الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تحول مأزوم.. أبعاد الأزمة في الداخل الإسرائيلي

  • مشاركة :
post-title
مظاهرات تصف نتنياهو بـ"الوزير المجرم"

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

مع استمرار العدوان على غزة في شهره السابع، عادت مشاهد التفسخ في السياسة الداخلية الإسرائيلية، في ظل الهجوم الممنهج من حزب الليكود على شركاء حكومة الطوارئ، إلى جانب إعلان جدعون ساعر، زعيم حزب أمل جديد، فض التحالف الرسمي مع بيني جانتس، والاستقالة من حكومة الطوارئ على خلفية عدم تلبية مطالبه بالانضمام إلى مجلس الحرب.

وبالتوازي مع تلك التطورات، بدأت مجموعات احتجاجية، يوم الأحد 31 مارس 2024، تنظيم مظاهرات هي الأضخم منذ عملية "طوفان الأقصى"، وعلى مدار أربعة أيام مطالبة بإطاحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وإسقاط حكومته اليمينية المتطرفة، والذهاب إلى صفقة تبادل للأسرى، في مؤشر جديد على اتساع رقعة الغضب من الحكومة، وكذلك الأمر تجاه اليهود المتطرفين نتيجة رفضهم المشاركة في تحمل أعباء الحرب، ومساعي الائتلاف الحاكم لتمديد الإعفاء من الخدمة، في الوقت الذي أعلنت فيه المحكمة العليا يوم الخميس 28 مارس 2024 تجميد تمويل المعاهد الدينية الموجه للطلاب الحريديين المؤهلين للتجنيد منذ يوليو 2023، الذين لم ينالوا التأجيل أو الإعفاء من الخدمة.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل التالي مؤشرات التفسخ الداخلي الإسرائيلي ومدى تأثيره على مسار حرب غزة، وعلى مجمل المشهد السياسي في دولة الاحتلال.

مؤشرات التغير

خلافًا للمظاهرات التي حرّكت الشارع الإسرائيلي خلال الفترة التي تلت الحرب على غزة، جاءت الاحتجاجات الأضخم في الشارع الإسرائيلي بتنظيم عدد من حركات الاحتجاج وبحضور رموز وزعماء سياسيين وعسكريين حاليين وسابقين، إلى جانب مجموعة من أهالي المحتجزين والقتلى خلال عملية السابع من أكتوبر 2023، وحملت تلك المظاهرات والاحتجاجات أحدث مؤشرات التغير المكتوم في الشارع الإسرائيلي، التي يمكن إجمالها في التالي:

(*) إحياء التحالف المناهض لحكومة نتنياهو: في تكرار لمشهد المظاهرات الأسبوعية المناهضة للإصلاح القضائي التي عمت المدن الكبرى منذ مطلع العام الماضي، تصدرت الحركات الاحتجاجية، التي ولدت وتشكلت وبرز دورها في ساحة العمل العام، مظاهرات الأحد 31 مارس 2024 بمشاركة كل من "قوة كابلان" ومجموعة "إخوة السلاح" التي تضم عددًا من ضباط وجنود الاحتياط بجيش الاحتلال، إلى جانب قدامى المحاربين من حرب أكتوبر 1973، وعدد من ذوي المحتجزين في غزة وقتلى عملية "طوفان الأقصى"، وقدرت أعداد المتظاهرين بين عشرات الآلاف و100 ألف شخص.

الجديد في تلك المظاهرات أنه وعلى الرغم من عدم إجماع أهالي المحتجزين على المطالب المرفوعة بإطاحة حكومة بنيامين نتنياهو، إلا أن الاستعدادات الجارية من نصب نحو 100 خيمة على امتداد الطريق بين مقري الكنيست ووزارة الخارجية وتكثيف فعاليات الاحتجاج بين كلمات كبار القادة السياسيين والأمنيين السابقين وقادة المعارضة، إلى جانب قطع الطرق وإشعال النيران، تشير إلى أن هالة الغضب من سياسات الحكومة الحالية باتت تتصاعد في ضوء الشعور بالفشل والعجز عن إنهاء الحرب وتأثيراتها الممتدة لقطاعات الأعمال والإنتاج فضلًا عن تحويل مشاعر الانتقام تدريجيًا من غزة باتجاه الداخل في ضوء أزمة تجنيد الحريديين في ظل تفاقم فاتورة الأعباء الاقتصادية والعسكرية من استمرار الحرب.

