الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

ما التحديات الاقتصادية أمام الرئيس الأمريكي القادم؟

  • مشاركة :
post-title
المرشحان للانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024

القاهرة الإخبارية - رضوى محمد

في الخامس من نوفمبر 2024، ستبدأ الانتخابات الرئاسية الأمريكية، على أن يتقلد الرئيس الجديد رئاسة البلاد في يناير 2025 لمدة 4 سنوات، ومن المُفترض أن هذا الرئيس سيواجه العديد من التحديات الاقتصادية، فالولايات المتحدة الأمريكية تُعاني حاليًا من مشكلات في هيكل اقتصادها، وهو ما يُحتم على الرئيس الجديد وضع حلول جذرية لها، الأمر الذي يروّج له المرشحون في السباق الرئاسي الحالي.

وتأسيسًا على ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى التعرف على التحديات الاقتصادية التي سيواجهها الرئيس الأمريكي القادم، بالإضافة إلى التعرف على أسباب هذه التحديات وسيناريوهات التعامل معها من قبل المرشحين.

تحديات مهمة

يُعاني الاقتصاد الأمريكي من مجموعة من الاختلالات والتي يُمكن توضيحها في ما يلي:

التحديات الاقتصادية أمام الرئيس الأمريكي القادم

(-) ارتفاع معدل البطالة: تُعد البطالة من أكبر المشكلات التي يُعاني منها الاقتصاد الأمريكي، إذ يُشير الشكل (1) إلى أن معدل البطالة ارتفع من 3.5% في مارس 2023 إلى 3.9% في فبراير 2024، بزيادة مقدارها 0.4%، وبزيادة 0.2% مقارنة بيناير 2024، إذ ارتفع عدد العاطلين عن العمل بمقدار 334 ألفًا، أي بلغ إجمالي العاطلين في الولايات المتحدة الأمريكية 6.5 مليون، مُقارنة بـ6 ملايين في فبراير 2023، أي ارتفع عدد العاطلين بنسبة 8.3%، وفقًا لمكتب إحصاءات العمل الأمريكي، وهي نسبة لا يُستهان بها، وتتطلب اتخاذ سياسات تعمل على خفضها.

المصدر: مكتب إحصاءات العمل الأمريكي

(-) تباطؤ النمو الاقتصادي: تعرض النمو الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية إلى التباطؤ في الربع الرابع من العام المالي 2023 كما يوضح الشكل (2)، إذ انخفض النمو إلى 3.2% مقارنة بـ4.9% في الربع الثالث، وبالإضافة إلى ذلك يتوقع مكتب الميزانية بالكونجرس أن يتباطأ النمو الاقتصادي الأمريكي إلى 1.5 % في عام 2024، مستندًا في ذلك إلى توقعاته بأن يرتفع معدل البطالة في عام 2024 إلى 4.4%، فضلًا عن توقعات النمو البطيء في الإنفاق الاستهلاكي، والاستثمارات والصادرات.

المصدر: مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي

(-) ارتفاع عجز الموازنة الحكومية: بلغ عجز الموازنة في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 510 مليارات دولار خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2023، إذ شهد شهر ديسمبر وحده عجزًا بقيمة 129,4 مليار دولار، وهو ما يُعد أعلى بنسبة 52% مُقارنة بعام 2022، كما ارتفعت نسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، كما يوضح الشكل (3)، إذ سجلت الولايات المتحدة الأمريكية عجزًا في الموازنة الحكومية يُقدر بـ(-5.9%) من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد في عام 2023، مُقارنة بـ(-15%) في عام 2020 الذي سجل أدنى مستوى قياسي لنسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي.

