"هذا زمن التحولات والحصارات وحروب التصفية والإلغاء والصعاب، وسط هذه الفوضى العارمة، وهذا الدمار والقتل والفساد، ومع كل ما يجري من حولنا من تدمير متعمد لمدننا التاريخية الرائعة، ولإنساننا، وتدمير أرضنا وبحرنا وساحلنا ومدارسنا وتاريخنا وثقافتنا وذاكرتنا، وسط هذا كله نقاوم ونستمر".. بهذه الكلمات اختارت أن تبدأ الفنانة اللبنانية نضال الأشقر، رسالتها في اليوم العربي للمسرح ببغداد، الذي تنطلق فعاليات نسخته الـ14 مساء اليوم الأربعاء، بمشاركة سورية ووفود عربية ودولية.
وتذكرت "الأشقر" لبنان قبل الحرب الأهلية حين كانت بيروت مسرحًا كبيرًا لأحلام النخبة من اللبنانيين والعرب، وكانت عاصمة الخيال والمغامرة والحرية والتجربة التي خاضتها رفقتهم في محترف بيروت للمسرح التي كانت نواة ثقافية وفنية، وبحثوا من خلالها عن شكل ومضمون جديد للمسرح، كذلك خبرة المسرح اللبناني في الحياة الأدبية والثقافية اللبنانية بشكل عام، التي أسهمت في خلق الرعشة التي جعلت بيروت الستينيات والسبعينيات صفحة ذهبية فريدة وخالدة في كتاب تاريخ المنطقة.
وقالت "الأشقر" التي بنت علاقتها مع المسرح منذ نعومة أظفارها، كما طرحت أسئلة إنسانية جاء في مضمونها: "كيف لنا نحن المبدعين أن نشاهد المجازر والأطفال والقتلى والعائلات المدمرة والبيوت التي سطحت على الأرض في فلسطين والعراق ولبنان وسورية وليبيا والسودان، وألا نعبر بأعمال مسرحية وعلى مدى قرن كامل عما كنا شهوداً عليه، ألسنا نحن مؤرخين من نوع آخر؟ ألسنا نحن مشاهدين ومسجلين للحاضر؟ ألسنا نحن ناقلي التراجيديا الإنسانية على المسرح كي تصل إلى قلوب الناس وعقولهم؟ ألسنا نحن من ينتزع الأقنعة عن كل وجه مزيف وعن كل قضية فاسدة".
وأردفت "مؤسسة مسرح المدينة" بقولها: "لكي يلعب المسرح دوراً ديمقراطياً فعالاً، يجب أن تكون هناك ورشة عمل كبيرة وخطة تنهض بالبلاد وتحولها إلى خلية نحل، حيث يعمل فيها المثقفون والفنانون والطلاب والأساتذة يداً بيد للنهوض بمجتمعاتهم، وبيئتهم إلى عالم من البحث والدرس والتمحيص والتعبير الحر وصولاً إلى المسرح، لذلك يجب أن تكون هناك العشرات من المراكز الثقافية والمسارح والمكتبات العامة كي يصبح المسرح أداة فعلية وفاعلة في مجتمعاتنا".
ومن وجهة نظرها ترى نضال الأشقر أن المسرح هو من يعيد الإنسان إلى روحه وجذوره ووجدانه، ويربطه ربطًا سحريًا بأرضه ولغته وتاريخه ومستقبله، وهو في تكوينه يرفض كل ما يفرق، ويجمع تحت سقف واحد، جمهوراً متعدد الانتماءات ويحرّض على الحوار المثمر وعلى الفعل والتفاعل.
واختتمت رسالتها مُعلقة: "هكذا فهمت المسرح منذ بدأت العمل، وهكذا أواصله في مسرح المدينة الذي أسعى بالتعاون مع جميع الخيرين والخلاقين أن يكون نواة جديدة لأحلام ومحاولات جديدة، نسعى في إطارها إلى إيجاد لغة تطلقنا إلى عالم تلك البقعة من الضوء التي يدخل إليها الناس ليفتحوا حلمهم وخيالهم".
ويأتي اختيار نضال الأشقر لهذا الحدث السنوي انطلاقًا من القيمة الفنية والإبداعية التي سطرتها في سجلات المسرح العربي عامة والمسرح اللبناني خاصة، والدور الاستثنائي في تكوين صورة مشرقة لبصمات سيدات المسرح العربي في رسم مشهده ومنحه خصوصيات إبداعية وفكرية تنطلق من إيمانها بأهمية هذه الخصوصيات التي تعطي غنى للإبداع المسرحي.