيدًا في دور شرفي إلى حد كبير، بينما تنتقل السلطة الفعلية إلى رئيس الوزراء.