ويقدر أعداد الطلاب الحريديم في المعاهد الدينية التي جمدت المحكمة العليا يوم الخميس 28 مارس 2024 تمويل دراستهم بنحو 49485 طالبًا مؤهلين للخدمة العسكرية أو لم يحصلوا على تأجيل الخدمة ابتداء من يوليو 2023، حيث انتهى سريان قانون التأجيل، حسب أرقام المستشارة القضائية للحكومة جالي بهراف ميارا.

وعزّز من حالة الغضب دخول الكنيست في عطلة خلال الفترة من 7 أبريل إلى 19 مايو 2024، بينما تستمر الحرب وتتطلب الحرب الدائرة على قطاع غزة واحتمالات توسيع نطاقها إقليميًا طلب المزيد من المجندين، وهو ما وظفه رموز المعارضة وعلى رأسهم يائير لابيد الذي انتقد في مظاهرات الأحد إعطاء الكنيست لنفسه عطلة لمدة 6 أسابيع بينما يجرى تعطيل محاولات إبرام صفقة تبادل الأسرى وإنهاك عناصر الاحتياط في معارك استنزاف لا يعلم أحد مداها.

(*) الاستقطابات المتزايدة في الداخل الإسرائيلي: يمثل تصاعد الخلاف مؤشر خطر للنخبة الإسرائيلية ويعمّق الانقسام المجتمعي الذي طفا على السطح منذ أزمة التعديلات القضائية، ولعل أحدث تجليات ذلك الانقسام المظاهرة التي قادتها مجموعة "إخوة السلاح" المعبرة عن جنود وضباط الاحتياط بجيش الاحتلال في 31 مارس 2024 بحي ميا شعاريم الحريدي في القدس المحتلة لدعوة الجماعة الأكثر نموًا في أوساط المجتمع الإسرائيلي للمشاركة في تحمل أعباء الحرب، إذ يشكل الحريديون نحو 13% من السكان بما يقارب 1.3 مليون نسمة، وبمعدل نمو سنوي يعادل 4%، ومن بين 13 ألف شاب يبلغ سن التجنيد (18 عامًا) سنويًا لا يلتحق بجيش الاحتلال سوى 10% فقط من هؤلاء الشباب، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.

اليهود المتدينون في إسرائيل

وفي أعقاب رفض المحكمة العليا تمديد إعفاء الحريديم وإعطاء حكومة نتنياهو مهلة إضافية لعقد صفقات مع أطراف الائتلاف من اليمين المتطرف، الذين هددوا بالانسحاب من الحكومة، فيما لوّح الحاخام الأكبر بالهجرة خارج حدود فلسطين التاريخية إذا فُرض التجنيد الإجباري على المتشددين، وقدّم وزير التعاون الإقليمي وأحد قادة حزب الليكود الحاكم ديفيد امسالم إلتماسًا إلى المحكمة العليا للمطالبة بتجنيد العرب الذين يمثلون نحو 20% من السكان، في مسعى لإحداث التوازن داخل الائتلاف الحاكم ومجلس الحرب، حيث يهدد زعماء تحالف الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير بالانسحاب إذا فُرض التجنيد الإجباري للحريديم، بينما يهدد جانتس وجادي أيزنكوت بالانسحاب من حكومة الطوارئ إذا تم تمرير قانون يعفيهم من الخدمة العسكرية.

على الجانب الآخر ومع ضعف تأثير وحضور المعارضة الإسرائيلية برزت حركات الاحتجاج ورموز السياسة المناهضين للحكومة الحالية في المظاهرات التي تستمر حتى الأربعاء المقبل، على أقل تقدير، بمشاركة رموز دعوا لشل عمل الكنيست؛ لإجبار الائتلاف على الذهاب لصفقة تبادل جديدة، ومنهم رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك ووزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون ونائب رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الأسبق يائير جولان، وهو ما دفع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للرد على مظاهرات الأحد بالقول إن الذهاب لانتخابات مبكرة سيعطل مفاوضات تبادل المحتجزين بين 6 إلى 8 أشهر، في دلالة واضحة على المخاوف الجدية من تزايد زخم الحركة الاحتجاجية وارتفاع سقف مطالبها، وهو ما يعيد للأذهان تراجعه عن إقالة وزير الدفاع يوآف جالانت وإرجاء تمرير التعديلات القضائية قبل "سعيًا للتوافق".

(*) تداعي الائتلاف: مع استعادة مشهد المظاهرات والمسيرات والاشتباك بين المتظاهرين والشرطة الإسرائيلية، بدت مواقف أعضاء حزب الليكود في التراجع عن نبرتهم المتشددة، على الأقل إزاء صفقة تبادل الأسرى والمحتجزين بعد أيام من تحذير رئيس الحكومة لأعضاء حزبه، حيث حثت وزيرة المواصلات عن حزب الليكود ميري ريجيف على بذل كل جهد ممكن لإعادة المحتجزين وإن كان الثمن عودة النازحين إلى شمال غزة، وهو أحد أبرز اعتراضات نتنياهو.

