الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

أهداف لقاءات الرئاسة المصرية مع ممثلي الشركات العالمية

  • مشاركة :
post-title
لقاء الرئيس المصري مع رئيس شركة بريتش بيتروليوم

القاهرة الإخبارية - د. محمد أبو سريع

استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، 28 أغسطس 2023، الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بيتروليوم، عملاق الطاقة البريطاني في مدينة العلمين الجديدة، على ضوء تطلع الشركة لضخ استثمارات جديدة بالسوق المصرية، خلال 3 سنوات مقبلة بقيمة 3.5 مليار دولار في مجالات البحث والاستكشاف.

وتحمل لقاءات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع قيادات وممثلي الشركات الأجنبية، سواء العاملة في مصر أو الساعية لدخول السوق المصرية، رسائل قوية بأن الدولة تدعم المستثمر الأجنبي تشريعيًا وإداريًا، بهدف التوسع في مشروعات الاستثمارات الأجنبية القائمة، إضافة إلى جذب شركاء جدد للاستثمار من عمالقة الصناعة والاقتصاد في دول العالم المختلفة، لذلك يحرص الرئيس المصري على التواصل مع كبرى الشركات والمؤسسات المالية وصناديق الاستثمار في كل زياراته الخارجية، كما يستقبل ممثلي تلك الشركات بصفة دورية في القاهرة.

وتتجلى أهمية هذه اللقاءات في تفعيل الجهود والأنشطة الترويجية للدولة المصرية، خاصة أنها تأتي من رئيس الدولة، الذي يستمع بصورة مباشرة لأي مشكلات قد تواجه بعض الشركات العالمية فيما يتعلق باستثماراتها، ويتعرف بنفسه على أهم عناصر الجذب لهم، ومقترحاتهم بشأن البيئة التشريعية التي تحفز على اختيار مصر كمقصد استثماري.

والتقى الرئيس السيسي، ممثلي وقادة شركات رائدة في قطاعات الصناعة والخدمات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والأنشطة المالية وغيرها من القطاعات الاقتصادية. فمصر تسعى لجذب استثمارات الشركات العالمية الصناعية والخدمية والتكنولوجية من أجل الاستثمار المباشر فيها، من خلال إقامة مشروعات جديدة أو المشاركة في مشروعات قائمة.

لذلك تتعدد لقاءات الرئيس المصري مع ممثلي الشركات الأجنبية العالمية، ما يؤكد حرص الدولة المصرية على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية ذات الفوائد المتعددة للاقتصاد الوطني. ويأتي في مقدمة هذه الفوائد والمنافع، الاستفادة من فوائض ومدخرات الدول الأخرى بجذبها للاستثمار في مصر. فمن شأن ذلك ضخ دماء جديدة للاقتصاد المصري في الوقت الراهن، بسبب الأزمات الدولية بأبعادها المتشابكة وآثارها الممتدة.

وفي هذا السياق، تُثار عدة تساؤلات، هي: ما مستهدفات ودلالات هذه اللقاءات؟ وما أهم انعكاساتها على الواقع المصري اقتصاديًا واجتماعيًا؟ وما ردود أفعال ممثلي الشركات العالمية والأجنبية حول تلك اللقاءات؟

مستهدفات اللقاءات

يمثل استقبال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الإثنين 28 أغسطس 2023، الرئيس التنفيذي لشركة "بريتيش بيتروليوم" برنارد لوني، أحدث تجليات اهتمام القيادة السياسية المصرية بجذب الشركات العالمية، بحضور مسؤولي الشركة وبعض المسؤولين المصريين المعنيين. ويأتي هذا اللقاء في ضوء تطلع مصر لتعزيز التعاون القائم مع الشركة البريطانية العالمية، بما يتضمنه ذلك من دعم مجال خفض الانبعاثات وتحول الطاقة، بالإضافة إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر، سعيًا لزيادة الاستكشافات والإنتاج، وتعظيم استفادة الدولة من مواردها الكامنة لصالح الأجيال الحالية والقادمة.

