كم من راية بيضاء رُفعت في غزة لطخها جيش الاحتلال بدماء الغدر والعدوان، فحين تتخذ يد الجند المرتعشة قرارًا بالاغتيال لن تفرّق بين مدني عدو كان أو صديق، وحدها الراية البيضاء كفيلة بوقف الزناد في قانون الحروب الدولي، إلا أن أحدث إخفاقات الاحتلال تدحض مزاعمه حول الالتزام به في حرب غزة.
والراية البيضاء، تُرفع في الحروب كدلالة على الاستسلام، وهو أمر معترف به دوليًا حسب اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و1907.
على عاتق إسرائيل
بينما عدّه من بين أكثر الأحداث مأساوية التي عرفها على الإطلاق؛ اعترف قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمسؤولية عما وصفه بـ"القتل العرضي" لثلاثة من محتجزيه لدى حماس، في أعقاب محاولاتهم الهرب من أسر المقاومة في غزة.
قال رئيس أركان جيش الاحتلال، هرتسي هليفي، تعليقًا على الحادث الذي وصفه بـ"حدث صعب ومؤلم"، إن: "الجيش الإسرائيلي، وأنا قائده، مسؤولون عما حدث، وسنفعل كل شيء لمنع تكرار مثل هذه الحالات خلال استمرار القتال"، بحسب ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".
خاطبوهم على قدر "أخلاقهم"
بينما انتشرت صور لجيش الاحتلال وهو يقتاد فلسطينيين "شبه عراة" متزرعًا بأنها وسيلته للتفتيش والتأكد من عدم حملهم أسلحة أو عبوات ناسفة، على ما يبدو، حاول ثلاثة إسرائيليين -هربوا من أسر حماس- أن يأمنوا قتلهم على يد جنود إسرائيليين لدى ظهورهم حاملين الراية البيضاء، في حي الشجاعية، وخرجوا عليهم "عراة الصدور" في إشارة لعدم حملهم أي تهديد، وصرخوا طلبًا للمساعدة باللغة العبرية، لكن الجنود ومع ذلك فتحوا عليهم النار قبل أن يكتشفوا هوياتهم.
والقتلى هم "يوتام حاييم وسمر تالالكا وألون شامريز"، ثلاثة من المحتجزين لدى حركة حماس منذ أحداث 7 أكتوبر في غزة.
وقال رئيس أركان الاحتلال، في إفادة بالفيديو اليوم، واصفًا محاولاتهم للنجاة: "لقد فعل الرهائن الثلاثة كل شيء حتى نتمكن من فهم الأمر. لقد تحركوا بدون قمصان حتى لا نشتبه في أنهم يحملون قنبلة على أجسادهم، وحملوا قطعة قماش بيضاء حتى نفهم"، بحسب ما نقلت "تايمز أوف إسرائيل".
قتل مخالف للقواعد!
وأدعى قائد جيش الاحتلال الإسرائيلي، أن الجنود الذين أطلقوا النار "فعلوا ذلك بشكل مخالف للقواعد التي تمنعهم من إطلاق النار على شخص يحمل علمًا أبيض يحاول الاستسلام".
وعلى ذكر القواعد، يدحض هذا الحادث "الرواية الإسرائيلية" المتكررة بشكل مستمر في وجه نداءات المجتمع الدولي، والمنظمات الأممية، حول التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني في حربها على غزة.
قال الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج، خلال لقاء جمعه بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، نهاية أكتوبر المنصرم، مدعيًا أن "إسرائيل تحترمُ القوانين الدولية، وتدرك أهمية السلام".
رايات بيضاء لطختها دماء الغدر
وقبل أسبوع، رصدت وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية (وفا)، صورًا لفلسطينيين قالت إنهم "عراة يجلسون أرضًا وأيديهم فوق رؤوسهم تحت فوهات بنادق الاحتلال"، وأخرى لفلسطينيين قالت إنهم "مدنيون تعرضوا للقتل رغم أنهم كانوا يرفعون الراية البيضاء".
ورصدت وسائل إعلام عربية ودولية عدة يجوبون الشوارع، حيث "لا مكان آمن في غزة" وفق تقدير الأمم المتحدة، فرادى وعائلات يرفعون الرايات البيضاء، نجا منهم من نجا حتى اللحظة، وآخرون افترشت جثامينهم وفي آشلاء بعضهم في حالات أخرى إثر غارات إسرائيلية متواصلة ليلًا مع نهار، إضافة لتصرفات "متطرفة" من جنود الاحتلال خلال عمليات التوغل البري وسط بلدات القطاع.
تعقيدات الحرب في غزة
وبالعودة لمن قُتلوا بنيران صديقة، تذرّع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، أمام مقتل ثلاثتهم بـ"صعوبة قتال" حماس، في منطقة حضرية كثيفة بالسكان، وألقى باللوم في النتيجة على "أخطاء جسيمة".
قال: "عليكم أن تفهموا الظروف والبيئة التي يعمل فيها جنودنا"، واصفًا الشجاعية بأنها مكان يمكن أن "يتم تفخيخ الألعاب فيه والقوات تحت تهديد مستمر بالكمائن".
أيّده رئيس أركان جيش الاحتلال، ووصف وضع الحرب مع حماس قائلًا: "في لحظة واحدة، تم الكشف عن مدى تعقيد حربنا العادلة في غزة".
وبينما تحجج بأن الحادث وقع "أثناء القتال وتحت ضغط" حاول "هاليفي" تقريب الصورة قائلًا: "أحاول أن أضع نفسي في رأس الجندي في الشجاعية، بعد أيام من القتال العنيف، والمواجهات القريبة، واللقاءات مع (المسلحين) الذين يرتدون ملابس مدنية، والذين يصلون بطرق خادعة مختلفة".
ومرارًا وصف مسؤولون وجنود إسرائيليون حربهم مع عناصر حماس بأنها أشبه بمحاربة "الأشباح"، ووصف أحد الجنود في تقارير نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية بينها "إسرائيل 24"، إنهم لا يرون أي مقاومة في شوارع غزة، و"فجأة يخرج عناصر حماس من تحت الأرض كالأشباح ويقنصون عددًا منا ويدمرون آلياتنا".