لا تزال تصريحات رجل الأعمال الأمريكي إيلون ماسك تثير الجدل في أوروبا، وتضعه على خلاف مع العديد من زعماء العالم، التي كان آخرها تأييده لضرورة حل حلف "الناتو" معتبرًا أنه لم يعد يكن هناك أي مبرر لبقائه.
ملاحظات متباينة
وقدم ماسك، مؤسس شركتي تيسلا وسبيس إكس، ملاحظات متباينة حول الناتو والحرب الروسية الأوكرانية، التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير 2022، ومع بداية الحرب، دعا إلى اتفاق سلام من شأنه أن يتنازل عن بعض الأراضي الأوكرانية لروسيا وعارض المساعدات لأوكرانيا، ما وضعه على خلاف مع العديد من زعماء العالم الذين يدعمون الدولة الواقعة في أوروبا الشرقية ضد الحرب الروسية.
وكتب الملياردير الأمريكي ديفيد ساكس على منصة "إكس": "انهار الاتحاد السوفيتي عام 1991 وواجه حلف الناتو أزمة وجودية، حيث أن سبب بقائه قد زال، لكنه بدلًا من حل نفسه بدأ الحلف تنفيذ مهمة أخرى هي التوسع، وفي حلقة مغلقة فإن توسع الناتو يختلق الأعداء لتبرير بقائه".
تعليق ماسك ورد رينكيفيتش
وعلّق ماسك على هذا المنشور قائلًا: "لقد تساءلت دائمًا عن سبب استمرار وجود حلف "الناتو" بالرغم من حل حلف وارسو الذي كان عدو الناتو اللدود وسبب تأسيسه".
وانتقد رئيس لاتفيا إدجارس رينكيفيتش تعليق ماسك، وكتب على موقع إكس: "عزيزي إيلون ماسك، السبب وراء تأسيس حلف شمال الأطلسي ووجوده وسيستمر هو روسيا والأعداء الآخرون للعالم الحر"، وفق مجلة "نيوزويك".
والناتو هو تحالف عسكري بين الولايات المتحدة وكندا والعديد من الدول الأوروبية، وتنص المادة 5 من ميثاق الناتو على أن "الهجوم ضد أحد الحلفاء يعتبر هجومًا ضد جميع الحلفاء"، ما يعني أن الهجوم ضد إحدى دول الناتو يمكن أن يستدعي ردًا عسكريًا من جميع الدول الأخرى.
سياق تاريخي
وتأسس الناتو عام 1949 لتوفير الأمن الجماعي ضد الاتحاد السوفيتي وسط توترات متزايدة مع بداية الحرب الباردة، قال الأمين العام الأول لحلف شمال الأطلسي، اللورد هاستينجز ليونيل إسماي: "إن الناتو موجود لإبقاء الاتحاد السوفيتي خارجًا والأمريكيين في الداخل والألمان في الأسفل".
وفي الوقت نفسه، تم تشكيل حلف وارسو في عام 1955 ردًا على حلف شمال الأطلسي، وهو تحالف يضم الاتحاد السوفييتي وحلفائه، تأسس بعد ست سنوات من تأسيس "الناتو" كرد فعل على المنظمة خلال الحرب الباردة.
توسع الناتو
منذ أوائل التسعينيات، رحّب حلف شمال الأطلسي بالعديد من دول أوروبا الشرقية، التي كانت في السابق تحت النفوذ السوفيتي، إلى جانب دول البلطيق والعديد من دول البلقان.
كان ضم فنلندا أخيرًا والعضوية المرتقبة للسويد بمثابة مثال إضافي على استراتيجية التوسع التي يتبناها الناتو، ولم تمر هذه الخطوة دون أن تلاحظها روسيا، التي ترى في توسيع الحلف تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وتزداد مخاوف الكرملين بشكل خاص فيما يتعلق بعضوية أوكرانيا المحتملة، وهي قضية مركزية في الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا.
موقف ماسك وساكس
وبحسب الموقع الأمريكي"bnn"، يسلط كل من ماسك وساكس الضوء على مفارقة توسع حلف شمال الأطلسي في فترة ما بعد الحرب الباردة، مما يشير إلى أن ذلك يولد الأعمال العدائية ذاتها التي يسعى إلى تخفيفها. وتأتي تعليقاتهم في وقت أعرب فيه ماسك في السابق عن تحفظاته بشأن المساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا.
ودعا ماسك إلى حل للصراع يتضمن استراتيجية خروج واضحة، يتوافق مع وجهات نظره الأوسع حول حل النزاعات والإنفاق الحكومي، مما يؤكد الحاجة إلى مناهج عملية في العلاقات الدولية، ما يؤكد تأثير قادة التكنولوجيا في تشكيل الرأي العام بشأن الشؤون السياسية العالمية.
رد روسيا ومستقبل الناتو
ودأب المسؤولون الروس على انتقاد توسعة حلف شمال الأطلسي، ووصفوا الحلف بأنه قوة معادية، و ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إدراج أوكرانيا، على وجه الخصوص، كسبب رئيسي للأعمال العدائية الحالية.
وعلى الرغم من هذه التوترات، يؤكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج أن عضوية أوكرانيا غير مطروحة على الطاولة حتى يتم التوصل إلى حل للصراع.
وفي وقت سابق، ذكر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف "أنه بعد حل حلف وارسو وزوال الاتحاد السوفيتي ظهر أمل في تنفيذ مبادئ التعددية الحقيقية دون خطوط تقسيم في المنطقة الأورو أطلسية، لكن بدلًا من الكشف عن إمكانات منظمة الأمن والتعاون في أوروبا على أساس جماعي متكافئ، حافظت الدول الغربية على حلف الناتو، وخلافًا لوعودها زحفت نحو المساحات المجاورة، بما فيها المناطق التي تشكل أهمية حيوية لروسيا ومصالحها".
ومع استمرار المناقشات المحيطة بدور الناتو وتوسعته، يضيف الحوار بين شخصيات مثل ماسك وساكس طبقة مهمة إلى النقاش العام، مما يشكك في مسار الترتيبات الأمنية الدولية في حقبة ما بعد الحرب الباردة.
لوحة معقدة
وفقا للموقع الأمريكي"bnn"، فإن السرد الذي يتكشف حول غرض الناتو وإستراتيجيته التوسعية يقدم لوحة معقدة من العلاقات الدولية، والاستراتيجيات الجيوسياسية، والسعي إلى تحقيق الأمن في عالم غير مؤكد، ومع مساهمة أصوات مؤثرة مثل ماسك وساكس في المحادثة، يُطلب من المجتمع العالمي إعادة تقييم أسس التحالفات العسكرية واتجاهها المستقبلي. ولا يعكس الخطاب القرارات السابقة فحسب، بل يتطرق أيضًا إلى سُبل تعزيز السلام والاستقرار على الساحة الدولية.