الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

مؤشرات جديدة.. دلالات انعقاد القمة الإفريقية الأمريكية

  • مشاركة :
post-title
القمة الإفريقية الأمريكية

القاهرة الإخبارية - محمود جمال

من المُمكن اعتبار استضافة الرئيس الأمريكي جو بايدن للقمة الإفريقية الأمريكية في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر الجاري بمشاركة قادة وزعماء 49 دولة إفريقية لبحث التعاون المشترك، فرصة أمام واشنطن لتسويق نفسها من جديد كشريك استراتيجي وموثوق به لإفريقيا، ولتعويض ما فاتها في هذه الرقعة الجغرافية الواعدة، وذلك على أسس التكامل، وتحقيق التنمية المستدامة بما ينعكس على تحسين مستقبل الواقع الذي يعيشه الأفارقة، وليس على أسس تُركز فقط على موارد القارة وكنوزها. وقد أكدت استراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء على الشراكة والبناء بما يضمن تحقيق الشفافية ومشاركة مكتسبات التنمية. جدير بالذكر أن فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، شهدت تباعدًا عن القارة الإفريقية؛ فلم يعقد القمة الإفريقية الأمريكية التي عقدها سلفه باراك أوباما عام 2014، فضلًا عن عنصرية ترامب ضد المهاجرين من دول القارة.

تأسيسًا على ما سبق، يحاول هذا التحليل التطرق إلى ترتيبات انعقاد القمة، وأهدافها المُعلنة، والنتائج المنتظرة من القمة في ضوء حالة الزخم التي يوليها الجانبان لهذه القمة.

ترتيبات القمة:

شهدت القمة حالة من الجدل فيما يتعلق بدعوة الدول المشاركة؛ إذ وجّه البيت الأبيض دعوته لنحو 49 دولة، بالإضافة إلى رئيس مفوضيَّة الاتحاد الإفريقي. واستبعدت واشنطن كلًا من السودان وبوركينا فاسو وغينيا ومالي من حضور القمة؛ مُعللة ذلك بتعليق عضوية هذه الدول في الاتحاد الإفريقي لأسبابٍ تعود إلى الاضطرابات الداخلية، وحالة التعثر في انتقال السلطة داخل هذه الدول.

ولفت انتباه المتابعون توجيه الرئيس الأمريكي "جون بايدن" الدعوة لساهلي وورك زودي، رئيسة جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، بينما مازال موقف مشاركة رئيس الوزراء صاحب السلطة الحقيقية أبي أحمد لم يحدد بعد . تجدر الإشارة إلى أن جبهة تحرير شعب تيجراي والحكومة الفيدرالية وقعا اتفاقًا للسلام بوساطة دولية.

وسيمتد جدول القمة المرتقبة إلى ثلاثة أيام؛ حيث يشتمل اليوم الأول على عددٍ من الفعاليَّات والمنتديات مثل منتدى القيادات الشابة لإفريقيا والشتات، منتدى المجتمع المدني، ومنتدى السلام والأمن والحوكمة. ويتضمن اليومان الثاني والثالث من جدول الأعمال منتدى الأعمال الأمريكي الإفريقي الذي سيناقش فرص التعاون الاستثماري، ولقاء الرئيس الأمريكي والقادة الأفارقة.

أهداف القمة:

وفقًا لبيان الخارجية الأمريكية، تُركز القمة على تحديد سُبل التعاون المختلفة بشأن الأولويات المشتركة بين الجانبين، ونُبرز فيما يلي الأهداف المُعلنة لهذه القمة:

(*) تعزيز التعاون الاقتصادي: من المتوقع أن تعمل القمة المرتقبة على التأكيد على توفر فرصة لتعزيز تركيز إدارة بايدن على التجارة والاستثمار في إفريقيا، وتسليط الضوء على التزام واشنطن بأمن إفريقيا، والتأكيد على الالتزام بقضاياها وتطلعاتها التنموية بعد أن كانت مساحة لنهب الثروات الطبيعية، وإبقائها في حالات العوز والحاجة منذ الحقبة الاستعمارية.