وبصفة عامة، يمكن رصد أهم مستهدفات مثل هذه اللقاءات فيما يلي:

(*) مستهدفات اقتصادية واجتماعية مصرية: تُسهم أنشطة واستثمارات الشركات العالمية في تحقيق مستهدفات اقتصادية واجتماعية مصرية بالأساس، فعلى سبيل المثال، تساعد استثمارات الشركة البريطانية "بريتيش بيتروليوم BP"، في تعزيز جهود تحول القاهرة إلى مركز إقليمي لإنتاج وتداول الطاقة من خلال المنظمة الإقليمية "منتدى غاز شرق المتوسط" ومشروعات التعاون الإقليمي الجارية في إطارها بمنطقة شرق المتوسط وتعزيز البنية التحتية لنقل وإسالة الغاز والربط الكهربائي، بالإضافة لدور هذه الشركة في مجال المسؤولية المجتمعية، من خلال تقديم منح دراسية للشباب المصريين في كبرى الجامعات البريطانية. والجدير بالذكر هنا أن الشركة تعتزم ضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 3.5 مليار دولار.

لقاء الرئيس المصري مع الرئيس التنفيذي لشركة الخطوط الملاحية الفرنسية

(*) حوافز وإعفاءات: يتواكب مع اللقاء الأخير، توجيه الرئيس المصري، الأحد 27 أغسطس 2023، بإطلاق حزمة جديدة من الحوافز والإعفاءات التي تتضمن الإعفاء من كل أنواع الضرائب عدا ضريبة القيمة المضافة حتى 5 سنوات للمشروعات الصناعية التي تستهدف صناعات استراتيجية، بالإضافة إلى إمكان مد الإعفاء من الضرائب لخمس سنوات إضافية لعدد من الصناعات بشرط تحقيقها مستهدفات محددة. وتشمل حزمة الحوافز إمكان استعادة نسبة من قيمة الأرض تصل 50%، بشرط تنفيذ المشروع في نصف المدة المحددة، فضلًا عن حزمة الحوافز التي تتضمن التوسع في منح الرخصة الذهبية لجميع المشروعات التي تستهدف تعميق التصنيع المحلي.

(*) دعم قطاعات استراتيجية: تستهدف هذه اللقاءات دعم الدولة لقطاعات اقتصادية ضرورية وحيوية، ويجسد هذه المعاني لقاء الرئيس المصري، الشهر الماضي، وفدًا يضم رئيسي شركتي "ووهوان للهندسة" الصينية و"باليسترا" الإيطالية، العاملتين في مجال الأسمدة، ويأتي هذا اللقاء في إطار العمل على تطوير منظومة إنتاج الأسمدة على المستوى المحلي، كونها من أهم المدخلات والمستلزمات المؤثرة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.

وتعمل الدولة المصرية بدأب على بناء قاعدة صناعية حقيقية ومتطورة في مختلف المجالات الصناعية، لا سيما ذات الصلة بالأمن الغذائي والقطاعات الحيوية، في ضوء تنامي التحديات الدولية في هذا الشأن، فنظرًا لأهمية هذه الصناعة، تواصل الدولة جهود توطينها وتعميق تصنيعها محليًا، لا سيما من خلال نقل المعرفة والتكنولوجيا والخبرة، بالاستفادة من القدرات الإنتاجية والتشغيلية المتقدمة لدى كبرى الشركات الأجنبية على مستوى العالم. ومن أجل ذلك، جاء هذا اللقاء ليركز على إنشاء المجمع الصناعي الثالث لإنتاج الأسمدة في العين السخنة، استكمالًا لنجاح إنشاء وتشغيل المُجمعين الصناعيين للأسمدة الفوسفاتية والمركبة، والأسمدة الأزوتية بالعين السخنة.

(*) تحقيق قيمة مضافة وقفزة نوعية: يتجسد هذا الهدف في لقاء الرئيس السيسي مع رئيس شركة الخطوط الملاحية الفرنسية العالمية "CMA CGM"، يونيو الماضي، إذ ركز هذا اللقاء على دور هذه الشركة في تطوير ميناء الإسكندرية بما يعزز من نشاط هذا الميناء على المستويين الإقليمي والعالمي بتطبيق المعايير الدولية في تشغيل الموانئ والاستفادة من الخبرة الأجنبية على النحو الذي يساعد على الارتقاء بالتصنيف العالمي للموانئ المصرية في مجالي اللوجستيات والتجارة.

(*) مزايا غير مسبوقة للدولة المصرية: على الرغم من أن تنفيذ البنية التحتية للموانئ يتم بالكامل بشركات وأموال مصرية ثم يتم طرحها لمشغل عالمي لإدارتها مثل ميناء السخنة وغيرها من الموانئ بحق تشغيل وانتفاع البنية الفوقية، التي تشمل المباني والمحطات والآلات ومحطات المعالجة لمدة من 15 إلى 30 عامًا، في مقابل حصول الدولة على عائد بالدولار، إلا أن هذا الأمر لم يطبق في حالة مشروع "محطة تحيا مصر متعددة الأغراض بميناء الإسكندرية". فقد وافقت شركة "CMA" العالمية على المشاركة في تمويل البنية الفوقية بحصة تقدر بنحو 32% في شراء المعدات، تقديرًا لمصر، خاصة عقب لقاء الرئيس المصري مع رئيس الشركة، وهذا يعد أول نظام من نوعه في العالم.

