في ظل الدمار والمأساة الإنسانية الهائلة التي تخلفها الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي، تجري محاولات حثيثة وشاقة لإنقاذ ما تبقى من حياة الفلسطينيين المحاصرين.
تنطلق هذه الجهود الدبلوماسية الأخيرة من الدوحة، حيث تجري مفاوضات صعبة للغاية برعاية مصرية-قطرية، للوصول إلى اتفاق وقف شامل لإطلاق النار، وصفقة تبادل الأسرى والمحتجزين بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، وتأتي هذه المساعي بعد ضغوط أمريكية مُتزايدة لإنهاء المعاناة الإنسانية التي يتكبدها سكان غزة؛ جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل.
خلافات حادة تهدد المفاوضات قبل انطلاقها
وفي هذا الصدد أشارت القناة 12 الإسرائيلية إلى أنه قبل مغادرة الوفد الإسرائيلي المفاوض إلى الدوحة، اندلعت أزمة داخلية حادة داخل الحكومة الإسرائيلية، هددت بفشل المفاوضات قبل حتى أن تبدأ، ففي خطوة غير متوقعة، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، منح الوفد المفاوض تفويضًا واسعًا يمكنه من التوصل إلى اتفاق شامل لوقف إطلاق النار والإفراج عن المحتجزين.
وأردفت القناة العبرية أن الأزمة ازدادت تعقيدًا، عندما هدد رئيس جهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية "الشاباك"، رونان بار، بعدم السفر إلى الدوحة للمشاركة في المفاوضات، ما لم يمنحه نتنياهو صلاحيات أوسع في المباحثات.
كان الموقف متأزمًا للغاية، حيث كادت الخلافات الحادة داخل الحكومة الإسرائيلية أن تقوض المفاوضات قبل أن تبدأ.
تدخل الأمريكي ينقذ المفاوضات من الفشل
في هذا الوقت الحرج، تدخل وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، محاولًا إنقاذ المفاوضات من الفشل، إذ في زيارة سريعة إلى إسرائيل، التقى بلينكن مع أعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي ودعاهم بلهجة حازمة إلى "إعطاء فرصة حقيقية للمفاوضات"؛ من أجل إنهاء المعاناة الإنسانية في غزة.
وأخيرًا، بعد هذا التدخل الأمريكي القوي، قررت الحكومة الإسرائيلية تحت وطأة الضغوط إجراء "توسيع محدود" لصلاحيات الوفد المفاوض، ما سمح بانطلاق المفاوضات في الدوحة.
انطلاق المفاوضات بأجواء متفائلة
بعد تجاوز هذه العقبة الكبيرة، وصل الوفد الإسرائيلي برئاسة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية "الموساد"، ديفيد برنياع، إلى العاصمة القطرية الدوحة مساء الجمعة 22 مارس، لاستئناف المحادثات المباشرة؛ بهدف التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الأسرى والمحتجزين لدى الجانبين وتحقيق وقف إطلاق نار مطول في قطاع غزة.
وكانت هذه هي المرة الثانية خلال أسبوع التي يزور فيها رئيس الموساد الدوحة للمشاركة في المفاوضات، في مؤشر على حجم الجهود المبذولة.
وسادت أجواء من التفاؤل الحذر قبل انطلاق المحادثات، إذ أبدى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، تفاؤلًا بالتوصل إلى اتفاق، قائلًا في مؤتمر صحفي: "نعتقد أن الخلافات تضيق، ونحن نقترب من التوصل إلى اتفاق"، وفقًا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية.
مأساة إنسانية مستمرة في غزة
في الوقت نفسه، تتواصل المأساة الإنسانية الفظيعة في قطاع غزة، الذي استمرت إسرائيل في قصفه بلا هوادة منذ أكتوبر الماضي. فقد خلف العدوان الإسرائيلي الدموي عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، كما أدى إلى انتشار المجاعة التي أودت بحياة العديد من الأطفال والمسنين العزل، وفقًا لبيانات من مصادر فلسطينية وأممية.
هذا الواقع المروع للحرب الإسرائيلية على غزة أدى إلى مثول إسرائيل للمرة الأولى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بتهمة ارتكاب "جرائم إبادة جماعية" ضد الشعب الفلسطيني الأعزل. مما يضفي أهمية قصوى على نجاح المفاوضات الجارية في الدوحة للتوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء المعاناة الإنسانية المستمرة في غزة.