(*) تحقيق السلام والأمن، والحوكمة الرشيدة: تعمل واشنطن في هذا الجانب على ضرورة عمل الدول الإفريقية على تجديد ديمقراطياتها لتكون أكثر تجاوبًا مع تطلعات شعوبها، وكوسيلة لمنع حدوث الصراعات وإتاحة المساحات للجماعات الإرهابية والمتطرفة لاستغلال سوء الإدارة للسطو على مقدرات الدول والشعوب.

(*) تعزيز الأمن الغذائي: ستطرح القمة الإفريقية الأمريكية المرتقبة مسألة الأمن الغذائي في إفريقيا. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة، يعاني أكثر من 25% من سكان القارة من انعدام الأمن الغذائي بسبب النزاعات، واستخدام الأدوات التقليدية، والظواهر المناخية المتطرفة كالتصحر والجفاف.

تأثيرات التغير المناخي على الدول الإفريقية

(*) دعم الاستجابة لتغيرات المناخ: يهدف القادة الأفارقة المشاركون في القمة الإفريقية الأمريكية بشكلٍ أساسي من القمة إلى لفت انتباه واشنطن نحو حاجتهم العاجلة للتنمية، ودعم دول القارة في التصدي للتغيرات المناخية وإجراءات التكيف، لا سيما أن دول القارة لم تتلق دعمًا ماليًا وقروضًا كافية من جهات التمويل العالمية لمساعدتها في إجراء التكيف مع التغيرات المناخية، والتحول الأخضر. تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم 150 مليون دولار لدعم الدول الإفريقية في مجابهة تحديات التغير المناخي.

مشاركة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في قمة شرم الشيخ للمناخ (Cop 27)

(*) تعزيز التعاون الصحي: تُمثل القمة الإفريقية الأمريكية المرتقبة فرصة لتعزيز التعاون الصحي بين دول القارة وواشنطن، لا سيما في دعم خطط التعافي من آثار فيروس كورونا، وكذلك توفير الفرصة لدول القارة للاستفادة من الخبرات الخارجية في التعامل مع الأوبئة مستقبلًا، خاصة أن القارة الإفريقية لا زالت تعاني نقصًا حادًا في الإمكانيات الصحية، وهو ما يظهر في انتشار العديد من الأوبئة مثل الإيبولا والكوليرا. وتدخل واشنطن في شراكات مختلفة مع دول القارة من خلال العديد من البرامج مثل خطة الرئيس الأمريكي للطوارئ للإغاثة من الإيدز، ومبادرة الرئيس الأمريكي لمكافحة الملاريا. وقد أعانت الاستثمارات الأمريكية في إفريقيا على تعزيز النظم الصحية في القارة لمجابهة الأوبئة والأمراض والتي كان آخرها جدري القرود. وتبرعت واشنطن بأكثر من 194 مليون جرعة لقاح لدول القارة بالشراكة مع مبادرة تسهيل الوصول العالمي للقاح كوفيد 19، والصندوق الإفريقي لاستجلاب اللقاحات. جدير بالذكر أن دول القارة عانت خلال جائحة كوفيد 19، وكانت الأكثر تأثرًا من التدابير الحمائية التي اتخذتها العديد من الدول حول العالم للحد من انتشار الفيروس نتيجة اعتمادها على الواردات الخارجية، خاصة فيما يتعلق بالواردات الطبية والسلع.

جهود التصدي للأوبئة في إفريقيا

(*) تعزيز التعليم، وتمكين الشباب: تُمثل القمة الإفريقية الأمريكية فرصة كبيرة لفتح حوار مباشر بين دول القارة وواشنطن فيما يتعلق بتمكين الفئات المهمشة كالشباب والمرأة، وتعزيز الديمقراطي؛ حيث تعتبر واشنطن ذلك جزءًا مهمًا ضمن استراتيجيتها للتعاطي مع إفريقيا، والتي ترتكز على دعم المجتمع المدني وتمكين الفئات المهمشة كالنساء والشباب، وهو ما يؤدي إلى تقوية الاستقرار والأمن الإقليمي ويوقف مد التنظيمات والحركات الإرهابية.

