الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

وحيد حامد.. الفلاح صاحب الإبداع الممتد جذوره في الأرض

  • مشاركة :
post-title
وحيد حامد

القاهرة الإخبارية - محمود ترك

يُهمَل حق الكثير من المؤلفين وكتاب السيناريو في الشهرة الإعلامية، رغم إبداعاتهم الفنية المميزة، ولا تغادر أسماؤهم الوسط الفني إلى الشهرة الجماهيرية، ويذهب الصيت كله إلى نجوم هذه الأعمال أو إلى مخرجيها أحيانًا أخرى، لكن الكاتب الراحل وحيد حامد يُعد أحد أبرز الناجين من الظلم الإعلامي، إذ كان منجزه الفني دائمًا تحت دائرة الضوء، بالطبع يذهب جزء كبير منه إلى الممثلين أبطال الروايات، فيما يظل الاهتمام بإبداع السيناريست الذي تحل اليوم ذكرى رحيله الثالثة، حاضرًا دائمًا وموضع تقدير، خصوصًا أنه يضع بصمته الخاصة التي كانت دائمًا تتمحور حول الإنسان والأرض.

الرؤية الفنية التي كان يُطعم بها وحيد حامد أعماله الفنية المختلفة، لا تنفصل عن كونه أحد المبدعين القادمين من خارج القاهرة والمرتبطين بالأرض، إذ ولد عام 1944 في إحدى القرى بمحافظة الشرقية، وأثرت هذه النشأة عليه كثيرًا، خصوصًا أنه عاش هناك نحو 16 عامًا، قبل أن تجذبه أضواء القاهرة في أوائل الستينيات من القرن الماضي، ليدرك حالة من الحراك الثقافي والسياسي والاجتماعي ويعاشر بداية تغيرات بمختلف مناحي الحياة، نلحظ أثرها بعد ذلك في إبداعه الفني وكتاباته.

"أنا أصلًا فلاح عشت وعاشرت وتربيت على أخلاق القرية".. هكذا يصف وحيد حامد نشأته في لقاء تليفزيوني، موضحًا أنه في فترة الطفولة والمراهقة، كان يراقب مشاكل الفلاحين وأزماتهم، والمعاناة التي تواجههم في الحياة، مما أثر بشكل كبير على تكوينه النفسي والثقافي قبل أن ينتقل إلى المدينة ويتعرف على أشخاص أكثر ومن مراكز ومحافظات مختلفة، ورغم إبهار المدينة ورؤيته الكهرباء منتشرة بأضوائها في الشوارع، لم يبتعد وحيد حامد عن همه الأكبر وهو التقرب إلى الناس ومعرفة مشاكلهم والغوص في تفاصيلها.

وحيد حامد

النقلة الحضارية في مشواره، كما وصفها الكاتب الراحل من قبل، زاد تأثيرها مع ذهابه إلى شارع عماد الدين بوسط القاهرة، هذه المنطقة المليئة بالمسارح منها الريحاني، تجاورها دور سينما ومكتبات، ليدرك أنه بالفعل أمام حياة مزدهرة تختلف عمّا كان يعيشه في قريته بكفر الشيخ، ويقرر أن يخوض مجال الكتابة.

لم ينتظر وحيد حامد كثيرًا، حتى وجد نفسه يكتب مسلسلات إذاعية في فترة التجنيد، وكانت الإذاعة صاحب فضل كبير عليه، وقدم مسلسلات صنعت له اسمًا وسط الجمهور ومنها "قانون ساكسونيا"، "رجل لهذا الزمان"، "صياد الجواسيس"، "عندما يموت الخوف".

في ظل عمل وحيد حامد لسنوات في الإذاعة، كان النجم عادل إمام يحقق نجاحات متتالية في السينما والمسرح، لكن قدمه لم تطأ الدراما التليفزيونية سوى مرة واحدة بدور ثانٍ مع المخرج محمد فاضل في مسلسل "الرجل والدخان"، وكل منهما يحلم بأن يصل إلى جمهور التليفزيون صاحب الشعبية الأكبر والقادر على إيصالهما إلى مستوى آخر من النجومية، لتلتقي أحلامهما في "أحلام الفتى الطائر" إخراج محمد فاضل أيضا عام 1978 ويحقق الاثنان نجاحًا مدويًا.

عرف الاثنان وقتها أن طريقهما مشترك، ليذهبا إلى السينما بعملين متتاليين هما "انتخبوا الدكتور سليمان عبد الباسط"، و"الإنسان يعيش مرة واحدة"، في بداية الثمانينيات، ليبلغ عدد الأفلام التي جمعتهما معا 10 عناوين، يتصدرها ذات المغزى السياسي والتي شكلت علامة فارقة في تاريخ عادل إمام وقدمته بشكل مُغاير للجمهور ومنها "الإرهاب والكباب"، "طيور الظلام"، "المنسي".

وحيد حامد وعادل إمام

حقق وحيد حامد شهرة كبيرة وذاع صيته في السينما والدراما التليفزيونية، لكنه لم ينسلخ عن حياة الناس، ليقول في أحد حواراته "أنا عايش في الشارع، سواءً في البدايات حين كان وضعي المادي صعبًا، أو بعد الشهرة عندما تحسنت الأمور، أتحدث معهم في الشارع وأشتري احتياجات المنزل بنفسي لأكون قريبًا منهم".

القرب من البسطاء والنشأة في الريف، تظهر آثارهما مع صدق كتابات وحيد حامد عن المجتمع، خصوصًا مع اهتمامه بالكثير من التفاصيل والبحث الدائم عن المعلومات الموثقة، سواءً بالقراءة في موضوع عمله الفني الذي بصدده، أو بتجاذب أطراف الحديث وسؤال المختصين، الأمر الذي يفسر سبب نجاح أعماله الفنية وجرأتها في التناول أيضًا من منطلق الثقة في أن كتاباته ليست عن مزاج شخصي بل وفق معلومات وواقع يعيشه.

مسلسل "الجماعة"

نجد ذلك الأثر واضحًا في مسلسلات منها "العائلة" الصادر عام 1994 من بطولة ليلى علوي ومحمود مرسي وعبد المنعم مدبولي، الذي واجه بجرأة الأفكار المتطرفة، وتأثير الفقر على الشباب ومخاطر أن يؤدي إلى اتباعهم أفكارًا غريبة، فهو لم يكن يلقي باللائمة على شخص أو جهة، بل تأتي كتاباته من منطلق وعي مجتمعي وإدراك للعلاقات الاجتماعية، وخلاصة تفاعل مختلف طبقات المجتمع، الأمر الذي واصله في الجزأين الأول والثاني من مسلسل "الجماعة".

رحل وحيد حامد عن عالمنا يوم 2 يناير 2022، قبل أن يكتب الجزء الثالث من مسلسل الجماعة، وقبل أن يعيد يحيى الفخراني إلى السينما بفيلم "الصحبة حلوة"، لتنتهي رحلة الكاتب الفنية بعد مشوار من الإبداع استحق عنه تكريمًا خاصً من مهرجان القاهرة السينمائي قبل رحيله بعامين.