بينما يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة المُحاصر، لليوم الـ45 على التوالي، خطف الحوثيون في اليمن سفينة تجارية مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي في البحر الأحمر، في تصعيد جديد يهدد طريقًا ملاحيًا مهمًا تمر عبره 10% من التجارة العالمية سنويًا، ويعزز المخاوف من اتساع رقعة الحرب خارج غزة، وهو الأمر الذي تسعى الولايات المتحدة لمنع حدوثه.
وكانت جماعة الحوثي في اليمن هددت في وقت سابق أمس الأحد، بأنها ستستهدف جميع السفن التي تحمل العلم الإسرائيلي أو السفن التي تشغلها شركات إسرائيلية، أو تعود ملكيتها لشركات إسرائيلية، ردًا على التصعيد العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة.
إسرائيل تتهم إيران
اعتبر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الاحتجاز بمثابة "هجوم إيراني على سفينة دولية"، مُتهمًا الحوثيين بالقيام بالعملية بناء على "تعليمات إيرانية".
من جهتها، رفضت إيران الاتهامات الإسرائيلية بالضلوع في العملية، واعتبر ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن هذه الاتهامات فارغة وتنجم عن الظروف المعقدة التي يواجهها الكيان الصهيوني.
ومنذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وفصائل المقاومة قبل أكثر من شهر، أطلق الحوثيون سلسلة هجمات بالصواريخ والمسيّرات من اليمن نحو جنوب إسرائيل تضامنًا مع الفلسطينيين في غزة.
الحوثيون يعلنون المسؤولية عن اختطاف السفينة
تضمن بيان للمتحدث العسكري للحوثيين العميد يحيى سريع، نشره، أمس الأحد، على منصة إكس "تويتر سابقًا"، "نفذت القوات البحرية في القوات المسلحة اليمنية عملية عسكرية في البحر الأحمر كان من نتائجها الاستيلاء على سفينة إسرائيلية واقتيادُها إلى الساحل اليمني".
وذكرت وكالة "فرانس برس" نقلًا عن مصدر ملاحي في ميناء الحديدة، الذي يسيطر عليه الحوثيون، اشترط عدم كشف هويته، إن الحوثيين خطفوا سفينة تجارية في البحر الأحمر ونقلوها إلى ميناء الصليف بالحديدة".
سفينة "جالاكسي ليدر"
بحسب موقع "مارين ترافيك" المتخصص في رصد حركة الملاحة، فإن سفينة "جالاكسي ليدر" هي حاملة مركبات بُنيت عام 2002 وترفع علم جزر بهاماس. وغادرت كورفيز في تركيا، وكانت في طريقها إلى بيبافاف بالهند، عندما انقطع الاتصال بها، أمس الأول السبت، وهي تبحر في البحر الأحمر قبالة اليمن.
وقالت إسرائيل لاحقًا إن جماعة الحوثي اليمنية احتجزت سفينة شحن مملوكة لبريطانيين ويديرها يابانيون في جنوب البحر الأحمر، واصفة الحادث بأنه "عمل إرهابي إيراني" ستكون له تداعيات على الأمن البحري الدولي.
وفي وقت سابق، نفى جيش الاحتلال أن تكون السفينة التي احتُجزت إسرائيلية، وقال إنها "غادرت تركيا في طريقها إلى الهند وأفراد طاقمها مدنيون من جنسيات مختلفة وليس بينهم إسرائيليون. إنها ليست سفينة إسرائيلية".
لكن شركة "أمبري" للأمن البحري أكدت أن "المجموعة المالكة لحاملة المركبات مسجّلة باسم "راي كار كاريرز" والشركة الأم لهذه المجموعة مدرجة باسم أبراهام رامي أونجار، ومقرها إسرائيل".
وحسب ما ذكرت وكالة فرانس برس، سبق أن تعرضت سفينة "تجسسية" يملكها أونجار - رجل أعمال إسرائيلي - فبراير 2021، لاستهداف من جانب "محور المقاومة" في خليج عمان، وفق ما أفادت حينها صحيفة "كيهان" الإيرانية المحافظة.