المصدر: وزارة الخزانة الأمريكية

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى توقعات الميزانية الفيدرالية وفقًا لمكتب الميزانية في الكونجرس، بأن إجمالي العجز في السنة المالية 2024 سيصل إلى 1,6 تريليون دولار، ثم سيزداد ليصل إلى 1,8 تريليون دولار بحلول عام 2025، على أن ينخفض إلى 1,6 تريليون في عام 2027، ولكن بعد ذلك سيزداد بشكل مطرد حتى يصل إلى 2,6 تريليون دولار في عام 2034، ومن هنا يتضح أن فترة الرئيس الأمريكي القادم التي ستبدأ في يناير 2025، ستشهد ارتفاعًا في عجز الموازنة، وهو ما يُشكل ضغوطًا كبيرة عليه؛ نظراً لتأثير العجز على النشاط الاقتصادي بأكمله.

(-) ارتفاع حجم الدين: يُعاني الاقتصاد الأمريكي من ارتفاع كبير في حجم الديون الحكومية والخارجية، كما يوضح الشكل (4) الذي يُشير إلى أنه خلال الفترة من 2 أكتوبر 2023 إلى 12 مارس 2024، ارتفع حجم الدين الحكومي بنحو 1,06 تريليون دولار، إذ ارتفع من 33,44 إلى 34,50 تريليون دولار، ويعد تجاوز الدين الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية 33 تريليون دولار من الأمور التي تحدث لأول مرة في التاريخ، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعد من أكبر الدول في حجم الدين الخارجي، إذ بلغ 25,6 تريليون دولار في الربع الثالث من عام 2023، مُقارنة بـ25,1 تريليون دولار في الربع الثاني من عام 2023، ومن هنا فإن حجم هذا الدين سيُشكل تحديًا كبيرًا أمام الرئيس القادم.

المصدر: الموقع الرسمي للحكومة الأمريكية
أسباب محورية

ترجع المشكلات الاقتصادية التي يُعاني منها الاقتصاد الأمريكي إلى سببين رئيسين، هما: 

(-) السياسة النقدية المتشددة: يتبع الاحتياطي الفيدرالي سياسة نقدية تتسم بالتشدد الكبير، بعد أزمتي فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، إذ رفع أسعار الفائدة 11 مرة بين مارس 2022 ويوليو 2023، إلى أن استقر سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بين 5.25% إلى 5.50%، وهو أعلى سعر مستهدف منذ عام 2001، وكان السبب الرئيسي لهذه السياسة النقدية هو كبح جماح معدلات التضخم، التي بلغت 7% في عام 2021 و6,5% في عام 2022 وفقًا للشكل (5)، وعلى الرغم من تخفيض أسعار الفائدة 11 مرة إلا أن التضخم لم يصل إلى المعدل المستهدف (2%)، إذ بلغت آخر قيمة له 3.2% في فبراير 2024، وهو ما جعل اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة في يناير 2024، تذكر في تقريرها أنه من غير المتوقع أن يتم خفض النطاق المستهدف لسعر الفائدة؛ حتى يتحرك التضخم نحو المعدل المستهدف.

وأثرت هذه السياسة على قطاع اقتصادي مهم في الولايات المتحدة الأمريكية وهو "العقارات"، إذ تعرض سوق العقارات التجارية لضغوط شديدة، نتيجة الارتفاع المستمر في أسعار الفائدة، وتراجعت الأسعار بنسبة 11%، ومن هنا يُمكن القول إن تكاليف الإقراض المرتفعة تؤثر بشكل مباشر في قطاع العقارات، إذ تجعل الاستثمارات في القطاع أكثر تكلفة، كما إنها من ناحية أخرى تؤثر بشكل غير مباشر في تباطؤ النشاط الاقتصادي.

