تشهد الولايات المتحدة، حاليًا، حالة من الغليان السياسى، مع احتدام الاستقطاب، ومحاولات أكبر حزبين في البلاد (الجمهوريين والديمقراطيين)، إبعاد الآخر عن السلطة، عبر طرق ليس من بينها صوت الناخب.
فالديمقراطيون يسعون حثيثًا لإجهاض مساعى الرئيس السابق دونالد ترامب، للعودة إلى البيت الأبيض، عبر ملاحقته قضائيًا. والجمهوريون يريدون طرد الديمقراطيين من البيت الأبيض عبر عزل الرئيس جو بايدن.
ملاحقة ترامب قضائيًا
وانطلق أول أمس الاثنين، الماراثون القضائى لترامب، مع بدء محكمته، في قضية" الاحتيال التجارى" والمتورط فيها مع ابنيه جونيور وإريك.
ومثل ترامب، أول أمس الاثنين، أمام المحكمة في نيويورك بتهمة تضخيم أصوله العقارية. ودفع الرئيس السابق ببراءته، وقال أمام هيئة المحكمة، إن هذا الأمر يعد استمرارًا لأكبر حملة "مطاردة ساحرات"، مشيرًا إلى أن القاضي الذي يحاكمه في هذه القضية فاسد، والمدعية العامة في نيويورك جعلت من مطاردته هدفًا لها.
وأشار إلى أنه لا مخالفات على شركاته، كما لا توجد ضحية في هذه القضية، مشددًا بالقول: "بياناتي المالية كلها سليمة، وما يحدث في نيويورك متعمد قبل الانتخابات".
وأكد الرئيس السابق أن مطاردته سياسية بسبب تقدمه على الرئيس الديمقراطى جو بايدن والمرشحين الجمهوريين في الاستطلاعات. وتساءل ترامب: "لماذا لم تتحرك القضايا قبل سنوات، بل في منتصف حملتي الانتخابية".
وترامب متهم جنائيا في أربع قضايا مختلفة لم تؤثر بعد على شعبيته لدى القاعدة الجمهورية. ويتعين عليه خصوصًا المثول، بدءًا من 4 مارس أمام محكمة فيدرالية في واشنطن العاصمة. بتهمة محاولته، خلال وجوده في البيت الأبيض، قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 التي فاز بها الرئيس الحالي جو بايدن.
وسيكون بعد ذلك على موعد مع القضاء في ولاية نيويورك بتهمة الاحتيال الضريبي، ثم في فلوريدا بسبب حيازته وثائق سرية بعد خروجه من الرئاسة.
محاولات عزل بايدن
وبدأت، الخميس الماضى، أولى جلسات تحقيقات عزل الرئيس الأمريكى جو بايدن التى يجريها الجمهوريون بمجلس النواب، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أنها شهدت غياب الأدلة التى تستوجب توجيه تهم العزل، ومناوشات إجرائية متعددة خسرتها تقريبًا الأغلبية الجمهورية، وفى بعض الأحيان كان هناك ما يقرب من 12 مقعدًا جمهوريًا شاغرًا.
وبحسب ما قالت الصحيفة، فإن الجلسة لم تشمل معلومات جديدة عن سلوك بايدن أو أى دعم لاتهامات الجمهوريين بأنه دخل فى صفقات تجارية فاسدة فى الخارج.
وقال النائب جيمى راسكين من ولاية ماريلاند، وهو أرفع عضو ديمقراطى فى لجنة الرقابة بالمجلس، إنه لو كان لدى الجمهوريين دليل دامغ أو حتى "مسدس ماء مقطر" لكانوا قدموه اليوم، لكن ليس لديهم أى شىء بشأن جو بايدن.
ويضع كبار الجمهوريين بمجلس النواب نصب أعينهم تهمًا محتملة تستوجب العزل تشمل الرشوة وإساءة استخدام السلطة ضد بايدن، ونشروا أكثر من 700 صفحة من تحقيق الضرائب السرى حول نجله هانتر بايدن.
