تسير التحضيرات على قدمٍ وساقٍ؛ لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة الطموحة التي وضعتها فرنسا للتكيّف مع ارتفاع متوسط درجات الحرارة، بمقدار 4 درجات مئوية بحلول عام 2100، إذ تُشير صحيفة "ليزيكو" الفرنسية إلى أنه من المتوقع أن يتم تقديم مسودة الخطة إلى رئاسة الوزراء بحلول نهاية شهر فبراير المقبل، ثم إطلاقها رسميًا للمشاورات العامة بعد شهر من ذلك؛ بهدف نشرها في مطلع الصيف المقبل، بحسب ما صرّح به أخيرًا كريستوف بيشو، وزير التحول البيئي.
إعلان "عام التكيف"
أكد الوزير "بيشو" أن عام 2024 سيكون "عام التكيف" مع آثار تغير المناخ، مُشيرًا إلى أن الحكومة ستنظم يوم الثلاثاء المقبل ندوة حوارية كبرى حول هذا الموضوع بمشاركة علماء ومهنيين ومسؤولين محليين. وقد تطرق الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لهذا الموضوع للمرة الأولى خلال مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي، مشددًا على أنه "يتعين علينا التكيف. وهذا يعني أنه سيتوجب علينا تغيير أنماط حياتنا ومشاهد بلادنا".
المحتوى المتوقع للخطة
ومن المتوقع أن تتضمن الخطة، التي كان انتظارها كبيرًا والتي تشرف عليها رئاسة الحكومة، ما يقرب من 50 تدبيرًا، بحسب ما صرح به الوزير بيشو. ويُتوخى من هذه الخطة وضع إطار عمل جديد يمكّن صانعي القرار والفاعلين الاقتصاديين من اتخاذ قرارات استشرافية طويلة المدى متوائمة مع وتيرة الاحترار العالمي، فبالرغم من الجهود المبذولة لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، إلا أن التوقعات العلمية الحالية تُشير إلى ارتفاع عالمي متوسط بين 2.8 و3.2 درجة مئوية بحلول عام 2100، ما يوازي 4 درجات مئوية على الأراضي الفرنسية. وفي هذا السياق، يقول الوزير بيشو "من غير المسؤول الاعتقاد بأن كل شيء سيسير على ما يُرام، وأننا سنلتزم باتفاقية باريس، بل يتعين علينا الخروج من حالة الإنكار".
وتُشير الصحيفة الفرنسة إلى أنه في ظل ارتفاع الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية، سترتفع مخاطر الفيضانات وارتفاع منسوب مياه البحر وموجات الحر والجفاف وحرائق الغابات بشكل كبير، مُقارنة بالوضع الحالي. ومن هنا تأتي أهمية تقييم الآثار المترتبة على ذلك وتكاليفها الاقتصادية، إلى جانب إعادة النظر في المقاييس المرجعية، أي المواصفات القياسية للمواد المستخدمة في البناء والبُنى التحتية مثلًا، حيث تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع درجات الحرارة.
كما ستتناول الخطة أيضًا مجموعة من التدابير العملية، من قبيل تحديث خرائط المناطق العرضة للفيضانات، ومراجعة قانون العمل لتعديل ساعات العمل، وفقًا لدرجات الحرارة، والحد من ظاهرة الجزر الحرارية في المدن، وتكييف المساكن لرفع مستوى الراحة الحرارية فيها، ومساعدة المزارعين على تكييف محاصيلهم مع موجات الجفاف المتكررة.
دون أن ننسى تداعيات غياب تساقط الثلوج على العديد من منتجعات التزلج، أو انكماش وتمدد التربة الطينية بفعل الجفاف والأمطار، الذي يؤثر حاليًا على 11 مليون ممتلك عقاري.
الخطط السابقة والمستجدات الحالية
وتُشير "ليزيكو" إلى أن العمل على إعداد الخطة الوطنية الثالثة للتكيّف، انطلقت مع تغير المناخ منذ العام الماضي فقط، إذ تضع الحكومة نصب أعينها أهدافًا أكثر طموحًا مُقارنة بالخطط السابقة. وفي هذا الصدد، تقول ماري نيكول، من مركز الفكر "آي 4 سي" إن "تبني هذه الخطة على أعلى المستويات السياسية يُعد إشارة إيجابية؛ لأنه وبالرغم من أهمية الدراسات والتدابير التقنية، إلا أنها لا تكفي وحدها. بل ينبغي أيضًا تطوير ثقافة المخاطر لدى جميع الفاعلين".
ولا تزال هناك بضعة أسابيع أخرى قبل معرفة ما إذا كانت الخطة الوطنية الثالثة للتكيّف مع تغير المناخ، سترتقي إلى مستوى طموحاتها أم لا. فقد تأجلت المصادقة النهائية عليها؛ بسبب تعديل الحكومة أخيرًا. غير أنه من المحتمل أن يعلن الوزير بيشو عن بعض التدابير المزمع اتخاذها خلال الندوة الحوارية المقررة الثلاثاء المقبل.