في إطار تطبيق "اتفاق العلا" الخليجي-المصري الموقع في يناير 2021، أجرى رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، زيارة إلى الدوحة بدعوة من أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في 5 ديسمبر 2022، في إشارة إيجابية لاستعادة دفء العلاقات بين البلدين الشقيقين، وهي أول زيارة رسمية منذ تولي الشيخ محمد بن زايد رئاسة الدولة.
وتحمل الزيارة دلالات رمزية مهمة على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين من جهة والقضايا العربية والإقليمية من جهة أخرى، ومن ثمّ يحاول التقرير التالي تتبع مسار التقارب القطري الإماراتي عقب المصالحة، وتأثير الزيارة على مدى تطور العلاقات في الفترة المقبلة عبر مؤشرات لقياس التقدم في أبرز الملفات الخلافية.
إشارات إيجابية:
جاءت الزيارة تلبية لدعوة أمير قطر، في إطار مساعي الدوحة لإعادة تعريف ذاتها وترميم علاقاتها وروابط أشقائها وحلفائها على هامش استضافتها لفعاليات كأس العالم لكرة القدم "قطر 2022" وسبق تلك القمة مجموعة من اللقاءات رفيعة المستوى بين الجانبين، وتتمثل مجمل الإشارات الإيجابية في التالي:
(*) زيارات رفيعة المستوى: تبادل الطرفان، الزيارات رفيعة المستوى منذ توقيع اتفاق العلا، وعلى رأسها لقاء الشيخ تميم بن حمد، نائب رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن راشد، على هامش قمة بغداد للتعاون والشراكة في 28 أغسطس 2021، وقبل أن يبدأ تبادل الزيارات بين الدوحة وأبو ظبي، حيث التقى مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد على رأس وفد إماراتي، أمير دولة قطر في الدوحة لأول مرة في 28 يونيو 2021، كما بحثا سبل تعزيز العلاقات الأخوية في 26 أغسطس 2021، قبيل لقائهما الودي في ضيافة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، بالبحر الأحمر في 17 سبتمبر 2021. وفي المقابل استقبل رئيس دولة الإمارات، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن، في 6 أكتوبر من العام الماضي.
وخلال العام الجاري تلقت العلاقات الثنائية دفعة إضافية بثلاثة لقاءات بين الشيخ محمد بن زايد والشيخ تميم بن حمد، أولها لقاء عابر على هامش افتتاح دورة بكين للألعاب الأولمبية الشتوية، بالعاصمة الصينية في 5 فبراير 2022، قبل لقائهما في أبوظبي 15 مايو 2022، خلال تقديم أمير قطر واجب العزاء في وفاة رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ خليفة بن زايد.
(*) تقليص الفجوات: تأتي الزيارة في سياق إقليمي أكثر تماسكًا من ذي قبل، في ظل العودة الكاملة للعلاقات الثنائية بين قطر من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى، وتسوية الخلافات المصرية والخليجية بنسب متفاوتة مع تركيا، في إطار التراجع عن الدعم المقدم لتنظيم الإخوان وإدانة مشاركة الجماعة وعناصرها في أعمال إرهابية في مصر وتركيا. وفي تلك الدينامية الإقليمية الجديدة، أعادت مختلف القوى والأطراف الاعتبار للدولة الوطنية باختلاف خصائصها ومحدداتها القومية، كفاعل رئيسي وغاية نهائية لأمن وازدهار الشعوب في إطار منظومة إقليمية مترابطة، تتجه شيئًا فشيئًا نحو النضج مع تلاشي العوامل الأيديولوجية وتراجع ثقة الشعوب العربية في تلك التيارات ومن ثم فقدانها التأثير.
(*) تغليب المصالح ولغة الحوار: يعترف الجاران بوجود تباين في الرؤى دون الاختلاف حول أجندة دعم الأمن والاستقرار الإقليمي، الذي ينطلق من تعظيم المصالح المشتركة في القضايا التجارية والاقتصادية، كمقدمة لاستعادة العلاقات السياسية الكاملة، ولعل أبرز أمثلة التعاون بين البلدين تسيير 120 رحلة يومية بين دبي والدوحة بالتبادل بين شركتي طيران دبي والخطوط الجوية القطرية، خلال منافسات كأس العالم لخدمة المشجعين.
قضايا عالقة:
يمكن القول إن زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى دولة قطر تحمل رسالة إيجابية لتحسن مستوى العلاقات بين البلدين، انطلاقًا من روابط مؤسسية وتنسيق ثنائي في القضايا والملفات التي يتداخل فيها البلدان الفاعلان في الدبلوماسية العربية والدولية، لكن مستوى التحسن في تلك العلاقات يظل مرهونًا بكيفية إدارة الخلافات بينهما، فضلًا عن استكمال بناء الثقة في الإطار الخليجي-المصري الذي أنتج اتفاق العلا، وتتمثل تلك المؤشرات التالية:
(&) عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة: يظهر سياق المباحثات التي تقدمت ببطء وعلى مدار نحو عام ونصف العام من يونيو 2021 إلى ديسمبر 2022، أن خطوة منتظرة لعودة السفير القطري إلى أبو ظبي ونظيره الإماراتي إلى الدوحة قد تمثل بادرة طيبة للعودة الكاملة للعلاقات الدبلوماسية، في إشارة ربما إلى حاجة لحلحلة القضايا والملفات الخلافية، منها ضبط الخطاب الإعلامي والتوقف عن انتقاد سياسة دولة الإمارات، ومن المهم الإشارة إلى واقعة سحب السفراء السعودي والبحريني والإماراتي من الدوحة، في مارس 2014، واتفاق البلدان الثلاثة على إعادة السفراء خلال اجتماع بالرياض، في 16 نوفمبر من ذات العام، حيث لم ترسل الإمارات سفيرًا جديدًا لها إلى قطر إلا في 3 ديسمبر، متأخرة بنحو أسبوعين عن جارتيها الخليجيين.
(*) تطبيع العلاقات البحرينية القطرية: لا تزال العلاقات بين المنامة والدوحة تعاني انسدادًا على كل المستويات على وقع التغطية الإعلامية السلبية للشأن البحريني وعدم اتخاذ أي خطوة لتحسين العلاقات أو لقاء زعيمي البلدين، وهو ما ينعكس بصفة خاصة على العلاقات بين الدوحة وأبو ظبي، في إطار العلاقات المتميزة بين الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة والقيادة السياسية الإماراتية.
إجمالًا، يأتي لقاء رئيس دولة الإمارات وأمير دولة قطر في سياق مشهد ثنائي وإقليمي مختلف، ورغبة كلا البلدين في إعادة بناء الثقة والاستثمار في مكتسبات الأزمة لصياغة علاقات أكثر استقرارًا تخدم بالحد الأدنى المصالح الوطنية وتدعم وحدة مجلس التعاون الخليجي، دون انتظار نتائج سريعة وحاسمة في حلحلة الملفات العالقة خليجيًا وعربيًا وإقليميًا.