بوجه آخر لا يقل قبحًا تعود أساليب "المكارثية الأمريكية" إلى القرن الواحد والعشرين، لكن هذه المرة تحت اسم "معاداة السامية" لا "الشيوعية" كما كانت في القرن المنصرم، لتتوالى عمليات الاضطهاد وتنال في أحدث حلقاتها من السياسيين وكل صوت عاقل يدعو لوضع شرط على الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها ضد غزة.
قبل سبعين عامًا كان السؤال "هل أنت شيوعي؟" وسيلة اضطهاد تعود لواحدة من أكثر الأساليب الأمريكية قبحًا، للتضييق والاضطهاد على الأمريكيين بسبب أفكارهم السياسية، كان وراءها عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية وينكسون حينها جوزيف مكارثي، واليوم بات الاتهام بـ"معاداة السامية" هو الأكثر شيوعًا لإخراس أصوات المخالفين للاتجاه الأمريكي ذي الطريق الواحد نحو إبادة شعب فلسطين بأكمله.
توبيخ رشيدة
صوّت الكونجرس الأمريكي، بأغلبية جمهورية، يوم الأربعاء، لصالح توجيه اللوم إلى النائبة الأمريكية الفلسطينية الوحيدة، بسبب تعليقات أدلت بها بشأن الحرب بين إسرائيل وغزة.
وفي تصويت دراماتيكي، تمت الموافقة على الإجراء بأغلبية 234 صوتًا مقابل 188 صوتًا. وصوت اثنان وعشرون ديمقراطيًا لصالح توبيخ وتوجيه اللوم للنائبة الديمقراطية عن ولاية ميشيغان رشيدة طليب، في عقوبة أقل بخطوة من طردها من مجلس النواب.
وتعرضت طليب، للتوبيخ بسبب دفاعها عن هتاف "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر". وأدانها القرار رسميًا لدعوتها إلى "تدمير دولة إسرائيل".
I am the only Palestinian American serving in Congress, and my perspective is needed here now more than ever. I will not be silenced and I will not let anyone distort my words.
— Congresswoman Rashida Tlaib (@RepRashida) November 7, 2023
I’m from Detroit, where I learned to speak truth to power, even if my voice shakes. pic.twitter.com/bXhGPCcKat
ماذا فعلت؟
ونشرت طليب مقطع فيديو على (X)- تويتر سابقًا، يوم الجمعة، يتضمن مقطعًا لمتظاهرين يستخدمون الهتاف الذي يقول منتقدوه إنه يدعو للسيطرة الفلسطينية على جميع الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك إسرائيل. واتهمت الرئيس الأمريكي جو بايدن بدعم الإبادة الجماعية في غزة، وهددت بأنه سيفقد دعم الأمريكيين العرب والمسلمين في انتخابات عام 2024 – ما أثار إدانة واسعة النطاق من قبل الجمهوريين والعديد من الديمقراطيين.
وتقول الجماعات اليهودية إن الشعار المستخدم في الاحتجاجات حول العالم هو دعوة لتدمير إسرائيل. فيما دافعت "طليب" عن استخدامها للشعار، ووصفته بأنه "دعوة طموحة للحرية وحقوق الإنسان والتعايش السلمي، وليس الموت أو الدمار أو الكراهية".
وقدم النائب الجمهوري ريتش ماكورميك، عن ولاية جورجيا، قرارًا يوم الاثنين، يتهم طليب "بالدعوة إلى تدمير دولة إسرائيل والترويج بشكل خطير لروايات كاذبة" حول هجوم حماس على إسرائيل.
طليب ترفض تشويه خطابها
وبعد التصويت، بدت طليب غير نادمة على خطابها، وقالت طليب لمجلس النواب إن تصريحاتها كانت موجهة للحكومة الإسرائيلية.
وقالت: "لن أسكت ولن أسمح لك بتشويه كلامي". "لا توجد حكومة فوق النقد. إن فكرة أن يكون انتقاد حكومة إسرائيل هو معاداة للسامية تشكل سابقة خطيرة للغاية، وقد تم استخدامها لإسكات الأصوات المتنوعة التي تدافع عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء أمتنا".
أضافت "لا أستطيع أن أصدق أنني يجب أن أقول هذا، لكن الشعب الفلسطيني لا يمكن التخلص منه. نحن بشر، مثل أي شخص آخر".
تابعت: "إن صرخات الأطفال الفلسطينيين والإسرائيليين لا تختلف بالنسبة لي. ما لا أفهمه هو لماذا تبدو صرخات الفلسطينيين مختلفة بالنسبة لكم جميعًا. لا يمكننا أن نفقد إنسانيتنا المشتركة، سيدي الرئيس. إنني أسمع أصوات المدافعين عن السلام في إسرائيل وفلسطين في جميع أنحاء أمريكا وفي جميع أنحاء العالم".
وجراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ردًا على هجوم الفصائل الفلسطينية المباغت في 7 أكتوبر، ارتقى أكثر من 10 آلاف فلسطينية وأصيب ما يزيد على 25 ألف شخص.
ما هي المكارثية الأمريكية؟
قبل سبعين عامًا شهدت الولايات المتحدة حملة محمومة ضد ما عرف حينها بـ" الخطر الشيوعي"، بدأ حين أعلن عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية وينكسون جوزيف مكارثي عام 1950 عن قائمة تضم 205 موظف يعملون في الخارجية الأمريكية ويشتبه بأنهم شيوعيون، ومن ثم انطلقت حملة مطاردة شاملة وغير مسبوقة في القرن العشرين أدت إلى اعتقال آلاف الشيوعيين أو من يشك بأن لديهم توجهات شيوعية، وجرى تقديمهم إلى القضاء بتهمة محاولة الإطاحة بالحكم بالقوة.