"عمر فني قصير وعمق وتأثير كبير" هكذا يمكن تلخيص مسيرة الفنان المصري الراحل خالد صالح، الذي اجتمع على موهبته الجميع، فكان كتلة متحركة من الإبداع، ويطوع كل حواسه لأداء وتجسيد الأدوار، فحفظته العيون وأحبته القلوب، ليبقى صالح " خالدًا" رغم الرحيل.
حمل اليوم الذكرى التاسعة لوفاة خالد صالح في مثل هذا اليوم 25 سبتمبر 2014، الذي أعاد للأذهان تفاصيل الأيام الأخيرة من حياته قبل 9 سنوات، التي تزامنت مع تقديمه آخر أفلامه "الجزيرة 2" الذي لم يسعفه القدر للاحتفال بنجاحه، بعد ما عانى "صالح" من مرض القلب، وهو ما اضطره لإجراء عملية جراحية وتغيير الشرايين في عمر الـ36 عامًا، إلا أن توابع المرض لم تترك له الفرصة ليسعد بحياته فتدهورت حالته الصحية، واتخذ قرارًا حاسمًا بإجراء عملية أخرى في القلب وسط رفض من حوله لخطورتها، لكنه أصر على موقفه وكتب الموت سطر النهاية في رحلته الفنية.
كواليس الأيام الأخيرة
"أريد أن أرتاح سواء بالموت أو الحياة"، هكذا سرد الفنان المصري أحمد السقا ما جرى على لسان خالد صالح عندما حاول السقا منعه من إجراء عملية جراحية بالقلب، لما تمثله من مخاطرة كبيرة.
مرارة الفقد والكفاح
لم يكن طريق خالد صالح "المولود في مدينة أبو النمرس بمحافظة الجيزة عام 1964" ممهدًا، فرغم ملامح الحكمة والرضا التي ارتسمت على وجهه، لكنه عانى مرارة الفقد واليُتم منذ الصغر بعد ما ماتت والدته وسرعان ما لحق بها والده، ليتولى شقيقه تربيته والاعتناء به، فعاش مكافحًا قبل دخوله مجال التمثيل وامتهن الكثير من المهن منها سائق تاكسي وعاملًا بمصنع للحلوى، وكافح أيضًا حتى أصبح مشهورًا، فبدأ مسيرته الفنية بالأدوار البسيطة الصامتة على خشبة المسرح في ظهور باهت لم ينته إليه أحد، حتى جاءته الفرصة عندما عمل مع الفنان عادل إمام في الجزء الثاني من فيلم " بخيت وعديلة" عام 1997.
داعم للشباب
رغم ما حققه خالد صالح من قفزات وتصدره البطولة في السينما والدراما، لكنه لم يكن يمانع قبول الأعمال باعتبارات مساحة الدور، فكان ينظر لتأثيرها، فلم يتردد في الظهور كضيف شرف في عمل أو دور أحبه أو مع فنانين تجمعه به علاقة حب وصداقة، أو داعمًا للشباب.
ويؤكد أحمد السقا موهبة الراحل وعمق التأثير الذي تركه بداخله قائلاً في لقاء تلفزيوني: "خالد صالح كان يمتلك رضا يفيض إذا وزع على البشر، ومن أكثر الشخصيات التي أثرت في شخصيتي، وكان حالة تدرس وحتى أنه كان يعمل في فترة مرضه وعندما يبدأ التصوير يمتلكه "عفريت" الشخصية، وعملت معه في الكثير من الأعمال ولم يكن يتردد في الظهور معي في أي عمل حتى وإن كانت مساحته صغيره، فقدم معي الكثير من الأفلام مثل "تيتو، حرب إيطاليا، العشق والهوى، ابن القنصل".
جسد شخصيات مؤثرة
موهبة خالد صالح أهلته لتقمص شخصيات مؤثرة ومهمة في التاريخ، ففي عام 1998 لفت الانتباه من خلال فيلم "جمال عبد الناصر" بتقديم دور رئيس المخابرات المصرية "صلاح نصر"، كما جسد دور الشاعر المعروف مأمون الشناوي في أول مسلسلاته التلفزيونية "أم كلثوم" الذي يوثق مشوار كوكب الشرق.
الفولي الأقرب لقلبه
رغم التاريخ الكبير والزاخر وتصدره البطولات ولكنه كان يعتبر شخصية " كمال الفولي" التي قدمها في فيلم "عمارة يعقوبيان" الأقرب لقلبه، على حد وصفه، فقال عنها: "هذه الشخصية أصغر دور قدمته، لكنه الأقرب لقلبي وركزت فيه بكل حواسي، لأنني أمام أساتذة كبار فلا أريد أن أكون أقل عنهم في تقديم الدور، فكان من الشخصيات المهمة في حياتي".
قدم خالد صالح عددًا كبيرًا من الأعمال سواء في السينما أو التلفزيون أو المسرح، مثل "حين ميسرة، والحرامي والعبيط، الريس عمر حرب، خلي الدماغ صاحي"، ومسلسلات مثل "الريان، الدم والنار، وحكايات زوج معاصر، ومحمود المصري"، وغيرها الكثير.
رفض المرض
رغم معاناة خالد صالح من مرض وراثي بالقلب لسنوات طويلة، لكنه كان يرفض الخضوع له، إذ يقول عن ذلك في لقاء تلفزيوني له: "رغم مرضي لكنني لم أعش الحياة بسيكولوجية المريض، لأنه يجعله غير منجز، ولذلك أنا كنت أعيش حياتي، حتى بعد أن أجريت عملية جراحية في القلب وغيرت الشرايين في منتصف الثلاثين من عمري".
بعد نحو 3 عقود قضاها في الفن والتمثيل، رحل خالد صالح بجسده ولكنه مازال خالدًا بأعماله وسيرته العطرة في نفوس جمهوره وأحبائه.