بفضل التطور العلمي، أصبح لدى أعداد كبيرة من البكتيريا في العالم اليوم عدو طبيعي، وهي فيروسات صغيرة تسمى "العاثيات المبرمجة وراثيًا"، والتي تقوم بعدة مهام داخل جسم الإنسان، أهمها البحث عن البكتيريا وتدميرها، إلا أن الـ "بكتيريا خارقة" القادرة على مواجهة المضادات الحيوية، جعلت العلماء في سباق مع الزمن لتطوير تلك العاثيات باستخدام الهندسة الوراثية، بل قادهم الطريق إلى محاولة إنشاء مختبرات لإنتاج المليارات منها.
وكما يشير العلماء فإن "العاثيات" هي فيروسات صغيرة ذات شكل ثلاثي الأرجل مصممة للعثور على البكتيريا ومهاجمتها والتهامها، حيث أنقذت هذه الكائنات المجهرية حياة العديد من المرضى، الذين كانوا على فراش الموت، حيث تستخدم البكتيريا مناورات مراوغة مختلفة، وتدمير العامل المسبب للمرض وتفجيره في النهاية إلى أجزاء.
تهديد عالمي
ووفقًا لشبكة "سي إن إن" الأمريكية، ففي الولايات المتحدة وحدها، تحدث أكثر من 2.8 مليون حالة عدوى بكتيرية خارقة، مقاومة للمضادات الحيوية كل عام، وتشكل تهديدًا عالميًا عاجلًا للصحة العامة، حيث تقتل 5 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، وطبقًا للمراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2050، سيموت 10 ملايين شخص سنويًا بسبب عدوى البكتيريا الخارقة.
وتعتبر الجراثيم المسببة لالتهابات الأذن، واحدة من تلك البكتيريا الخارقة، التي تقاوم المضادات الحيوية، والتي تسبب التهابات مزمنة لدى الأفراد تتراوح من أشهر إلى سنوات أو حتى عقود في بعض الأحيان، حيث تزداد خطورتها كل يوم مع مرور الوقت، كما تعتبر التهابات العين، نوع آخر من تلك البكتيريا القاتلة، والتي بدأت في الظهور في مايو 2022 بالولايات المتحدة، بعد استخدام الدموع الاصطناعية الخالية من المواد الحافظة، وبحلول يناير كان هناك 50 مريضًا في 11 ولاية أصيبوا بتلك الجراثيم الخارقة وبحلول مايو 2023، فقد تفشى المرض في 18 ولاية، وتسبب في العديد من الوفيات، بينما فقد البعض الآخر بصرهم.
سلالات نادرة
مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، كشفت أن البكتيريا الخارقة في التهابات العين والأذن كانت سلالة نادرة من بكتيريا تسمى "الزائفة الزنجارية" المقاومة للأدوية والتي لم يتم التعرف عليها مطلقًا في الولايات المتحدة قبل تفشي المرض، وهو ما دفع العلماء لاستخدام مجموعة مركبة من العاثيات التي نجحت لأول مرة في القضاء على ذلك النوع من البكتيريا الخارقة.
ذلك الأمر أعطى، وفقًا للشبكة أعطى أملًا جديدًا للعلماء، في استخدام ذلك المخلوق الصغير الذي يستطيع الإطاحة بالبكتيريا القادرة على تحمل كل الأدوية التي يستطيع العلم الحديث حشدها، متسائلين عن إمكانية جعله لاعبًا رئيسيًا في المعركة لإنهاء أزمة الجراثيم الخارقة.
مفاعل حيوي
وينشغل العلماء الآن في المختبرات العالمية بتطوير العاثيات جينيًا، وإجراء تجارب سريرية لاختبار فعاليتها ضد أمراض مستعصية تسببها البكتيريا الخارقة، مثل التهابات المسالك البولية المستعصية، والإمساك المزمن، والتهابات المفاصل، وتقرحات القدم السكرية، والتهاب اللوزتين، والالتهابات المستمرة والمتكررة التي تحدث لدى مرضى التليف الكيسي، وهي جميعها أمراض ناتجة عن سلالات مختلفة من بكتيريا الزائفة الزنجارية المقاومة للأدوية.
كما يقوم عدد من المختبرات بتطوير مكتبات من العاثيات ذات الهندسة الوراثية، مخزنة بسلالات موجودة في الطبيعة والمعروفة بفعاليتها ضد مسببات مرضية معينة، حيث أكد الأطباء أن تلك المكتبة الجديدة، ستجعلنا بدلًا من البحث على العاثيات في مياه الصرف الصحي والمستنقعات والبرك والقوارب وغيرها من مناطق التكاثر الرئيسية للبكتيريا، سيصبح لدينا مفاعل حيوي ينتج في الوقت الفعلي مليارات ومليارات من العاثيات.