الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما تأثير مقتل "أبو حذيفة" على مستقبل داعش بغرب الصحراء الكبرى؟

  • مشاركة :
post-title
مقاتلون تابعون لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي

القاهرة الإخبارية - ساجدة السيد

في يوم الاثنين الموافق الـ29 من أبريل 2024، أعلنت السلطات في مالي عبر بيان أذاعه التلفزيون الرسمي، تأكُدها من مقتل القيادي البارز "أبو حذيفة" التابع لتنظيم داعش الإرهابي غرب الصحراء الكبرى، خلال عملية واسعة النطاق بمنطقة ميناكا في شمال مالي، وقال الجيش المالي "إن وسائل التعرف على الهوية والقرائن التي تم جمعها تؤكد مقتل أبو حذيفة الملقب بـ"هيغو"، إرهابي مغربي ذو شهرة كبيرة".

وصرّح قائد مجموعة من الطوارق موالية لباماكو يُدعى "موسى آغا"، أن قواته شاركت في عملية مقتل "أبو حذيفة"، وأكدت وكالة أسوشيتد برس أن "أبو حذيفة" كان مطلوبًا من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتورطه في هجوم على القوات الأمريكية في النيجر عام 2017، وأسفر عن الهجوم مقتل 8 عناصر، وتقليص الجيش الأمريكي عملياته العسكرية المشتركة مع دول الساحل الإفريقي.

"أبو حذيفة" المعروف بـ"إلياس هيغو"

بُناءً على ما تقدم، يسعى التحليل للإجابة عن سؤال: ما تأثير مقتل القيادي "أبو حذيفة" في مالي على مستقبل "داعش" الإرهابي بغرب الصحراء الكبرى؟

تفسيرات متعددة

يعود استهداف ومقتل القيادي الداعشي "أبو حذيفة" إلى تفسيرات متعددة، يمكن حصرها في:

(*) الانتقام من استهداف آلية للجيش المالي: الخميس 23 أبريل 2024، حدثت مشادات بين الجيش المالي وأفراد من تنظيم داعش الإرهابي، وأعلن التنظيم عبر بيان له نجاح إحدى سراياه في استهداف آلية للجيش المالي بولاية كوليكورو شمال مالي، ما تسبب في مقتل عدد من الجنود، ومن أجل الانتقام من العملية الأخيرة بين الجيش والتنظيم، انتهز الجيش المالي الفرصة لتنفيذ استراتيجيته بمقتل القيادي "أبو حذيفة" كنوع من رد الاعتبار، خاصة أن استراتيجية مكافحة الإرهاب في مالي تعرضت لانتقادات جمة؛ نتيجة فشل الجيش في محاربة العناصر الإرهابية المنفذة للهجمات الدامية على المدنيين.

(*) الرغبة في تصفية قادة الصف الأول لتنظيم داعش الإرهابي: يسعى الجيش المالي إلى تثبيط العمليات الإرهابية لداعش من خلال اتباع استراتيجية "قطف الرؤوس"، التي تعد نهجًا استراتيجيًا قادرًا على كبح الوجود الإرهابي، ويبدو أنها الاستراتيجية التي اعتمد عليها الجيش المالي بشكل كبير في الآونة الأخيرة. ناهيك عن أنها لم تكن المرة الأولى التي يتم استهداف قيادي بارز مثل "أبو حذيفة"، ففي 21 يناير 2024، تعرض تنظيم داعش الإرهابي إلى ضربة قاصمة، ونجح الجيش المالي في القضاء على القيادي "عبدالوهاب ولد شعيب"، في عملية عسكرية وقعت قُرب الحدود مع النيجر؛ من أجل رغبة مالي الأولى في تصفية قادة الصف الأول بالتنظيم باعتبارهم العقل المدبر للخطط الإرهابية.

(*) سد فجوة التراجع الغربي في الساحل الإفريقي: تواجه الولايات المتحدة الأمريكية رفضًا إفريقيًا واسعًا لوجودها العسكري في دول التحالف الثلاثي "مالي، النيجر، وبوركينا فاسو"، إذ أعلنت واشنطن موافقتها على سحب قواتها العسكرية من النيجر، 20 أبريل الماضي، كما أعلنت بوركينا فاسو، 18 أبريل الماضي، طرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين بالسفارة الفرنسية في واجادوجو وتصنيفهم "أشخاصًا غير مرغوب فيهم"؛ بسبب تورطهم في تنفيذ نشاطات تخريبية، كما اتخذت مالي موقفًا معاديًا من الوجود العسكري الفرنسي، وصاحب ذلك انسحاب الجنود الفرنسيين من مالي. لذلك، مع ارتفاع وتيرة العمليات والمعارك بين الجيش المالي والتنظيمات الإرهابية؛ نظرًا لكون البيئة خصبة للإرهاب، بات الجيش في مالي المسؤول الوحيد عن اتخاذ قرار حول الوسيلة والتوقيت المناسبين لمكافحة التنظيمات الإرهابية وسد فجوة التراجع الغربي.

