في الـ16 من أغسطس الجاري، التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أهالي مطروح والسلوم وسيدي براني في مدينة السلوم ، وذلك للتأكيد على تعزيز خطة الدولة منذ 2014 في القضاء على التهميش، الذي عانت منه هذه المناطق لسنوات سابقة.
في ضوء ما سبق، يتطرق هذا التحليل إلى مُرتكزات لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي مع الأهالي، بالإضافة إلى التعرف على الأزمات التي كانت تواجه المحافظات الحدودية، واستراتيجية مواجهة الدولة لها.
مُرتكزات اللقاء:
تناول اجتماع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع أهالي المنطقة الغربية العديد من النقاط المهمة، يتمثل أهمها فيما يلي:
(*) تحديد المشكلات السابقة: أشار الرئيس إلى أن المنطقة الغربية كانت تعاني من مشكلات متعددة خلال السنوات الماضية، إذ تعرضت لنقص شديد في المشروعات التنموية، فكانت مدينة الإسكندرية تعتمد على ميناء الإسكندرية فقط، بالإضافة إلى مشكلة الصرف الزراعي التي تعرضت لها واحة سيوة، وتعرُض الأشجار والنباتات والأراضي بالواحة إلى التدمير، بسبب قيام الأهالي بالزراعة غير المنضبطة، وهو ما كلّف الدولة المصرية في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي 2.7 مليار جنيه لحل هذه الأزمة.
(*) مطالب القبائل: أشادت القبائل التي حضرت اللقاء بالإنجازات التي تمت في الدولة المصرية، ومنها إشادة أهالي الضبعة بمطار العلمين الذي يستقبل رؤساء العالم، وبمحطة الضبعة النووية، والنهضة العمرانية التي نفذتها الدولة المصرية على الساحل، وعرضت القبائل العديد من المطالب على الرئيس، تمثل أهمها في تخصيص جزء من الترعة من سيدي عبد الرحمن إلى الضبعة للأهالي التي تمتهن الزراعة والري، والتي دخلت القرى والنجوع الخاصة بهم ضمن المخطط العمراني، وهو ما سيُحقق ناتجًا قوميًا زراعيًا كبيرًا في هذه المنطقة تستفيد منه مصر بأكملها، بالإضافة إلى اقتراح قبيلة "علي الأبيض" التي طلبت إنشاء شركة لأبناء مطروح على غرار شركة ابن سينا التي قامت بتعمير بسيناء، إذ إن الشركة الجديدة ستعمل على الاشتراك في التنمية وتوفير العديد من فرص العمل، وهو ما وافق عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان هناك اقتراح آخر خاص بتطوير طريق مطروح الدولي إلى السلوم الذي يربط المشرق العربي والمغرب العربي، وكان رد الرئيس أن هذا المقترح مدون ضمن خطة التطوير، وأنه سيتكلف أكثر من 15 مليار جنيه، وسيتم تنفيذه خلال السنوات القليلة المقبلة، هذا بالإضافة إلى مطالبة الحضور بتسهيل الإجراءات الحكومية على مواطن مطروح، خاصةً التمليك وحيازة الأرض الصحراوية.
(*) مشروعات مستقبلية: أشار الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى أن مشروع الدلتا الجديدة الذي سيتم افتتاحه في الأيام المُقبلة، يتضمن ترعًا مُسطحة تفوق الـ800 كم؛ لتأخذ كمية المياه التي تكفي زراعة مليون فدان، كما ستعمل هذه الدلتا على تشغيل العمالة وترويج التجارة مع ليبيا، بالإضافة إلى إنشاء منطقة لوجستية بجانب منفذ السلوم تعمل على وجود سوق كبيرة، توفر العديد من فرص العمل، كما تم الإشارة إلى محطة مياه في مدينة العلمين طاقتها الإنتاجية 150 ألف متر مكعب، مع وجود برامج لمحطات أخرى لتوفير المياه للمدن الساحلية، وستقوم الدولة أيضًا باستكمال الافتتاح الكلي لميناء جرجوب الذي سيُضاعف التجارة بين مصر وأوربا، الأمر الذي سيُحقق الكثير من العوائد الاقتصادية المهمة.
