انتهيت من تصوير مسلسل "في الداخل" وحققت اسما ومكانة على مدار نصف قرن
تجربتي النقابية مرهقة وحقوق الفنانين قضيتي وأمانتي
دمّرت الحرب بنيان الدراما اللبنانية
ما يحدث في فلسطين جريمة غير مسبوقة في حقّ الإنسانيّة
على مدار أكثر من نصف قرن حفر الفنان اللبناني جان قسيس، اسمًا بارزًا على الساحة اللبنانية، والذي جمع بين عدة مواهب ما بين التمثيل والتدريس الأكاديمي والإخراج والتأليف والشعر والعمل الإداري من خلال توليه رئاسة نقابة الممثلين اللبنانيين، فشخصيته القوية ساعدته في إحداث توازن بين هذه المهام الكثيرة.
يقلب جان قسيس بين صفحات حياته ومسيرته التي امتدت لعقود طويلة من العطاء، محققًا اسمًا ومكانةً مرموقة في المجتمع الفنّي، ليؤكد في حواره مع " القاهرة الإخبارية"، أنه انتهى مؤخرًا من تصوير مشاهده في مسلسل معرب تركي الأصل، كما كشف عن اتجاهه لكتابة سيرته الذاتية في رواية، وتطرق لتجربته في العمل النقابي والتي قال عنها: "تجربتي النقابيّة كانت مرهقة بقدر ما كانت ممتعة ومثمرة، اعتبرت النقابة وحقوق المنتسبين إليها من الفنّانين قضيّتي وأمانتي".
وأكد أن الفنّ المصريّ بعراقته وتاريخه أرسى مناخًا خاصًّا في الفنّ العربي عمومًا، كما تحدث عن القضية الفلسطينية وما يحدث من إبادة لسكان قطاع غزة، وغيرها من التفاصيل في هذا الحوار:
حدثنا عن أعمالك الجديدة أو التي تنتظر عرضها؟
انتهيت من تصوير مسلسل "في الداخل"، وهو النسخة العربيّة لمسلسل تركي في الأصل، والذي يصوّر حاليا في تركيا. وكنت قد أنهيت تصوير دوري قبل أشهر قليلة، بينما يستمرّ تصوير باقي المسلسل، وأنا بشكل عام مقل في أعمالي في هذه الفترة، وأنتظر العرض المناسب، أنا موجود على الساحة التلفزيونيّة منذ حوالي نصف قرن وأعمالي تشهد، وبطبعي لا أستجدي عملًا من أحد ولا أطرق أبواب المنتجين.
قدمت الكثير من الأعمال الفنية على مدار سنوات طويلة، كيف ترى مسيرتك الفنية بعد هذا العطاء الكبير للساحة اللبنانية؟
كانت رحلة حافلة، ما بين المسرح والتلفزيون والإذاعة، قدّمت الكثير من الأعمال، إضافةً إلى مشاركات قليلة في السينما، هذه الأعمال حقّقت لي على مدى السنوات الطويلة اسمًا ومكانةً مرموقين في المجتمع الفنّي.
مسيرتي بدأت في المسرح قبل أكثر من خمسين عامّا، وقبل أن أنتسب إلى كلّيّة الفنون في الجامعة اللبنانيّة وأنال دبلوم الدراسات العليا في التمثيل ثم الماجستير في الفنّ وعلوم الفنّ ثمّ شهادة الدكتوراه في نفس التخصص، أنا مصنّف بين ممثّلي الصفّ الأوّل، ولكني لست نجمًا في المفهوم السائد للنجوميّة منذ سنوات، في المسرح أدّيت الكثير من أدوار البطولة الأولى، أمّا في التلفزيون فأدواري كانت مهمّة وبارزة لكنّها لم تصل إلى البطولة المطلقة. لذلك أعتبر أنّني إلى الآن لم أحصل على فرصتي التي أستحقّها.
في فترة صعبة ترأست نقابة الممثلين اللبنانية لمدة 8 سنوات، فكيف تقيم تجربتك بها؟
تجربتي النقابيّة كانت مرهقة بقدر ما كانت ممتعة ومثمرة، اعتبرت النقابة وحقوق المنتسبين إليها من الفنّانين قضيّتي وأمانتي، كذلك حين تسلّمت رئاسة مجلس الإدارة في صندوق التعاضد الموحّد للفنّانين اللبنانيّين الذي يضمّ ثماني نقابات فنّيّة من ضمنها النقابة التي كنت أرأسها وهي أقدم النقابات الفنّيّة في العالم العربيّ والتي تأسّست عام 1948، المشكلة في لبنان أن الدولة لم تمنح الفنّانين القانون المهنيّ المتكامل الذي يتيح لهم تنظيم أمورهم كما يجب. عام 2008 صدر قانون تنظيم المهن الفنّيّة، لكنّه لم يكن على مستوى أحلام الفنّان اللبناني وطموحاته. لذلك يبقى العمل النقابيّ تحديًّا ومواجهة دائمة مع السلطة.