انعكاسات مُربكة

يحمل مقتل القيادي "أبو حذيفة" في الوقت الراهن انعكاسات مًربكة تتمثل في:

(*) تثبيت سلطة المجلس الانتقالي في مالي: إن مقتل القيادي الداعشي "أبو حذيفة"، يُعقّد فكرة الانتقال السلمي للسلطة، فاحتمالية إعادة المجلس الانتقالي السلطة إلى حكومة مدنية يبدو بعيد المنال، إذ يبرر المجلس بقاءه في السلطة بسعيه لمكافحة الإرهاب في المنطقة برمتها. وعلى صعيد آخر، يستخدم المجلس الانتقالي في مالي مقتل القادة في "داعش" الإرهابي؛ من أجل مواصلة قمع الأصوات المعارضة لسلطته، وحدث في الفترة الأخيرة نوع من التعتيم الإعلامي في مالي، ولم يتم التصريح عن أي تفاصيل تخص الواقعة وأعداد القتلى والمستهدفين بشكل علني.

(*) محاولة تنظيم داعش مد نفوذه في مناطق أخرى: إن الخسائر المادية والمعنوية التي يتلقاها تنظيم داعش الإرهابي في المناطق المتمركز بها، تجعله يفكر في مد نفوذه والبحث عن مناطق أخرى يحقق بها انتصارات سواء بضم العصابات التابعة بها أو استقطاب جماعات إجرامية مثل بوكو حرام في نيجيريا، فمن المرجح أن تشهد المنطقة تمدد داعشي في بنين ونيجيريا. وتلك الفرضيات تعتمد بشكل أساسي على مدى مركزية القيادة في التنظيم، فإذا كان "أبو حذيفة" لديه سلطة كاملة من المؤكد أن يؤثر مقتله سلبًا على مخططات التنظيم على المستوى الاستراتيجي. أما في حالة وجود قادة آخرين مرشحين في خط الخلافة، فسيعلن التنظيم القائد المستقبلي مع عدم تأثير مقتل "أبو حذيفة" على استراتيجية داعش الخفية.

(*) صعود تنظيم القاعدة: إن استهداف القادة في تنظيم داعش الإرهابي يربك خططه التي يسعى لتنفيذها، إلى جانب بعثرة أوراق الأجندة المنظمة لأعضائه، ومن ثم هشاشة صفوفه. لذلك، يسعى تنظيم القاعدة المنافس لتنظيم داعش الإرهابي إلى استغلال تلك الأوضاع المضطربة؛ من أجل مد نفوذه وبسط سيطرته في منطقة الساحل الإفريقي، خاصة أن تنظيم القاعدة يتفوق في الظهور والعداد على تنظيم داعش الإرهابي في منطقة الساحل الإفريقي، وستظل احتمالية احتدام الموقف بين التنظيمين واردة في ظل التوترات التي تشهدها مالي.

(*) ارتفاع موجة الإرهاب الراديكالي في منطقة الساحل الإفريقي: المتكرر في التنظيمات الإرهابية الانتقام للقادة المستهدفين، إذ من المحتمل أن يسعى تنظيم داعش الإرهابي إلى شن العديد من الهجمات التي تستهدف المدنيين على نطاق واسع في المثلث الحدودي لدول مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ومن ثم ميلاد أزمة إنسانية وأمنية جديدة، خاصة أن المنظمة الدولية للهجرة أعلنت خلال الشهر الماضي، أنه تم تشريد نحو أكثر من ثلاثة ملايين شخص في منطقة الساحل الإفريقي. وتعتبر مالي من الدول الإفريقية التي ينتشر فيها ثلاث جماعات عسكرية تسعى للتمدد وبسط النفوذ والسيطرة، ويسعى الجيش المالي إلى إعادة تسليح نفسه وتحقيق التفوق في السلاح الجوي من خلال اللجوء إلى الدعم العسكري الروسي.

الخريطة العسكرية في مالي

ختامًا، يمكن القول إنه تم الترحيب بمقتل "أبو حذيفة" باعتباره انتصارًا كبيرًا للجيش المالي في إطار جهوده التي يبذلها لمكافحة الإرهاب، وباتت تلك العملية ضربة قوية لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة الساحل والصحراء، ويظل ملف مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي من أكثر الملفات خطورة، ويحتاج الجيش المالي إلى أن يتزود بمعلومات استخباراتية تمكنه من الاستهداف الصائب وإفشال جملة العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيمي القاعدة وداعش، فوفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي 2024، تعد مالي والنيجر وبوركينا فاسو، من الدول التي شهدت معدلات وفيات مرتفعة على مستوى العالم؛ نتيجة العمليات الإرهابية للتنظيمات المسلحة التي يروح ضحيتها المدنيون الأفارقة.