توّجت الهند ترسانتها من عائلة الصواريخ الباليستية "أجني AGNI" باختبار صاروخ "أجني في AGNI-V" في 15 ديسمبر الجاري. وتشير البيانات الحكومية الهندية التي نشرها وزير الشؤون البرلمانية والفحم والمناجم، وعضو البرلمان برالهاد جوشي إلى أن الصاروخ العابر للقارات، يبدأ مداه العملياتي من 5400 كم، وقادر على حمل رأس نووي يبلغ وزنه 1,5 طن، ونقلت "واشنطن بوست" عن وسائل إعلام محلية أن الصاروخ يغطي أغلب البر الرئيسي الصيني.
يأتي ذلك في ظل توترات عسكرية مع الصين التي توغلت قواتها في منطقة تاوانج على الحدود الشمالية الشرقية مع بكين، حسب رواية نيودلهي، فيما طفا التوتر الهندي الباكستاني على السطح مجددًا بعد اشتباك لفظي بين وزيري خارجية البلدين في مجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الجاري، في اتهامات متبادلة بدعم الإرهاب، ليبقى السؤال؛ ماذا يعني تطوير الهند صاروخ عابر للقارات؟.. وكيف ينعكس على علاقاتها المتوترة مع جارتيها النوويتين؟
تعزيز الردع:
اختبرت الهند بنجاح إطلاق صاروخ "Agni-V" ثلاثي المراحل والعامل بالوقود الصلب، في 15 ديسمبر الجاري، بعد سلسلة من التجارب امتدت من 2012 بمدى 700 كم، مرورًا بتجارب مماثلة في 2013 بمدى 2000 كم، وفي يناير 2015 بلغ 3500 كم، و4000 كم في نوفمبر 2015، وصولًا لاختبارها الأولي لـ"أجني-5" في يناير 2018 وبلغ حينها 5000 كم. وبحسب التصريحات الهندية، فإن الصاروخ قادر على حمل رأس حربي نووي يصل وزنه لـ1,5 طن بمدى 5400 كم، وقد يصل مدى أجني-5 إلى 8000 كم برأس حربي أخف، ما يعني تغطية البر الرئيسي الصيني شرقًا ومعظم سواحل القارة الإفريقية على المحيط الهندي غربًا.
ويمكن قراءة توقيت إطلاق الصاروخ على النحو التالي:
(*) ردع الجارتين النوويتين: جاء الإطلاق عقب كشف الجيش الهندي عن اشتباكات بالأيدي مع قوات صينية توغلت في 9 ديسمبر الجاري في منطقة تاوانج بولاية أروناتشال براديش التي تعد جزءًا من النزاع الحدودي بين البلدين، ضمن سلسلة من المواجهات بين قوات البلدين.
وتعزز الهند ترسانة الردع الصاروخي النووي في مواجهة جارتها الشمالية والتي تجمعها بها ما يقارب 4000 كم، ويشتعل النزاع معها في أقصى الشرق بولاية أروناتشال براديش ووادي جلوان بولاية لاداخ التي اشتبكت فيها قوات البلدين في يونيو 2020، على وقع اتهامات هندية للصين ببناء منشآت على جانبها من خط السيطرة الفعلي أسفر عن 20 قتيلًا من الهند مقابل 4 جنود صينيين.
وعلى الرغم من تركيز التناول الإعلامي الهندي على قدرة الصاروخ الذي يشمل أبعد نقاط البر الرئيسي الصيني، إلا أن تاريخ الإطلاق لم يتجاهل باكستان في ذكرى انتهاء حرب استقلال بنجلاديش (باكستان الشرقية سابقًا)، في 16 ديسمبر 1971، بدعم عسكري هندي، كما يتزامن مع الاشتباك اللفظي وتبادل الاتهامات بين وزير باكستان ونظيره الهندي في مجلس الأمن الدولي في 16 ديسمبر الجاري حول "دعم الإرهاب".
(*) تقييد الصين في المجال البحري الهندي: إن تطوير صاروخ عابر للقارات بتلك القدرات يوسع مجال القوة الصاروخية الهندية ليغطي مساحات واسعة من المحيط الهندي، وهو ما يقع في صلب المواجهة والتنافس الاستراتيجي بين بكين ونيودلهي، حيث افتتحت الصين قاعدة عسكرية أولى في الخارج بجيبوتي في 2017، وعززت علاقاتها الأمنية والعسكرية المتنامية مع شركاء الهند في أقصى شمال شرق المحيط، ممثلة في بنجلاديش وسريلانكا، حيث رست سفينة بحث صينية في ميناء هامبانتوتا السريلانكي- الذي تديره شركة "تشاينا ميرشانتس بورت القابضة" منذ 2017- رغم التحذيرات الأمريكية والهندية من كونها سفينة تجسس، فضلًا عن صفقات التسليح الصينية للبلدين، ما يمثل تهديدًا خطيرًا لنفوذ الهند.