يذكر أن الرئيس السيسي أكد أن التنمية في تلك المناطق تتم من خلال التخطيط المرحلي، إذ تكون من الإسكندرية للعلمين، ومن العلمين للضبعة، ومن الضبعة لمطروح، ومن مطروح إلى جرجوب، ومن جرجوب إلى السلوم، وهو ما سيُحقق التنمية بشكل كفؤ.
تحديات سابقة:
تعددت الأزمات التي كانت تعاني منها المحافظات الحدودية خلال السنوات الماضية، التي كانت تتمثل في الأزمات التالية:
(*) أزمة المياه: عانت العديد من المحافظات الحدودية من أزمة توافر مياه الشرب، وخاصة محافظة مطروح التي واجهت أزمة مياه في سنوات 2010 و2011، فخلال هذه الفترة توقف وصول المياه إلى المنازل، وانخفض عدد السيارات التي تقوم بنقل المياه إلى البيوت، واتجه عدد كبير من المواطنين نحو غراب المياه في مطروح للحصول على سيارة مياه تكفي الفرد لمدة 10 إلى 15 يومًا، ووقتها لجأ السكان إلى ما يعرف بـ"السوق السوداء لشراء براميل المياه"، تجدر الإشارة إلى أن سبب أزمات مياه الشرب في تلك المناطق خلال هذه الفترة، هو محدودية طاقة محطات المياه في هذه المناطق. كما عانت منطقة سيناء خلال هذه الفترة وبعدها حتى عام 2014 من أزمة مياه شرب، بالإضافة إلى الأزمة في محافظة الوادي الجديد التي كانت تعاني أيضًا من نقص شديد في توافر المياه الصالحة للشرب، إذ كانت المياه تصل إليهم مختلطة بأكاسيد الحديد، وكانت المحطات تضخ المياه لساعات محددة فقط في اليوم، وبلغ الأمر أنه في بعض القرى تم الاعتماد على مياه الري من الآبار الجوفية بدون أن يتم تنقيتها، وهو ما يوضح حجم الأزمة التي كانت تعاني منها هذه المحافظات في توفير المياه.
(*) أزمة البنية التحتية: كانت معظم المحافظات الحدودية تتميز بأنها محافظات طاردة للسكان؛ لعدم وجود بنية تحتية تعمل على ربط هذه المحافظات بالقاهرة والجيزة وباقي محافظات الجمهورية، بالإضافة إلى مشكلات انخفاض الأحمال الكهربائية، إذ كان معظم المستثمرين الصناعيين في محافظة سيناء يُعانون من ضعف إمداد الكهرباء للمشروعات الخاصة بهم، فكان هناك 700 ورشة صناعية يتم تشغيلها بمحطة كهرباء فرعية فقط، كما عانت مدينة أسوان من التهميش الشديد في بنيتها التحتية، خاصة في الصرف الصحي وخطوط مياه الشرب، إذ كانت شوارع أسوان تعاني من مشكلات كبيرة في الانقطاع الدائم للمياه والطفح المتكرر في الشوارع، وفي محافظة البحر الأحمر عانى أصحاب القرى السياحية والفنادق من الانقطاع المُتكرر في الكهرباء، وفي الوادي الجديد تسبب الانقطاع الكبير في الكهرباء إلى قيام أهالي كفر الزيات بقطع الطريق السريع الرابط بين الداخلة والخارجة، وفي مرسى مطروح، أشار المحافظ في عام 2010، إلى أن هناك 26% من أبناء المحافظة محرومون بشكل كامل من الكهرباء.
