بعد تصاعد الصراع في البحر الأحمر، طالبت الصين جميع الأطراف ذات الصلة بضمان سلامة الملاحة في الممرات المائية، في ظل تحذير المحللين من أن هجمات الحوثيين على السفن التجارية تهدد اقتصاد بكين الذي يحتل المرتبة الثانية عالميًا.
وشنّت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة سلسلة من الضربات خلال الأسبوع الماضي ضد الحوثيين، الذين تعهدوا بمواصلة حملتهم ردًا على العدوان الإسرائيل على غزة.
واستثمرت بكين بشكل كبير في بناء علاقات وثيقة في الشرق الأوسط من خلال دعمها للقضية الفلسطينية من أول يوم في الحرب، وظلت محايدة علنًا بشأن هجمات الحوثيين.
موقف محايد
وجاء نداء بكين للتحرك لحماية طريق التجارة العالمي، في الوقت الذي يُعتقد أن الولايات المتحدة تواصلت مع الصين لمعرفة ما إذا كان بإمكانها ممارسة الضغط على إيران، التي تدعم الحوثيين المتمركزين في اليمن، نظرًا لما تتمتع به بكين من علاقات ودية مع طهران.
لكن وزارة التجارة الصينية لم تذهب بعيدًا في الإشارة إلى تقديم مساعدة دبلوماسية أو عسكرية لحل الأزمة في الممر المائي، حسبما ذكر موقع "أخبار الصين".
وقال المتحدث باسم الوزارة، أمس الخميس: "البحر الأحمر هو طريق تجاري دولي مهم"، مضيفًا أن الصين "ستـعزز التنسيق مع الإدارات ذات الصلة، وتتابع عن كثب التطورات وتقدم الدعم والمساعدة في الوقت المناسب للمؤسسات التجارية الخارجية".
وفقًا للنصوص التي قدمها الموقع الرسمي لوزارة التجارة الصينية، يمر نحو 60% من صادرات الصين إلى أوروبا عبر البحر الأحمر.
وأفادت شبكة "بلومبرج" الأمريكية، بأن أسعار حاويات الشحن من آسيا إلى البحر الأبيض المتوسط ارتفعت بنسبة 62% منذ نهاية نوفمبر، كما ارتفعت أقساط التأمين على البضائع التي تعبر البحر الأحمر إلى ما يقرب من 10 أضعاف، مع اعتراف شركات التأمين بأن اليمن هي واحدة من أخطر المياه في العالم.
الاقتصاد مهدد
وتستورد الصين نحو نصف نفطها الخام من إيران ودول أخرى في الشرق الأوسط، ويمر جزء كبير من تجارتها مع الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري الثاني، أيضًا عبر البحر الأحمر.
وقال ين جانج، الخبير بشؤون الشرق الأوسط، إنه على الرغم من أن قوات الحوثيين لم تهاجم السفن التجارية الصينية، فإن الاضطرابات أدت إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتسببت في "خسائر ضخمة" للشركات الصينية، حسبما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
وأوضح "ين" أن "طريق الشحن في البحر الأحمر له أهمية كبيرة بالنسبة للسفن التجارية الصينية، على الرغم من أن الشحنات من دول مثل الصين قد تكون آمنة، لكن تكاليف الشحن ارتفعت. وهو أمر سيء جدًا بالنسبة للصين".
وارتفع مؤشر شنجهاي للشحن الحاويات، الأسبوع الماضي، إلى أعلى مستوى له منذ سبتمبر 2022، ما يعكس الزيادة في التكاليف الناجمة عن إعادة توجيه السفن حول رأس الرجاء الصالح في إفريقيا.
واضطرت أكبر شركة شحن صينية، وهي شركة "كوسكو" الحكومية، إلى إعادة توجيه البضائع بعيدًا عن المنطقة، بحسب ما قال ستيفان أنجريك، المدير المشارك وكبير الاقتصاديين في موديز أناليتكس، مما رفع تكاليف المصدرين وتسبب في تأخيرات.
وقال أنجريك: "في وقت لا يبدو فيه الاقتصاد المحلي في حالة جيدة، أعتقد أنه من العادل القول إن هذا هو ريح مضادة غير مرحب بها".
وأضاف أن الموردين الأوروبيين ذوي التقنية العالية إلى آسيا سيتعرضون أيضًا للتعطيل، ما يرفع المخاطر بالنسبة لسلاسل التوريد التي تعافت أخيرًا بعد جائحة فيروس كورونا والهجوم الروسي على أوكرانيا.
الحل العسكري مرفوض
حذر المحللون من أن الصين من غير المحتمل أن تتدخل مباشرة عبر العمليات العسكرية أو بممارسة الضغط على إيران، وفضلت إصدار تصريحات عامة حول أهمية الممرات البحرية الدولية.
وقال "ين": "إيران تدعم الحوثيين، لذلك لن تتعامل الصين مباشرة مع إيران في هذه المسألة".
ويمتلك الجيش الصيني قاعدة بحرية في جيبوتي، عند مصب البحر الأحمر، لكن المحللين قالوا إن ذلك سيتعارض مع دبلوماسية بكين في المنطقة للمشاركة في أي عمل عسكري ضد الحوثيين أو دعم سياسة الولايات المتحدة، التي تعتبرها فشلًا.
وقال جوزيف جريجوري ماهوني، أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في جامعة شرق الصين العادية: "في المسائل المتعلقة مباشرة بالسيادة وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، مبدأ الصين أنها ستتجنب المشاركة في الصراع العسكري كلما أمكن".