شراكات استراتيجية واقتصادية ممتدة

أسهم تراكم استثمارات الشركات الأجنبية في مصر خلال عقود طويلة، في تكوين شراكات بين الدولة المصرية وهذه الشركات، وهذا ما جعل رئيس شركة "BP" يذهب في لقاء العلمين، 28 أغسطس 2023، إلى محورية الشراكة الاستراتيجية بين مصر والشركة الممتدة لنحو 60 عامًا.

وهو نفس الدلالة التي سبق وأن أكدها الرئيس المصري، في لقائه مع ممثلي كبرى الشركات النمساوية، أواخر عام 2018، بشأن تدشين شراكة اقتصادية واستثمارية قوية مع مجتمع الأعمال النمساوي عبر زيادة حجم الاستثمارات النمساوية في مصر، بهدف تنفيذ مشروعات مشتركة تحقق مصالح الطرفين، والاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة المتاحة في مختلف القطاعات.

ردود فعل ممثلي الشركات العالمية

يمكن التعرف على مثل هذه الردود من خلال تصريحات ممثلي الشركات الأمريكية الأربعين، الذين شملهم لقاء الرئيس المصري، أكتوبر 2018، إذ أكدوا حرصهم على تطوير التعاون مع مصر باعتبارها دولة محورية في الشرق الأوسط، من خلال العمل على استكشاف الفرص الاستثمارية المتوفرة في الأسواق المصرية. ويأتي هذا الحرص من إدراك مجتمع الأعمال الأمريكي لأهمية التنمية الاقتصادية والاستقرار في مصر.

وأشاد رؤساء الشركات النمساوية المشاركين في اللقاء سالف الذكر، بما تحقق من نتائج على صعيد الإصلاح الاقتصادي والتحسن العام الذي طرأ على مناخ الاستثمار في مصر، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُسهم في تشجيع وتعظيم التعاون الاستثماري بين الجانبين المصري والنمساوي ويوسع من آفاقه خلال المرحلة المقبلة لترتقي لمستوى العلاقات السياسية المتميزة بين حكومتي البلدين، نظرًا للمكانة التي تتمتع بها القاهرة كركيزة لصون الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا.

وفي النهاية؛ يمكن القول إن اللقاءات الرئاسية المصرية مع ممثلي الشركات الأجنبية تعكس مدى حرص القيادة السياسية المصرية على التواصل المستمر مع المستثمرين، للتعرف على المشكلات والمعوقات التي تواجههم والعمل على حلها وتذليل كل العقبات. فلقاءات الرئيس المصري مع شركات تمتلك رؤوس أموال وأصول بمليارات الدولارات، تعبر عن توجه أمثل للنهوض بالاقتصاد المصري، فالتواصل مع هذه الشركات وشرح الأوضاع الاقتصادية وتأكيد جهود الإصلاح المالي والتشريعي، والتقدم الذي تشهده مصر في مجال الاستثمار وريادة الأعمال ودعم الشركات الناشئة، وتنظيم الأسواق، والخدمات، والبنية التحتية والمشروعات القومية، وغيرها، يهدف إلى تشجيع تلك الشركات على توجيه حصة أكبر من الأموال التي تمتلكها وتديرها للسوق المصرية.

ويُتوقع زيادة وتكثيف مثل هذه اللقاءات الرئاسية مستقبلًا مع ممثلي الشركات العالمية، خاصة مع تمتع مصر بالعضوية الكاملة في مجموعة "بريكس" بدءًا من يناير 2024، فمصر واحدة من الاقتصادات الناشئة الواعدة التي تسعى لزيادة حصتها من رؤوس الأموال الأجنبية، خاصة مع ما يشهده العالم حاليًا من صعوبات اقتصادية تعاني منها الأسواق الناشئة والاقتصاديات الكبرى على السواء، فمن شأن هذه الصعوبات، أن أصبح جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية عملية صعبة، وهو ما يتطلب تكاتف كل مؤسسات الدولة المصرية المعنية بتفعيل الجهود الترويجية المرتبطة باللقاءات الرئاسية، لأن المنافسة على أشدها على الساحة الدولية لجذب المزيد من الاستثمارات.