حدثنا عن وضع الدراما اللبنانية حاليًا؟
الدراما اللبنانيّة التي بلغت عصرها الذهب في ستينيّات وسبعينيّات القرن الماضي دمّرت بنيانها الحرب الأليمة التي عصفت بلبنان لسنوات. ولم تستطع هذه الدراما أن تستعيد مكانتها بعد الحرب لأسباب عديدة أهمّها عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي المسيطر منذ زمن، ما يمنع المنتجين اللبنانيّين من المغامرة بإنتاجاتٍ مميّزة، أنا أتحدّث هنا عن الدراما اللبنانيّة البحتة. أمّا إنتاجات شركتي "الصبّاح" و"إيغل فيلم" اللبنانيّتين فإنتاجاتهما الدراميّة تصنّف عربيّةً أكثر من كونها لبنانيّة.
تجمع بين عدة مواهب منها الشعر، بجانب عملك أيضًا في التأليف والإخراج والتدريس الجامعي، فحدثنا عن ذلك؟
الشعر بالنسبة لي عالم آخر مختلف، هو الملاذ الذي ألجأ إليه هربًا من قسوة الزمن والمعاناة التي نعيشها يوميًّا، وقد أصدرت حتى الآن أربعة دواوين شعريّة بالإضافة إلى كتابٍ عن فنّاننا الشعبيّ الكبير صلاح تيزاني "أبو سليم"، وهو كناية عن بحثٍ أكاديميٍّ عن "الكوميديا ديللّارتي" وتلاقي أسلوب "صلاح تيزاني" الكوميديّ معها وهو الذي لم يدركها يومًا ولم يعرف عنها شيئًا.
وبالنسبة إلى التدريس الجامعيّ فقد تركته قبل خمس سنوات لبلوغي سنّ التقاعد، لكنّي ما زلت أعيش أجواء التدريس من خلال دورات في إعداد الممّثل أشارك فيها من وقتٍ إلى آخر.
كيف ترى وضع السينما اللبنانية الآن؟
ظروف السينما اللبنانيّة لا تختلف عن ظروف الدراما. لكنّنا شهدنا في السنوات الأخيرة محاولات سينمائيّة جيّدة.
هل لديك محاذير في أعمالك؟
بالنسبة لموضوع المحاذير يختلف الأمر عندي ما بين السينما والدراما، فالسينما لا حدود لمداها ومتاحٌ لها أن تقدّم أيّ شيءٍ بدون قيود طالما أنّ جمهورها يأتي إليها طوعًا، في حين أنّ التلفزيون يدخل على بيوتنا عنوةً، فبالتالي ينبغي أن تكون ثمّة ضوابط تحدّد الأطر السليمة لصناعة الدراما تراعي التزامات مجتمعنا العربي والمشرقي.
هل لديك نية لتقديم سيرتك الذاتية في عمل فني؟
لا أدري ماذا يهم الناس من سيرتي رغم أنّها حافلةٌ بالكثير من الكفاح والأحداث والمشاعر، لديّ توجّه في كتابة روايةٍ عن سيرتي الذاتيّة وأترك للزمن والظروف أن تقرّر ما إذا كانت هذه السيرة تصلح لتقدّم كعملٍ دراميّ.
ما رأيك في الدور الذي لعبه الفن المصري على الساحة العربية؟
الفنّ المصريّ بعراقته وتاريخه أرسى حتمًا مناخًا خاصًّا في الفنّ العربي عمومًا، خصوصًا أنّ السينما المصرّية تحديدًا كان لها الدور الأوّل في هذا الإطار، وتأثّرت الإنتاجات المصريّة بالموجة التجاريّة التي سيطرت على الفنّ العربيّ عمومًا. لقد بتنا في حاجة إلى إعادة النظر في معاييرنا الفنّيّة وإعطاء الفنّ العربيّ مجدّدًا قيمته الحقيقيّة التي تليق بتاريخه.
تزامن أمس الأربعاء 29 نوفمبر، الاحتفال اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، كيف ترى ما يحدث ضد سكان قطاع غزة؟
ما حدث ويحدث في فلسطين جريمة غير مسبوقة في حقّ الإنسانيّة أوّلًا وفي حقّ الشعب الفلسطيني المقاوم الذي ما انفكّ يطالب بأرضه وحرّيّته وكرامته، إنّ المجازر التي ارتكبتها إسرائيل في حرب غزّة مؤخّرًا والدمار الذي أحدثته تفوق بهمجيّتها ووحشيّتها كلّ وصفٍ وكلّ تصوّر، ولكن يلفتني تمرّد الكثير من شعوب العالم على حكوماتهم وحكّامهم ودعمهم للنضال الفلسطينيّ خلافًا لما كنّا نشهده سابقًا في هذا الإطار.