الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

"عقيدة مونرو" وتاريخ نشأتها .. "لافروف": الغرب يحاول إعطاءها طابعا عالميا

  • مشاركة :
post-title
لافروف

القاهرة الإخبارية - محمد سالم

قال سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن هناك انطباعًا قويًا بأن الولايات المتحدة والدول الغربية، يريدون إعطاء "مبدأ مونرو"، طابعًا عالميًا، وأن الولايات المتحدة، مستمرة في توليد الصراعات بشكل مصطنع بهدف تقسيم الإنسانية، إلى كتل مُتعادية، لتحقيق أهدافها، مضيفًا: "يفعلون كل ما بوسعهم لمنع تكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل حقًا، إنهم يسعون لإجبار العالم للعب وفق قواعدهم الأنانية الضيقة".

في خضم كلمته ذكر "لافروف" مجددًا "مبدأ مونرو"، فما هو هذا المبدأ وكيف نشأ، إذ إن الحديث عنه ليس بالأمر الجديد، خاصة مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، فقبيل بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، قال السيناتور برني ساندرز في الكونجرس، إن بوتين قد يكون كاذبًا، ولكن من النفاق أن تصر الولايات المتحدة على عدم قبول مبدأ محيط التأثير، مُؤكدًا التزام الولايات المتحدة بعقيدة مونرو على مدى المئتي عام الماضية.

ولم يكن "ساندرز"، الوحيد الذي تحدث عن عقيدة مونرو، مع تصاعد الأزمة الروسية الأوكرانية، إذ تحدث محللون سياسيون، سواء داخل أمريكا أو خارجها، أن بوتين استخدم هذا المبدأ نفسه لمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو، متهمين أمريكا بازدواجية المعايير.

تضم عقيدة مونرو، 4 مبادئ، ويعتبرها متخصصون في الشأن الأمريكي، بمثابة حجز الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية، على مدى القرنين الماضيين، إذ تعود التسمية إلى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو (1817-1825)، والذي تبنى سياسة معارضة للاستعمار الأوروبي في نصف الكرة الأرضي الغربي، وفي رسالة أمام الكونجرس عام 1823، تحدث عن مبادئ أربعة رئيسية، هي: "عدم تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للقوى الأوروبية أو في أي حروب تنشب بينها".

كما تضمنت: "اعتراف الولايات المتحدة بالمستعمرات الأوروبية الموجودة آنذاك في نص الكرة الأرضية الغربي وعدم تدخلها فيها"، و"لا يحق للقوى الغربية استعمار أي مناطق جديدة في نصف الكرة الأرضية الغربي في المستقبل"، وأخيرًا "أي محاولة تقوم بها دولة أوروبية للسيطرة على أي دولة في نصف الكرة الأرضية الغربي أو قمعها سينظر إليها على أنها عمل عدائي ضد الولايات المتحدة"، بحسب "بي بي سي".

جيمس مونرو الرئيس الخامس للولايات المتحدة

وقال إن "العالم القديم"، و"العالم الجديد"، لهما نظم مختلفة ويجب أن يظلا محيطين منفصلين، وجاءت مبادئ مونرو في فترة كانت غالبية بلدان أمريكا اللاتينية قد نالت بالفعل استقلالها عن إسبانيا والبرتغال، كما اعترفت أمريكا بـ5 جمهوريات جديدة، هي الأرجنتين وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وبيرو، وكانت تخشى أن تحاول القوى الأوروبية إعادة استعمار دول المنطقة، إلى جانب التخوف من تطلعات روسيا التوسعية في الساحل الشمالي الغربي لأمريكا الشمالية، بعد تمكن القيصر الروسي ألكسندر الأول من بسط هيمنته على مناطق شمال غرب المحيط الأطلسي (في ألاسكا بالأساس)، ومنع السفن الأجنبية من الاقتراب من ذلك الساحل في عام 1821.

وقت إعلان عقيدة مونرو، لم تكن الولايات المتحدة قوة عظمى تستطيع إنفاذ تلك المبادئ، وبالتالي لم يكن لإعلان السياسة الصادر عن الرئيس الأمريكي (الذي سميت عقيدة مونرو بعد مرور نحو 30 عامًا على صدورها، نسبةً إليه) أي صدى خارج أمريكا، حتى بدأت الولايات المتحدة في البروز كقوة عظمى على الساحة الدولية مع اقتراب القرن التاسع عشر من نهايته.

