على مدار أيام من الشد والجذب، أعلن الاتحاد الأوروبي أمس، الجمعة، عن موافقة أعضائه لوضع حد لسعر النفط الروسي تقدر بـ 60 دولارًا للبرميل فقط، في خطوة جديدة من الغرب لتقييد موسكو مرة أخرى بسبب حربها على أوكرانيا.
وجاءت موافقة الاتحاد الأوروبي، بعد اعتراض بعض من أعضائه لهذه الخطوة، كان آخرها بولندا التي أعلنت رفضها للقرار سابقًا، إلا أنها تراجعت عن موقفها أثناء الاجتماع الأخير، أمس الجمعة، والذي يسمح للاتحاد الأوروبي بتحديد سقف لأسعار النفط الروسي المنقول بحرًا.
وذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" أن تمرير هذا القرار كان يلزم موافقة جميع أعضاء الاتحاد الـ27، حيث أعلنت الدول الأعضاء وضع حد أقصى قدره 60 دولارًا على المشتريات العالمية من النفط الروسي.
ومن المتوقع أن يدخل القرار حيز التنفيذ يوم الاثنين المقبل (5 ديسمبر) حيث عملت دول الاتحاد الأوروبي على تحديد السعر المخفض الذي ستضطر دول أخرى إلى سداده عندما يدخل حيز التنفيذ حظر أوروبي على النفط الروسي المشحون بحرًا ويحول دون ضمان تلك الإمدادات.
وتهدف الخطوة إلى منع خسارة العالم بشكل مفاجئ للنفط الروسي، ما قد يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار الطاقة.
توافق غربي
وردًا على القرار الغربي، قال الكرملين إن موسكو "لن تقبل" فرض حد أقصى لأسعار نفطها، وإنها تدرس كيفية الرد على اتفاق بين القوى الغربية للحد من مصدر رئيسي لتمويل حربها في أوكرانيا.
الا أن دول الاتحاد أعلنت ترحيبها بهذا القرار، وقالت الرئاسة التشيكية لمجلس الاتحاد الأوروبي، من خلال تغريدة على صفحة الاتحاد بموقع "تويتر": "يظل الاتحاد الأوروبي موحدًا ومتضامنًا مع أوكرانيا"، موضحة أن القرار سيدخل حيز التنفيذ بمجرد نشره في الجريدة الرسمية.
كما أعلن البيت الأبيض "ترحيبه" بالاتفاق، وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "ما زلنا نعتقد أن تحديد سقف للسعر سيحد من قدرة (فلاديمير) بوتين على الاستفادة من سوق النفط لمواصلة تمويل آلة الحرب التي تستمر في قتل الأوكرانيين الأبرياء".
كما أوضح أندريه سادوس، سفير بولندا لدى الاتحاد الأوروبي، إن بلاده وافقت على قرار الاتحاد، ما يمسح للتكتل بالمضي قُدما في قراره، والذي يهدف إلى تقليل واردات موسكو النفطية، والتي قد تستخدمها في تمويل العمليات ضد أوكرانيا.
وأيدت وارسو آلية لفحص الأسعار، تسمح بإبقاء الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي أقل بنسبة 5% من أسعار السوق، بحسب سادوس.
كما أكد أن اتحاد القارة العجوز يمكنه إصدار الموافقة المكتوبة على القرار، على أن يتم الإعلان عنه رسميًا غدًا الأحد.
آلية الاتفاق الأوروبي
ووفق الاتفاق المبرم، فإن دول مجموعة السبع تقدم خدمات التأمين لنحو 90% من الشحنات العالمية للنفط، حيث تقع معظم شركات التأمين في الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، كما يعتبر الاتحاد الأوروبي جهة رئيسية في الشحن البحري، مما يؤمن قوة ردع للشحنات القادمة من روسيا، لكنه أيضًا قد يؤدي إلى خطر خسارة أسواق النفط الكبرى لصالح منافسين جدد.
ووفق تقرير لشبكة ABC News الأمريكية، أوضح أنه لن تتمكن شركات التأمين والمؤسسات الأخرى المعنية بشحن النفط من التعامل مع الخام الروسي إذا لم يتم تسعير النفط وفق السقف الأقصى أو أقل منه.
يذكر أن سعر النفط الروسي (خام الأورال) حاليا نحو 65 دولارًا للبرميل، وهو بالكاد أعلى من السقف الأوروبي، لذلك سيكون تأثير الإجراء الأوروبي محدودًا على الأمد القصير.