ارتدادات محتملة:
تبعث التجربة برسائل مهمة لعلاقات الهند بجارتيها النوويتين، وخاصة أنها ليست التجربة الأولى لصاروخ AGNI-V الذي تعكف نيودلهي على تطويره على مدى السنوات الماضية، وستنعكس على مسار العلاقات على النحو التالي:
(*) باكستان: يمكن القول إن العلاقات ستظل متوترة بين الجانبين بمحفز رئيسي يتمثل في النزاع حول إقليم كشمير، بجانب التطور في ترسانة الصواريخ الباليستية القادرة على حمل رؤوس نووية، والتي ربما تعزز توازن الرعب بين الجانبين، وعدم رغبة أي من الطرفين أو القوى الكبرى الأخرى في خروج الأزمة عن السيطرة، رغم حوادث متفرقة.
(*) الصين: وتخدم تلك الترسانة في تعزيز ما يمكن تسميته بـ"مكافحة الاحتواء"، والذي يمثل رد فعل على جهود الاحتواء الصيني للهند، والتي يعزوها المحللون لاستراتيجية "الحرب غير المحدودة" لمواجهة خصوم بكين الرئيسيين (طوكيو ونيودلهي) وتتمثل في الإشغال المستمر للهند بخلافات حدودية والهجمات السيبرانية التي لا تنتهي، والاستفادة من تذبذب النزاع الباكستاني الهندي صعودًا وهبوطًا، حسب مجلة "فورين أفيرز". لكن ميزان القوى يميل باتجاه الصين في القدرات العسكرية الفعلية وفي مجال الصناعات الدفاعية، والتي بدأت الهند الاهتمام بها أخيرًا على وقع اشتباكات 2020، وكانت بمثابة خيار إجباري للحفاظ على سياسة نيودلهي المستقلة في مواجهة أي ضغوط من مورديها، بعدما أثبتت الحرب الروسية الأوكرانية خطورة اعتماد الجيش الهندي على مجرد تنويع مصادر التسليح وإنما في تعزيز موقعها على خارطة التصنيع العسكري المتكامل.
يظهر الشكل السابق، حسب بيانات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، (نقلته صحيفة فايننشال تايمز) تفوق القدرات الجوية لجيش التحرير الشعبي الصيني على الجانب الهندي في عدد المقاتلات وتنوع مهامها بين التدريب والقتال ومكافحة الغواصات، فضلًا عن القاذفات وطائرات الاستطلاع والحرب الإلكترونية. ومن المحتمل أن تتجه الصين لتخفيف حدة التوتر مع الهند، بعدما تعزز الأخيرة تقاربها وتعاونها العسكري مع الجانب الأمريكي، حيث عقد الجيشان الأمريكي والهندي تدريبات مشتركة بولاية "أوتراخاند" على بُعد 100 كم من الحدود مع الصين، فيما ستتحول نيودلهي من الردع إلى "الاحتواء المضاد" للصين باستغلال موقعها الاستراتيجي في مزاحمة الصين على النفوذ في المحيط الهندي، وسيتطلب ذلك تعزيز صناعاتها الدفاعية والاهتمام بتطوير قدرات أسطولها البحري.
وختامًا؛ عكس إطلاق الصاروخ الباليستي العابر للقارات، الفتور في العلاقات الصينية الهندية خلال الأشهر الماضية، مع عدم تباحث الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء ناريندرا مودي على هامش قمم مشتركة جمعت بينهما مثل قمة منظمة شنجهاي للتعاون منتصف سبتمبر الماضي، وقمة مجموعة العشرين منتصف نوفمبر، نتيجة للمخاوف الجدية لكلا الجانبين. ومع توجه نيودلهي تدريجيًا لتحالف الولايات المتحدة المناهض لصعود بكين العسكري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومن ثم قد تنقل نيودلهي التوتر من نزاع الحدود إلى صراع النفوذ ومن مكافحة الاحتواء إلى الاحتواء المضاد.