إلا أن الجمهوريين عانوا حتى الآن لربط أنشطة هانتر بايدن التجارية بوالده. وعلى الرغم من مراجعتهم أكثر من 12 ألف صفحة من السجلات البنكية و2000 صفحة من التقارير المشتبه بها المتعلقة بالنشاط التجارى، إلا أن أيًا من هذه المواد التى نشرت حتى الآن، لا تُظهر وجود أموال تم دفعها إلى جو بايدن.
وفى كلمته الافتتاحية بالجلسة، وعد النائب الجمهوري جيمس كومر، رئيس لجنة المراقبة، بتقديم أكثر من عشرين دليلًا من شأنها أن تكشف عن "فساد جو بايدن وإساءة استغلاله للمنصب العام".
وقال "كومر" إن بايدن كذب على الشعب الأمريكى 10 مرات، منها أنه لم يتحدث مع عائلته عن التجارة، وكذب حين قال إن هناك فارقًا كبيرًا بين حياته الشخصية ومنصبه، لكنه لم يكن هناك أى فارق أو جدار.
وتابع: "الأدلة أظهرت أن بايدن حينما كان نائبًا للرئيس طوّر علاقات عائلته مع شركات فى الخارج ومنها روسية وأخرى صينية".
واتهم المشرع الجمهورى الرئيس الأمريكى بالكذب "حينما قال إن عائلته لم تجن المال من الصين وكذب حتى حينما أظهرت اللجنة أن عائلته حصلت على ملايين الدولارات من شركة صينية مرتبطة بالمخابرات الصينية".
وذكر أن 9 من أفراد عائلة بايدن "شاركوا أو انتفعوا من هذه المبادلات الشخصية، كما أن جو بايدن شخصيًا استفاد من هذه المبادلات، وكان هو العقل المدبر".
وقال إن الشعب الأمريكى يطالب بالمحاسبة إزاء ما فعله بايدن من فساد وكيف قوضت هذه الأفعال رئاسة بايدن وعرضت الأمن القومى الأمريكى للخطر، وذلك حين يسيء استخدام السلطة.
ومع نهاية الجلسة، قال "كومر" إنه فوّض باستدعاء سجلات بنكية شخصية تخص هانتر بايدن، وجيمس بايدن، شقيق الرئيس والشركات التابعة لهما.
ونقلت "نيويورك تايمز" عن جوناثان تورلى، أستاذ القانون بجامعة جورج واشنطن، أنه على الرغم من أن إجراء التحقيق الجمهورى يبدو مبررًا، فإنه لا يعتقد أن الأدلة الحالية ستدعم أيًا من بنود العزل.
سقوط مكارثى
وتجلى الاستقطاب السياسى في عزل الجمهورى كيفين مكارثى من رئاسة مجلس النواب، في حادثة غير مسبوقة بتاريخ المجلس الممتد منذ 234 سنة.
وترى صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الديمقراطيين لعبوا دورًا كبيرًا في طرد مكارثي، موضحة أنهم فكروا بالفعل في التصويت بأغلبية لمساعدة مكارثي في الاحتفاظ بمنصبه، لكنهم قرروا في النهاية عدم القيام بذلك، وصوّت كل ديمقراطي حاضر ضد مكارثي.
وبالنسبة للذين صوّتوا ضد مكارثي، أوضحت الصحيفة أنه كان تحالفًا غريبًا يضم ثمانية جمهوريين يمينيين متطرفين، وجميع الديمقراطيين في مجلس النواب الحاضرين.
ومرر التصويت بعد موافقة 216 نائبًا ورفض 210. وصوّت الديمقراطيون في مجلس النواب جميعًا لصالح العزل. كما أن "تجمع الحرية" التابع للحزب الجمهوري صوّت لصالح عزل مكارثي.
وأدى تبني مكارثي، السبت الماضى، لاتفاق بين الحزبين لتجنب إغلاق الحكومة الأمريكية إلى تمرد الجمهوريين في فلوريدا.
وتحدثت "واشنطن بوست" عن أسباب عداء الديمقراطيين لمكارثي، موضحة أنه على رأسها تعاطفه التام مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. كما أعلن مكارثي، في سبتمبر الماضي، أنه طلب رسميًا فتح تحقيق لعزل الرئيس بايدن.