يُعد تعيين جابرييل أتال، البالغ من العمر 34 عامًا، في منصب رئيس الوزراء الفرنسي الجديد، بمثابة تتويجٍ لمسيرة سياسية بالنسبة لشابّ في عمره، إذ إنه منذ بداية حياته السياسية، واصل "أتال" تسجيل الأرقام القياسية، حيث أصبح في سن 29 عامًا أصغر عضو في الحكومة الفرنسية، ثم أصغر وزير تعليم في سن 34 عامًا، والآن أصبح أصغر رئيس وزراء في الجمهورية الفرنسية الخامسة.
ووفقًا لصحيفة "كابيتال" الفرنسية، يُعدّ تعيين جابرييل أتال في منصب رئيس الوزراء، بمثابة استمرار لسياسة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، باختيار الوجوه الشابة لتولي المناصب الحكومية المهمة، في محاولة منه لإظهار الطابع التجديدي والانفتاح لحكومته.
مسيرته السياسية الصاعدة
انضمّ جابرييل أتال إلى صفوف حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي يتزعمه إيمانويل ماكرون، في العام 2016، وفي العام التالي 2017، فاز أتال لأول مرة بمقعد نيابي عن الدائرة العاشرة في منطقة أو دو سين الفرنسية، ضمن قوائم الحزب الذي تحوّل اسمه فيما بعد إلى حزب "النهضة".
وسرعان ما برز "أتال" كأحد أبرز المقربين من الرئيس ماكرون داخل الحزب، ما مهّد له الطريق لتولي مناصب مهمة، ففي عام 2018 عُيّن ناطقًا باسم حزب "الجمهورية إلى الأمام" الذي كان يتزعمه ماكرون آنذاك.
وفي العام نفسه 2018، حصل أتال على أول منصب وزاري له في الحكومة الفرنسية برئاسة إدوار فيليب، حيث عُيّن وزيرًا منتدبًا بجانب وزير التربية الوطنية، جان ميشال بلانكيه.
ومع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة جان كاستكس في عام 2020، تولّى جابرييل أتال منصب الناطق الرسمي باسم الحكومة، وهو المنصب الذي ظل يشغله حتى العام 2022.
وبعد إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا للبلاد في 2022، استمرّ جابرييل أتال في الحفاظ على مكانته داخل الحكومة، بل تعزّزت مكانته أكثر، حيث عُيّن وزيرًا منتدبًا مكلّفًا بالحسابات العامة في الحكومة الجديدة التي ترأستها آنذاك، إليزابيث بورن.
وفي يوليو 2023، خلف جابرييل أتال باب ندياي، في منصب وزير التربية الوطنية، ليصبح بذلك في سن 34 عامًا، أصغر وزير تعليم في تاريخ فرنسا. وكانت لدى أتال آمال كبيرة في إصلاح المنظومة التربوية من خلال إعادة هيكلة المناهج الدراسية ونظام الامتحانات وغيرها من الإجراءات.
وفي بداية عام 2024، تمّ تعيينه في منصب رئيس الوزراء خلفًا لإليزابيث بورن، ليصبح بذلك أصغر رئيس وزراء في تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة، مسجلًا رقمًا قياسيًا جديدًا في مسيرته الاستثنائية.
ملامح شخصيته وتوجهاته السياسية
ينحدر جابرييل أتال من عائلة فنية، فوالده إيف أتال، منتج أفلام سينمائية. وُلد عام 1989 في كلامار بمنطقة أو دو سين الفرنسية، وتخرج في معهد العلوم السياسية في باريس.
يتمتع جابرييل أتال بشخصية قوية وحادة الذكاء، كما أن لديه موهبة في الخطابة وسرعة البديهة، وهي الصفات التي ساعدته على الوصول لمناصب مرموقة في سن مبكرة. كما أن أسلوبه اللاذع في الكلام أكسبه شعبية لدى اليمين الفرنسي ولا سيما نيكولا ساركوزي.
وعلى المستوى الأيديولوجي، يُعرّف جابرييل أتال نفسه بأنه لا ينتمي لليمين ولا اليسار بل يؤمن بسياسات وسطية تجمع بينهما، تمامًا كتوجهات الرئيس ماكرون "اليمين واليسار في آنٍ معًا".
صرح أتال في إحدى المقابلات: "أنا قادم من حزب الاشتراكي، ولكنني لم أنتمِ أبدًا للجناح اليساري داخل الأغلبية الحاكمة، أؤمن بتجاوز الانقسامات الحزبية التي يتيحها إيمانويل ماكرون، إنني أنتمي لهذا الموقع الوسطي".
وهذا التوجه الوسطي سيمثل تحديًا بالنسبة لجابرييل أتال، كرئيس للوزراء، في ظل برلمان منقسم وأغلبية نيابية هشة لحزب "النهضة" الذي ينتمي إليه. إلا أن أتال سبق له التعامل مع هذا السيناريو، خلال عمله مع رئيسة الوزراء السابقة، إليزابيث بورن، التي اضطرت مرارًا لاستخدام المادة 49.3 من الدستور لإقرار مشاريع القوانين في ظل غياب الأغلبية.