فرص واعدة:

يُظهر التنافس الدولي حاليًا على إفريقيا حجم الفرص الواعدة التي تزخر بها القارة خلال الفترة المقبلة. نحاول إبراز هذه الفرص فيما يلي:

(*) تكنولوجيا الخدمات الصحية: تُمثل القارة الإفريقية فرصة أمام الاستثمارات الخارجية، ورواد الأعمال في مجال صعود تكنولوجيا الخدمات الصحية؛ حيث تعاني القارة نقصًا حادًا في تكنولوجيا الصحة رغم أنها من أكثر المناطق التي تنتشر بها الأمراض، فضلًا عن حجم السكان الكبير المتوقع تزايده لـ2.5 مليار نسمة بحلول عام 2050.

(*) انتعاش الاستثمار، وتنامي عدد السكان: تُعتبر القارة أكثر المناطق نموًا من حيث عدد السكان، ومن المتوقع أن يصل عدد سكان القارة إلى 2.5 مليار نسمة معظمهم من الشباب بحلول عام 2050، وهو ما يجعلها سوقًا واعدًا، ويعزز ذلك من فرص إقامة مناطق التجارة الحرة مع دول القارة، لا سيما أن إدارة بايدن ترفع شعار "الشراكة الحقيقية" في التعامل مع إفريقيا. فمنذ يونيو 2019 ساعدت واشنطن في توقيع أكثر من 800 اتفاق تجاري واستثماري بين الطرفين عبر 45 دولة إفريقية، وتقدر قيمة هذه الاتفاقات بنحو 50 مليار دولار من الصادرات والاستثمارات، وذلك في سياق مبادرة "ازدهار إفريقيا" التي تتبناها واشنطن لمضاعفة التجارة والاستثمار بينها والدول الإفريقية.

(*) ثروات طبيعية طائلة: تعتبر القارة مركزًا للثروات الطبيعية، إذ تختزن إفريقيا في باطن أرضها 40% من ذهب العالم، و90% من معدن الكروم والبلاتين، فضلًا عن احتياطيات الماس واليورانيوم والمياه العذبة. وترى وزارة الخارجية الأمريكية أن لدى القارة فرصًا واعدة مما يجعلها تُمثل مستقبل العالم كله.

(*) قطاع الزراعة: يعتبر قطاع الزراعة من أكثر الفرص الاستثمارية الواعدة في القارة لما تمتلكه من مصادر مياه طبيعية في مناطق مختلفة، ومساحات شاسعة تصلح للزراعة. وتأتي أهمية الحديث عن تطوير القطاع الزراعي في القارة نتيجة تراجع الصادرات الأوكرانية من الحبوب، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، وهو الأمر الذي زاد من مخاوف الاضطرابات الاجتماعية نتيجة تزايد الأسعار وانعدام بعض السلع الحيوية في كثير من الأوقات. وتُعد القمة فرصة لاكتشاف إفريقيا في هذا المجال لا سيما أن القارة بها فرص كبيرة فيما يتعلق بدعم الأمن الغذائي العالمي، وهو ما يبرز في توجه العديد من الدول الخليجية في الاستثمار في مجالات الزراعة بإفريقيا.

(*) التوجه نحو التصنيع: يُمثل توفر المواد الخام في القارة فرصة واعدة لإمكانية إقامة مجتمعات صناعية كاملة لتحويل المواد الخام إلى مُصنعة مما يدعم خفض الفقر، والبطالة، وتصاعد النمو الاقتصادي. ولا شك أن أمام القطاع تحديات كبيرة ترتبط بالعمالة المدربة، وهو ما يُمكن تجاوزه بالمساهمة في تدريب هذه العمالة.

