رغم التحذيرات الدولية المتزايدة من قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي باجتياح مدينة رفح الفلسطينية، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عزمه الإقدام على تلك الخطوة المحفوفة بالمخاطر، والتي تنطوي على كارثة إنسانية، في إصرار منه على إطالة أمد الحرب على غزة، لضمان البقاء في منصبه على رأس حكومته اليمينية المتطرفة.
وارتفعت حصيلة الضحايا جراء القصف العنيف الذي شنه جيش الاحتلال، فجر الإثنين، على رفح إلى 76 مواطنًا، وكان جيش الاحتلال قد دمر 14 منزلًا و3 مساجد تدميرًا كاملًا، إضافة إلى عشرات المنازل التي تضررت بشكل جزئي، شمال غرب مدينة رفح؛ مما تسبب في سقوط عشرات الشهداء والمصابين.
وادعى الاحتلال أنه تمكن من "إنقاذ" محتجزين في عملية نفذتها قوات خاصة في رفح الفلسطينية، تزامنًا مع قصف مكثف وعنيف استهدف المنطقة. ويبدو واضحًا أن نتنياهو يستغل الادعاء بـ" إنقاذ المحتجزين" لتبرير العدوان على رفح الفلسطينية، حتى مع تعرض دولة الاحتلال لضغوط دولية مكثفة، لحملها على عدم اجتياح المنطقة المكتظة بالنازحين، وفق ما ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية.
وعقب العملية الإسرائيلية الخاصة في رفح الفلسطينية، التي تمت في الساعات الأولى من يوم الإثنين، بادعاء "إنقاذ المحتجزين"، قال نتنياهو إنها أظهرت الحاجة إلى مواصلة الضغط على حماس؛ من أجل تأمين إطلاق سراح المحتجزين المتبقين.
ولفتت "الجارديان" إلى ادعاء جيش الاحتلال تحرير ثلاثة محتجزين فقط، خلال أكثر من أربعة أشهر من العدوان، وهو عدد أقل من عدد المحتجزين الذين قتلوا أثناء الجهود الإسرائيلية لتحريرهم.
وبدلًا من ذلك، فإن الغالبية العظمى من المحتجزين، أُطلق سراحهم في المفاوضات مع حماس، حيث تم إطلاق سراح أكثر من مائة منهم خلال وقف إطلاق النار الذي دام أسبوعًا في نوفمبر الماضي، وتأكد مقتل أكثر من 30 محتجزًا آخرين؛ جراء القصف الإسرائيلي، مع وجود مخاوف على حياة 20 آخرين على الأقل.
واستشهد ما لا يقل عن 67 فلسطينيًا خلال الغارة الإسرائيلية الأخيرة على رفح الفلسطينية، وفقًا للسُلطات الصحية في غزة، حيث قصفت الطائرات الإسرائيلية المنطقة بالقنابل، وهو الأمر الذي يسلط الضوء على المخاطر الهائلة التي تهدد حياة المدنيين في حالة شن هجوم إسرائيلي بري على رفح الفلسطينية.
ويأتي التهديد الإسرائيلي بشن هجوم بري على رفح، حيث يعيش أكثر من 1.3 مليون فلسطيني نازح في مدينة كان عدد سكانها قبل الحرب يبلغ نحو 300 ألف نسمة، في وقت بدأ ينفد الصبر الدولي على نتنياهو بسرعة، وفق الجارديان.
ومع استشهاد ما يقرب من 30 ألف مدني في غزة، منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع في 7 أكتوبر الماضي، وصل الغضب الدولي المتصاعد تجاه نتنياهو إلى درجة الغليان، كما وصفت الصحيفة.
وأمس الإثنين، ضم الرئيس الأمريكي جو بايدن، صوته إلى الدعوات الدولية المتزايدة، للاحتلال للتخلي عن خططه لشن هجوم عسكري شامل على مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقال الرئيس الأمريكي بعد محادثاته مع العاهل الأردني الملك عبدالله، في البيت الأبيض أمس الإثنين: "لا ينبغي لعملية عسكرية كبيرة في رفح أن تستمر دون خطة موثوقة لضمان سلامة ودعم أكثر من مليون شخص لجأوا هناك".
وأضاف: "لقد نزح العديد من الأشخاص هناك عدة مرات، وهم الآن مكدسون في رفح، معرضون للخطر، وبحاجة إلى الحماية".
ومن جهته، قال العاهل الأردني إن العالم "لا يمكنه تحمّل عواقب هجوم إسرائيلي على رفح، لافتًا إلى وضع أصلًا لا يطاق لأكثر من مليون شخص تم دفعهم نحو المدينة منذ أن بدأت الحرب".
وهاجم جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، رئيس الوزراء الإسرائيلي بغضب وسط قلق دولي مُتزايد، بشأن ارتفاع عدد الشهداء في غزة، قائلًا إن "نتنياهو لا يستمع إلى أحد".
وردًا على تصريح نتنياهو، بأنه سيتم إجلاء النازحين في رفح من المنطقة قبل هجوم عسكري كبير، قال بوريل: "أين؟ إلى القمر؟ إلى أين سيجلون هؤلاء الناس؟".
وقد ردد ديفيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني، مشاعر بوريل بلغة أكثر دبلوماسية، حيث قال: "في الواقع، نعتقد أنه من المستحيل أن نرى كيف يمكنك خوض حرب بين هؤلاء الناس، فلا يوجد مكان يذهبون إليه".
وفي الأسبوع الماضي، حذرت نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك، من أن الهجوم الإسرائيلي على رفح سيكون بمثابة "كارثة إنسانية في طور التكوين". وأضافت: "لا يمكن أن يختفي الناس في غزة في الهواء".
وقال فولكر تورك، المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة: "يجب على العالم ألا يسمح بحدوث ذلك. يجب على أصحاب النفوذ أن يكبحوا جماحهم بدلًا من تمكينهم".
وعلى الرغم من التحذيرات المتزايدة من وكالات الإغاثة والمجتمع الدولي من أن الهجوم على رفح سيكون كارثيًا، فقد أكد نتنياهو من جديد عزمه على توسيع الهجوم الإسرائيلي، واجتياح منطقة رفح الفلسطينية.
ويرفض نتنياهو التفكير في إنهاء العدوان على غزة، في وقت ينهار الدعم الشعبي للاستمرار في منصبه، وتعلم الدائرة الداخلية المحيطة بنتنياهو، أن إنهاء الحرب في جميع الاحتمالات سيعني نهاية حياته السياسية، وهو ما يجعل اجتياح رفح أمرًا لا يمكن الانحراف عنه بالنسبة له، حتى لو أدى إلى ارتكاب مزيد من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، وفق الجارديان.