امتداد عقيدة مونرو

في 1904، قال الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت، إن أمريكا لها الحق في التدخل لمواجهة الدول الأوروبية الدائنة التي هددت بالتدخل العسكري لتحصيل ديونها من بلدان في أمريكا اللاتينية، وتحدث عن التزام الولايات المتحدة بعقيدة مونرو، وأن هذا الالتزام قد يضطرها أن تقوم بدور الشرطة الدولية في الحالات السافرة، وهو ما عرف باسم "لازمة روزفلت"، وسياسة "العصا الغليظة"، والتي تعني امتلاك القوة العسكرية والاستعداد لاستخدامها لفرض الهيمنة الأمريكية، بحسب "بي بي سي".

وهي "اللازمة"، التي استخدمها روزفلت فعليًا للتدخل العسكري في بلدان تقع في منطقتي أمريكا الوسطى والكاريبي، بما فيها نيكاراجوا وجمهورية الدومينيكان وهايتي وكوبا، أما الرؤساء الأمريكيون الذين خلفوه، فسعوا لاتباع تفسيرات أقل حدة لعقيدة مونرو، وخاصة الرئيس فرانكلين روزفلت (1933-1945) الذي استبدل بدبلوماسية العصا الغليظة دبلوماسية حسن الجوار، ورغم ذلك قال كثير من المختصين في الشأن الأمريكي، إن الولايات المتحدة واصلت استخدام عقيدة مونرو لتبرير تدخلها في شؤون جيرانها الجنوبيين.

وبالتالي جرت المقارنة، بين موقف روسيا، وتدخلها في أوكرانيا، باعتبار أن توسع حلف الناتو على حدودها تهديد لأمنها القومي، وبين عقيدة مونرو الأمريكية التي بررت التدخل العسكري في دول مجاورة، كما حدث في كوبا، عندما استحضر الرئيس جون إف كينيدي "1961-1963" عقيدة مونرو، وفرض حصارًا على كوبًا، بعدما بدأ الاتحاد السوفيتي في إنشاء منصات لإطلاق الصواريخ هناك، ليظل الموقف متأزمًا على مدى 13 عامًا، وسط مخاوف من اندلاع حرب نووية.

عقيدة مونرو بعد الحرب الباردة

بعد انتهاء الحرب الباردة، وبداية القرن الحادي والعشرين، قللت واشنطن من تدخلاتها في دول أمريكا اللاتينية، وأعلن جون كيري، وزير الخارجية في حقبة الرئيس باراك أوباما، وتحديدًا في 2013، انتهاء حقبة عقيدة مونرو.

ولكن سرعان ما عاد الحديث عنها في عام 2018، عندما امتدح وزير الخارجية في إدارة الرئيس دونالد ترامب، ريكس تيلرسون، عقيدة مونرو، وقال إنها ملائمة لليوم تمامًا، وأيضًا إعلان مستشار ترامب للأمن القومي، جون بولتون، أن القعيدة على قيد الحياة، في خطاب هدد فيه بالإطاحة بما وصفه بالديكتاتورية في كل من فنزويلا وكوبا.

واليوم جدد وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حديثه عن تلك العقيدة في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حينما تحدث عن السياسة العدوانية للغرب، مُشيرًا إلى أن الكوكب يمر بتغيرات لا رجعة فيها ويولد نظام عالمي جديد.

وقال إن الولايات المتحدة والدول الغربية يريدون إعطاء "مبدأ مونرو" طابعًا عالميًا، مُشيرًا إلى أنهم مستمرون في توليد الصراعات بشكل مصطنع وتقسيم الإنسانية إلى كتل معادية ومعيقة لتحقيق الأهداف المشتركة، فهم يفعلون كل شيء لمنع تكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب وعادل حقًا، إنهم يسعون جاهدين لإجبار العالم للعب وفق "قواعدهم الأنانية الضيقة".

ودعا "لافروف" المجتمع الدولي إلى الحيلولة دون اندلاع حرب كبرى وانهيار آليات التعاون الدولي، مُشيرًا إلى أن الناتو لم يوسع قدراته العسكرية فحسب، بل أيضًا شملت المواجهة الفضاء ومجال المعلومات.