ووفق تقرير الشبكة الأمريكية، فإن الوثيقة التي اقترحتها المفوضية الأوروبية، تنص على إضافة هامش محدد بـ5% أقل من سعر السوق في حال انخفض سعر النفط الروسي إلى ما دون عتبة 60 دولارًا.
وينبغي أن يبقى السعر على أي حال أعلى من تكاليف الإنتاج لتشجيع روسيا على مواصلة تسليم الشحنات وعدم وقف الإنتاج.
كيف يؤثر هذا القرار على روسيا؟
وفق تقرير لشبكة ABC News قال تاجليابيترا، الخبير في الطاقة، إن وضع الحد الأقصى لسعر النفط الروسي عند 60 دولارًا للبرميل لا يعتبر "رقمًا مرضيًا" أو مؤثرًا بشكل كبير على موسكو، لكنه سيمنع الكرملين من الربح إذا ارتفعت أسعار النفط بصورة مفاجئة عن الحد الأقصى.
وأضاف الخبير في الطاقة: "قد يتم تخفيض الحد الأقصى بمرور الوقت إذا أردنا زيادة الضغط على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين".
وتنقل الشبكة عن محللين في بنك "كومرتس" أوضحوا أن الحظر والسقف الذي فرضه الاتحاد الأوروبي معًا قد يؤدي إلى "تشديد ملحوظ في سوق النفط أوائل عام 2023".
من جهه أخرى، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن القانون الغربي لا يهدف إلى منع بيع النفط الروسي، بل يسعى إلى السماح لروسيا بالاستمرار في بيع النفط، ولكن بمردود مالي أقل.
وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن هذا الشأن سيؤثر بشكل واضح على العرض العالمي، وقد يدفع إلى ارتفاع أسعار السلع في وقت يرتفع فيه التضخم العالمي بالفعل. كما سيكون تأثير هذا القرار قويًا بصورة كبيرة على دول أخرى مثل الهند وتركيا -المشترين الرئيسيين للخام الروسي- والتي يأمل الغرب في الاستفادة من دعمه لمواصلة الضغط على موسكو، بحسب تقرير الصحيفة.
ومع ذلك توضح "نيويورك تايمز" أن سعر البرميل البالغ 60 دولارًا يعتبر بمثابة خيبة أمل لبعض الدول الأوروبية، بما في ذلك الدول الأكثر تشددًا المؤيدة لأوكرانيا مثل بولندا، التي أرادت أن ترى الكرملين يخسر إيرادات أكبر بكثير من مبيعاته النفطية.
ومع تقدير تكاليف إنتاج النفط الروسي بنحو 20 دولارًا للبرميل – وتداول سعر النفط الروسي بين 60 إلى 100 دولار للبرميل في السنوات الثلاث الماضية – لا يزال السعر المتفق عليه يسمح لموسكو بجني أرباح كبيرة، بحسب الصحيفة.
يذكر أنه اعتبارًا من الاثنين المقبل، يدخل الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على شراء النفط الروسي من طريق البحر حيز التنفيذ ما يخفض ثلثي مشترياته من الخام الروسي.
من جهه أخرى، نقلت مجلة "فورين بوليسي" عن مراقبين يرون أن الهند والصين وتركيا والعديد من البلدان الأخرى لن توافق أبدًا على سقف الأسعار، لكن مع ذلك تقول المجلة الأمريكية إن هدف الدول غير المشاركة هو الحصول على أقل سعر لشراء النفط، وأن سقف الأسعار سيمنحهم نفوذًا إضافيًا في مفاوضاتهم مع روسيا.
ويفترض أن يمنع نظام الاتحاد الأوروبي الشركات من تقديم خدمات تسمح بالنقل البحري (الشحن والتأمين وغيرهما) للنفط الروسي بما يتجاوز الحد الأقصى البالغ 60 دولارًا، من أجل الحد من الإيرادات التي تجنيها موسكو من عمليات التسليم إلى الدول التي لا تفرض حظرًا مثل الصين أو الهند.
وسيعزز هذا الإجراء فاعلية الحظر الأوروبي الذي يأتي بعد أشهر من الحظر الذي قررته من قبل الولايات المتحدة وكندا.
وتعتبر روسيا هي ثاني أكبر مصدّر للنفط الخام في العالم. وبدون تحديد هذا السقف سيكون من السهل جدًا وصولها إلى مشترين جدد بأسعار السوق.