الشكل رقم (5) يوضح معدلات التضخم السنوية في الولايات المتحدة الأمريكية

(-) الدعم العسكري الأمريكي: إن الدعم العسكري الأمريكي الذي يوجه لبلدان الأزمات لصالح أطراف معينة، شكل ضغطًا كبيرًا على الموازنة الحكومية، وأثّر بشكل سلبي في ارتفاع العجز الحكومي، إذ إنه مع بداية الحرب في غزة ارتفع الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل بشكل كبير، ففي الثالث من فبراير أقرّ مجلس النواب الأمريكي تشريعًا يُلزم بتقديم مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 17.6 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى تخصيص 14.3 مليار دولار في وقت سابق، كما سيتم تخصيص 14.1 مليار دولار من مشروع قانون لمجلس الشيوخ؛ لدعم إسرائيل والعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وبجانب ذلك فقد بلغ إجمالي الالتزامات العسكرية الأمريكية لإسرائيل نحو 114.41 مليار دولار خلال الفترة من 1946 إلى 2023.

كما تُقدم الولايات المتحدة الأمريكية دعمًا كبيرًا لأوكرانيا في أزمتها مع روسيا، إذ أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي في فبراير 2024 حزمة إنفاق طارئة من شأنها تقديم مساعدات لأوكرانيا، إذ سيتم تخصيص 60 مليار دولار، منها 14 مليار دولار للسماح لأوكرانيا بإعادة تسليح نفسها، و15 مليارًا لخدمات الدعم العسكري، مثل التدريب العسكري وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والباقي لمساعدة الحكومة الأوكرانية على مواصلة العمليات الأساسية ودعم القطاع الخاص.

سيناريوهات التعامل

يُمكن التطرق إلى توجهات التعامل المستقبلي للمرشحين الرئيسيين في السباق الرئاسي الأمريكي الحالي مع الأزمات الاقتصادية في النقاط التالية:

(-) مرشح الحزب الجمهوري (دونالد ترامب): وضع ترامب مجموعة من الحلول الاقتصادية، تتمثل في التخلي عن الإنفاق الحكومي المفرط، وتحرير البلاد من التورط في صراعات خارجية مُكلفة، بالإضافة إلى اتباع سياسة خفض أسعار الفائدة، وخفض ضرائب الأفراد واستخدام الإيرادات من الرسوم الجمركية؛ لتمويل مجموعة مختلفة من المشروعات، ومن هنا يُمكن القول إن السياسة الاقتصادية لدونالد ترامب ستعمل على تنشيط الاقتصاد الأمريكي وتوفير المزيد من فرص العمل ما يُحقق انخفاضًا في معدلات البطالة، إذ إن ترامب يُركز بشكل أساسي على الاستثمارات وخلق الوظائف المحلية، ولكن من الناحية الأخرى سيعمل على تقييد التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بعض الشيء، خاصة مع الصين، إذ إنه يقترح فرض رسوم جمركية نسبتها 10% على الواردات.

(-) مرشح الحزب الديُمقراطي (جو بايدن): إن التعامل المستقبلي لـ"بايدن" مع الأزمات الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، من المتوقع ألا يختلف كثيرًا عن سياسة فترة رئاسته الحالية، إذ من المحتمل بشكل كبير ألا يعمل على خفض أسعار الفائدة الفيدرالية، ومن الناحية الأخرى سيرفع أسعار الفائدة على الأثرياء، بالإضافة إلى ضخ استثمارات كبيرة في مشروعات الطاقة الخضراء والبنية التحتية، ومن ناحية أخرى سيستمر في تقديم الدعم الكبير لإسرائيل وأوكرانيا.

وعليه، يُمكن القول إن الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية سيواجه مجموعة كبيرة من التحديات الاقتصادية، التي بات يُعاصرها الاقتصاد الأمريكي، خاصة بعد الأزمات العالمية المختلفة مثل الأزمة الروسية الأوكرانية وأزمة فيروس كورونا، وما نتج عنهما من اتباع سياسة نقدية متشددة للغاية، الأمر الذي يُحتم على الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية العمل على تنشيط الاقتصاد الأمريكي وتحفيز الاستثمارات وإحداث التوازن في العلاقات الاقتصادية الخارجية.