(*) أزمة الفقر: واجه منفذ السلوم، الذي يربط بين مصر وليبيا، معوقات كبيرة في عام 2010، وهو ما أثّر على حركة التبادل التجاري بين الدولتين، الأمر الذي انعكس على مستويات الفقر في هضبة السلوم، إذ كان هناك نحو 15 ألف مواطن يعيشون تحت خط الفقر، وقد عزّز انخفاض فرص العمالة في السلوم من ارتفاع مستويات الفقر بها، إذ كانت هذه المنطقة غير مُستغلة سياحيًا.
(*) أزمة السيول: كانت احتمالية تعرض مدينة مطروح للسيول مرتفعة جدًا في عام 2011، إذ كانت مخرات السيول والوديان تعاني من الإهمال الشديد وعدم متابعتها والمرور عليها، كما تعرضت محافظة سيناء لكارثة السيول في وسط وجنوب المدينة، التي ترتب عليها مشكلات في الطرق ومشكلات في انقطاع الكهرباء.
مواجهة مدروسة:
اتبعت الدولة المصرية منذ عام 2014 خطة شاملة ومنهجية؛ لتنمية المحافظات الحدودية وانتشالها من الأزمات التي كانت تُعاني منها، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
(*) شبكة طرق ضخمة: قامت الدولة المصرية بتنفيذ خطة موسعة لشبكة الطرق في المحافظات الحدودية، ويوضح الشكل رقم (1)، أنه في محافظة الوادي الجديد تم تنفيذ شبكة رئيسية للطرق تربطها بمحافظات الجيزة وأسوان وأسيوط، بالإضافة إلى مجموعة من الطرق المحلية، وهي طريق أسيوط / الخارجة، وطريق أكتوبر / الواحات / الفرافرة / الداخلة، وطريق الداخلة / شرق العوينات، وطريق العوينات/ مفارق درب الأربعين، وطريق درب الأربعين/ توشكي، وطريق بغداد / الأقصر، كما تعمل الدولة المصرية على إعادة تأهيل خط سكة حديد الوادي الجديد/ قنا، وربطه بالبحر الأحمر عن طريق شبكة القطار الكهربائي السريع.
وفي محافظة مطروح تم رفع كفاءة العديد من الطرق، مثل طريق دائري النجيلة، والطريق الساحلي بين مدينتي براني والسلوم الاتجاه البحري، وطريق دائري مطروح بطول 25 كم، بالإضافة إلى شبكة طرق جديدة تربط مرسي مطروح بالنجوع والتجمعات السكنية البعيدة، وهو ما سيعمل على ربط التجمعات البدوية بالطرق الرئيسية، التي سيصل طولها إلى 400 كم، إذ تم إنشاء طريق "لواج" غرب مدينة مرسى مطروح الذي يربط التجمع السكاني "لواج النقاشات" بمنطقة " أبو لهو"، وذلك بتكلفة استثمارية 2.6 مليون جنيه.
وفي محافظة سيناء، قامت الدولة المصرية بتنفيذ 5000 كم من الطرق والأنفاق، وإنشاء 7 كباري عائمة أعلى قناة السويس بتكلفة تُقدر بـ990 مليون جنيه، بالإضافة إلى تنفيذ 6 أنفاق أسفل القناة تعمل على ربط سيناء بمدن القناة، كما ارتفع معدل تنفيذ مشروعات السكة الحديد في المحافظة، إذ تم تنفيذ الخط الأول لمشروع القطار الكهربائي السريع الذي يشمل 21 محطة، بالإضافة إلى خط السكة الحديد الذي يربط بين الفردان وبئر العبد والعريش ورفح.