(*) نمو تجارة التجزئة، والاستثمار في البنية التحتية: تُمثل تجارة التجزئة والاستثمار في البنية التحتية في القارة فرصًا حقيقية أمام الموردين ورجال الأعمال باعتبار أن السوق الإفريقية لا يزال بكرًا ويزخر بفرص متنوعة. تجدر الإشارة إلى أن هذين المجالين يرتبط نموهما بتحسين جودة الحياة في القارة وتأسيس البنية التحتيةوالفضاءات التجارية ذات الجودة المرتفعة.

أبرز التحديات:

رغم الأجندة الطموحة التي طرحتها الخارجية الأمريكية حول القمة الإفريقية الأمريكية المرتقبة إلا أن ذلك لا يمنع من وجود عدد من التحديات والمعوقات التي تستلزم مضاعفة الجهود المشتركة لتنفيذ المخرجات المتوقعة للقمة، ونوضح فيما يلي أبرز هذه التحديات:

(*) استبعاد مجموعة من الدول المهمة من المشاركة: تعتبر بعض الكتابات أن استبعاد دول مثل السودان من القمة رغم توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين المكونين العسكري والمدني، والتوافق حول المرحلة الانتقالية يُمثل خطأً، وخاصة أن السودان في وضعه السياسي والاقتصادي حاليًا في أحوج الحالات للانفتاح على العالم لتجاوز أزماته.

(*) اتهامات تعتبرها قمة للعلاقات العامة، وليست لإفريقيا: يعتبر كثير من المحللين أن الدول الإفريقية لم تستفد من انعقاد القمة سابقًا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وتصف التحليلات هذه القمم بالمسألة التي تتصل بالعلاقات العامة أكثر من أن يكون فيها جديد للدول الإفريقية لتغيير بوصلتها في البحث عن مصالحها مع دول أخرى مثل روسيا والصين اللتان تنشطان بشكلٍ لافت في إفريقيا.

(*) التنافس على إفريقيا: تتبادل القوى العالمية مثل روسيا والصين وواشنطن الاتهامات فيما بينهم بالمزاحمة في إفريقيا عبر عقد القمم، وترى موسكو أن لها ميزة تنافسية عن واشنطن كونها تقدم تنمية حقيقية للقارة الإفريقية وليس قمم شكلية للنقاش والمكايدة العالمية. جدير بالذكر أن موسكو لا تستبعد أيًٍا من الدول الإفريقية من المشاركة في القمم التي تنظمها بعكس الولايات المتحدة الأمريكية التي استبعدت السودان وبوركينا فاسو ومالي وأوغندا، وتعد هذه ميزة تنافسية مكّنت موسكو من إقامة علاقات استراتيجية مع بعض دول القارة. وتبرز إحدى الوثائق على موقع الخارجية الأمريكية بشأن الاستراتيجية الأمريكية نحو إفريقيا جنوب الصحراء حذر واشنطن من الوجود الصيني الروسي في القارة.

في الختام، تتعدد المؤشرات على تغير الاستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا، ما ينبئ بمسار لإدارة الرئيس الأمريكي بايدن يخالف مسار سلفه دونالد ترامب. كان أول تلك المؤشرات الزيارات المكثفة للقارة من قِبل المسؤولين الأمريكيين، والتي كان آخرها مشاركة بايدن في قمة شرم الشيخ للمناخ، وذلك لدعم إفريقيا في التكيف المناخي. وهناك مؤشر آخر، يتمثل في تعدد المبادرات الأمريكية الموجهة لإفريقيا مثل مبادرة "ازدهار إفريقيا"، وكذلك تمديد قانون النمو والفرص في إفريقيا حتى عام 2025، وهو قانون يعفي 6500 منتج إفريقي من الجمارك الأمريكية، كذلك دعمت واشنطن الدول الإفريقية بأكثر من 50 مليون جرعة لمكافحة مرض كورونا.