من جانبها، أوضحت مجلة "ترايدويندز" المتخصصة في أخبار السفن، على موقعها الإلكتروني أن حاملة المركبات "مملوكة ومُدارة من قِبل شركة راي كار كاريرز - شركة بريطانية - تشغّلها مجموعة "إن واي كاي" اليابانية.
وأفادت وكالة أنباء يابانية بأن شركة "إن واي كاي" أبلغت وزارة النقل أن السفينة "جالاكسي ليدر" احتُجزت.
ونددت الحكومة اليابانية "بشدة" استيلاء الحوثيين على السفينة، وقال هيروكازو ماتسونو، المتحدث باسم الحكومة اليابانية: "تلقينا أمس الأحد معلومات تفيد بأن الحوثيين استولوا على حاملة المركبات جالاكسي ليدر التي تديرها شركة نيبون يوسن عندما كانت تبحر جنوبًا في البحر الأحمر قبالة اليمن"، مضيفًا "الحكومة تدين بشدة عملًا كهذا".
وقال مسؤول عسكري أمريكي من جهته، إن "استيلاء المسلحين الحوثيين على سفينة جالاكسي ليدر في البحر الأحمر يعد انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. ونطالب بالإفراج الفوري عن السفينة وطاقمها". مضيفًا "سنتشاور مع حلفائنا وشركائنا في الأمم المتحدة بشأن الخطوات التالية المناسبة".
وقال محمد الباشا، كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة "نافانتي" الاستشارية الأمريكية: "قد يكون تأكيد فشل ثماني عمليات نفذها الحوثيون عبر الصواريخ والمسيّرات من اليمن في إصابة أهداف داخل إسرائيل، قد أثّر على قرار إعادة التركيز على ساحة البحر الأحمر".
ارتفاع أسعار النفط
وأثار احتجاز سفينة الشحن من قِبل الحوثيبن في اليمن، مخاوف من ارتفاع أسعار النفط عند فتح الأسواق، حسبما أفادت وكالة "رويترز".
وذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية في تقرير لها، اليوم الأحد، أن اختطاف السفينة عبر أحد أهم المعابر البحرية في العالم من شأنه أن يزيد كلفة التأمين على الشحن البحري، في منطقة حيوية للتجارة العالمية.
وأضافت الصحيفة أن ارتفاع الأسعار يرتبط بشكل مباشر بكيفية تطور الأمور في الساعات المقبلة، وفقًا لأندريه كوفاتاريو، المؤسس المشارك لشركة الأبحاث "ECERA"، الذي رأى أنه إذا كانت هذه بداية للتصعيد، فسنرى قفزة كبيرة في الأسعار، وأن المنطقة ستشهد ارتفاعًا في أسعار التأمين على الشحن البحري، خصوصًا شحنات النفط التي تمر عبر هذه المناطق.
وأضاف أن أي اضطراب من هذا النوع، خاصة خلال فترة تتسم بالمخاطر الجيوسياسية المتزايدة يمكن أن يرسل إشارة صعودية إلى الأسواق.
احتمال التصعيد المباشر بين إسرائيل وإيران
ولفتت "الجارديان" إلى أنه على الرغم من أن جماعة الحوثي في اليمن هي من احتجزت السفينة، فإن إسرائيل سارعت إلى اتهام إيران، واعتبر "نتنياهو" في بيان، الحادث "تصعيدًا في عدوان إيران، وله تداعيات دولية على أمن مسارات الشحن العالمية"، وهو ما فاقم مخاوف حدوث تطورات، رغم نفي طهران وقوفها وراء حادث اختطاف السفينة.
وحذرت الولايات المتحدة من امتداد الحرب على غزة، إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا، التي تضم جماعات مسلحة قوية تدعمها طهران؛ ما يحوّلها بشكل أساسي إلى حرب بالوكالة بين إسرائيل وإيران، وينطوي اختطاف السفينة على احتمال تصعيد مباشر بين هذين العدوين الإقليميين.
وفي السيناريو الأكثر حدة فإن أسعار النفط قد تقفز إلى 150 دولارًا للبرميل، ومن الممكن أن يتراجع النمو العالمي إلى 1.7%، وهو ما يمكن أن يقتطع نحو تريليون دولار من الناتج الاقتصادي العالمي.