بسبب الأوضاع الإنسانية المأساوية والكارثية التي يعيشها سكان قطاع غزة، ومع تشديد الاحتلال الإسرائيلي من قبضته على المعابر والمداخل واستخدامه للتجويع كسلاح ضد الفلسطينيين بهدف تنفيذ أجندته، تعمل العديد من دول العالم على البحث عن خيارات وسبل أخرى، لإدخال المساعدات العاجلة من طعام وشراب ودواء للمحاصرين، كان آخرها إسقاط المساعدات جوًا، كما ظهرت فكرة فتح ممر بحري لإيصال المساعدات إلى المدنيين.
وفرضت إسرائيل قيودًا كبيرة على الحركة والاتصالات داخل القطاع، ووضعت عقبات وإجراءات هائلة أمام المنظمات الإغاثية لمنع إدخال المساعدات، إذ يعتبر منفذ رفح البري على الحدود المصرية، هو المكان الوحيد الذي كان يتم إدخال المساعدات منه، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع الصحي، واحتمالية إعلان الأمم المتحدة لوجود المجاعة في عدد من جيوب القطاع، الذي شهد وفيات عديدة للأطفال والرضع والأجنة بسبب نقص الغذاء، بجانب انتشار نقص المناعة الحاد وفقر الدم بين المواطنين خاصة النساء.
مبادرة أمالثيا
ولم يكن المقترح الذي أعلنت عن مناقشته أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، خلال زيارتها قبرص خلال اليومين القادمين، بإنشاء ممر إنساني بحري يصل من قبرص إلى سواحل غزة، فكرة جديدة في ذاتها، بل طرحتها قبرص، بحسب موقع balcanicaucaso، تحت مسمى "مبادرة أمالثيا"، خلال مؤتمر باريس الدولي للمساعدات الإنسانية، خلال نوفمبر من العام الماضي.
وتعني كلمة أمالثيا باليونانية "أم زيوس الإله"، في إشارة إلى رمز يوناني قديم يشير إلى الكرم والإيثار، وهي خطة قدمها رئيس قبرص نيكوس خريستودوليدس، مكونة من 25 صفحة، مصممة للمساعدة في تزويد غزة بالمساعدات الإنسانية الإضافية التي تشتد الحاجة إليها.
خمس مراحل
تشمل الخطة القبرصية، بحسب الموقع الأجنبي، خمسة مراحل مختلفة، التي بموجبها سيتم جمع المساعدات وتفتيشها وتخزينها في لارنكا، المدينة التي لديها ميناء ومطار، لكنها تستضيف أيضًا مركزًا مبتكرًا لتنسيق الإنقاذ المشترك، إذ سيتم إرسال الإمدادات إلى غزة بشكل يومي عبر ممر بحري آمن، وستتولى لجنة مشتركة، بما في ذلك إسرائيل، فحص جميع الشحنات قبل تحركها أو بعد وصولها.
وأعلن المتحدث باسم البنتاجون أن الولايات المتحدة تدرس المقترح القبرصي، بإقامة ممر بحري لإيصال المساعدات إلى غزة عبر البحر، بالتنسيق مع الوكالات الأمريكية والشركاء الدوليين، ضمن جهودهم لمراجعة الخيارات المتاحة لمساعدة المدنيين، وبحسب صحيفة ذا هيل الأمريكية، فإن الجيش الأمريكي من المنتظر أن يكون له دور داعم في تقديم تلك المساعدات البحرية.
500 شاحنة
وتتكون المرحلة النهائية من الخطة القبرصية، تفريغ وتوزيع المساعدات على السكان المدنيين، مشيرين إلى أن السفينة الواحدة تعادل 500 شاحنة مساعدات إنسانية؛ وهو الأمر الذي يجعل من مبادرة "أمالثيا" ذات تأثير كبير من حيث حجم المساعدات التي ستدخل القطاع مرة واحدة، وهو الأمر الذي يلقى قبولًا بين العديد من الدول الأوروبية وأمريكا لبدء تنفيذ المقترح في أسرع وقت.
صعوبات لوجستية
ورغم ذلك إلا أن الخطة القبرصية تواجه بعضًا من الصعوبات اللوجستية، التي تقف حائلًا أمام تنفيذ تلك المبادرة، وبحسب يانيز لينارسيتش، المفوض الأوروبي لإدارة الأزمات، فإن تلك الصعوبات تكمن في عدم وجود ميناء مناسب ومجهز لاستقبال مثل تلك السفن الضخمة على ساحل غزة، كما يعتبر تحديد منطقة هبوط مناسبة للمساعدات في جنوب غزة أمرًا صعبًا.
وتحتاج الخطة من أجل تنفيذها إنشاء بنية تحتية لازمة يتم استقبال وتوزيع المساعدات فيها، وهو المشروع الذي يستغرق وقتًا طويلًا من أجل تنفيذها، كما أن هناك تحديات أخرى وفقًا للصحيفة، تكمن في الأمن وضمان وصول المساعدات إلى المدنيين الذين في أمس الحاجة إليها، إلا أن قبرص، القريبة جدًا من منطقة الصراع، تجد تلك المعوقات يمكن حلها بالعلاقات الدبلوماسية المتميزة التي تتمتع بها مع دول المنطقة.