كما يظهر التخبط في مواقفهم من أعضاء حكومة الطوارئ والقريبين من الولايات المتحدة، ما عزّز من هجوم وزراء الليكود على بيني جانتس عقب زيارته إلى واشنطن دون التنسيق مع رئيس الحكومة واتهموه بالخيانة.

وعلى الرغم من تفكك تحالف المعسكر الرسمي بانسحاب جدعون ساعر زعيم حزب أمل جديد، لا يزال بيني جانتس يتصدر استطلاعات الرأي في إسرائيل، إذ يُظهر أحدث استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" أواخر مارس الماضي، تأييد نحو 45% من المستطلعين لقيادة بيني جانتس الحكومة المقبلة، مقابل 33% لصالح بنيامين نتنياهو، مع إمكانية حصول حزب جانتس على 33 مقعدًا إذا أُجريت انتخابات مبكرة، متقدمًا على حزب الليكود الذي من المحتمل أن يستحوذ على 19 مقعدًا، فيما سيحصل حزب أمل جديد على أربعة مقاعد، بينما سيخفق حزب الصهيونية الدينية اليميني المتطرف بزعامة بتسلئيل سموتريتش في تجاوز العتبة الانتخابية وفقدان التمثيل البرلماني.

انعكاسات محتملة

يسود المشهد السياسي الإسرائيلي تشكيل حكومات ائتلافية من أحزاب تعبر عن توجهات أيديولوجية كبرى من اليمين القومي واليمين الديني إلى اليسار ويسار الوسط، إلا أن يشير إلى تحولات مهمة قد تؤثر على مسار الحرب على غزة، ولعل أهمها أن مفهوم حكومة الطوارئ والدافع لتشكيلها بات أقل أهمية أمام المتغيرات السياسية والمجتمعية الآخذة في التحول لصالح التيار اليميني المتطرف، فبينما ينسب أي تقدم أو انتصار على الأرض للائتلاف الأشد يمينية في تاريخ إسرائيل، يبذل منتسبو جيش الاحتلال والأجهزة الأمنية والمجتمع ومجتمع الأعمال من العلمانيين في الغالب تكلفة اقتصادية وبشرية باهظة بمشاركة نحو 5% فقط من السكان في مهام الأمن والدفاع.

وبينما لا يزال الاتجاه الغالب في الشارع الإسرائيلي هو اليمين واليمين المتطرف، إلا أن وجود نتنياهو وتمسكه بالتحالف مع تيار الصهيونية الدينية والأحزاب الممثلة له يدفعان بمزيد من التفتت والانقسامات داخل أحزاب اليمين، في ظل ضعف أحزاب اليسار وانزواء الأحزاب العربية عن الصراع الراهن، مقابل صعود دور الحركات الاحتجاجية.

كما أن تسييس الجيش ودخول عناصر الاحتياط على خط الأزمة يعزز من حالة الانقسامات الحدية داخل المجتمع الإسرائيلي حول جدوى تصعيد الحرب في غزة وتوسيع نطاق الاشتباك في الإقليم، وبالتالي من المحتمل تصعيد مظاهر الاحتجاج داخل وحدات الاحتياط على استمرار الحرب.

وإجمالًا؛ مع طول أمد العدوان على غزة وتداعي أزمات الحرب والنزوح الداخلي والهجرة والانقسامات الأيديولوجية العميقة حول هوية الدولة، يدرك الداخل الإسرائيلي أن حكومة بنيامين نتنياهو فشلت في تحقيق أهداف الحرب، وأن النزوع إلى الانتقام والرد على عملية "طوفان الأقصى" بتوسيع استهداف المدنيين لم ولن يحقق مزيدًا من الأمن لإسرائيل، خاصة في ظل فقدان الثقة في الحكومة الحالية، بينما تطفو على السطح الأزمات البنيوية الداخلية في ظل تخوف فئات وشرائح واسعة تتحمل العبء الأكبر في الدفاع عن بقاء الدولة من تضرر مصالحهم وإمكانية وجودهم وبقائهم في فلسطين التاريخية، قد يتجه اليساريون والعلمانيون المنضوين في حركات الاحتجاج لرفع سقف مطالبهم باعتبارها عاجلة وواجبة التنفيذ وعلى رأسها الذهاب إلى دستور دائم.