(*) إنشاء محطات مياه: قامت الدولة المصرية بتنفيذ العديد من محطات المياه في المحافظات الحدودية؛ للتغلب على مشكلة أزمة المياه، ففي محافظة الوادي الجديد تم تنفيذ 7 مشروعات لمياه الشرب والصرف الصحي، منهم محطة مياه الشرب بقرية الخير والنماء بالفرافرة التي أُنشئت في ديسمبر 2016، بتكلفة 6 ملايين و300 ألف جنيه، بالإضافة إلى تطوير محطة تنقية مياه الشرب بقرية النهضة بالفرافرة بتكلفة 2 مليون جنيه، إذ تعمل هذه المحطة على خدمة 5 آلاف نسمة من سكان المحافظة. وفي محافظة سيناء تم إنشاء محطتين لتحلية المياه في الريسة بالعريش بتكلفة 10 ملايين و962 ألف دولار، وبطاقة 10000 متر مكعب في اليوم، كما أُنشئ في المحافظة أكبر محطة تحلية في الشرق الأوسط في غرب العريش التي تُقدر تكلفتها بـ97 مليون دولار، إذ تبلغ طاقتها الإنتاجية 100 ألف متر مكعب كمرحلة أولى، وتزداد إلى 300 ألف متر مكعب في اليوم، وهو ما سيعمل على خدمة مدن العريش والشيخ زويد ورفح ووسط سيناء، هذا بالإضافة إلى تنفيذ محطة تحلية مياه البحر بالطور جنوب سيناء بطاقة 30 ألف متر مكعب في اليوم، وبالتالي تم إنشاء 11 محطة تحلية لمياه البحر في المحافظة، كما يوضح الشكل رقم (2)
وفي محافظة مطروح، أُنشئت 3 محطات، هي محطة الرميلة 1، ومحطة الرميلة 2، ومحطة الرميلة 3، وأقيمت محطة الرميلة 1 على مساحة 45 ألف متر شرق مدينة مرسى مطروح في عام 2015 بطاقة إنتاجية 24 ألف متر مكعب يوميًا، وفي عام 2016 تم إنشاء محطة الرميلة 2 بطاقة إنتاجية 24 ألف متر مكعب يوميًا، وبلغت التكلفة الإجمالية للمحطتين معًا 250 مليون جنيه، وكان هناك إلى جانب هاتين المحطتين محطة تحلية "باجوش" التي تبلغ طاقتها الإنتاجية أيضًا 24 ألف متر مكعب، كما افتتحت محطة الرميلة 3 في عام 2019، التي تبلغ طاقتها الإنتاجية 12 ألف متر مكعب يوميًا، وتكلفتها تُقدر بنحو 120 مليون جنيه، ومن هنا يتضح أن مشروعات محطات تحلية المياه عالجت جزءًا كبيرًا من الأزمة التي كانت تعاني منها محافظة مطروح، وغيرها من المحافظات الحدودية.
(*) مواجهة أزمة الكهرباء: تصدت الدولة المصرية لأزمة الكهرباء التي تفاقمت في المحافظات الحدودية من خلال مجموعة من المشروعات الضخمة، في هذا المجال يوضح الشكل رقم (3) أنه في محافظة سيناء تم إنشاء محطة كهرباء بمنطقة المساعيد في مايو 2022، بتكلفة تُقدر بنحو 450 مليون جنيه، إذ تعمل هذه المحطة على تغذية مدينة العريش ومحطة الشلاق بالشيخ زويد، بالإضافة إلى مشاريع توصيل الكهرباء لمدينة رفح الجديدة ومشروع المآخذ وزماماتها برمانة وبئر العبد، ولمدينة المليونية بشرق بورسعيد الجديدة، ولعدد 30 منزلًا بدويًا بقرية الجوفة برُمانة. وفي محافظة مطروح، تم إضافة 52 مشروعًا جديدًا لدعم شبكات الكهرباء في المحافظة، وذلك في الخطة الاستثمارية لعام 2022/2023، بالإضافة إلى المشروعات التي نُفذت في الخطة السابقة، التي عملت على تحويل الشبكات من هوائي لأرضي في العديد من المناطق بالمحافظة. تجدر الإشارة إلى أن إنشاء محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء، سيُحقق طفرة في كمية الكهرباء التي تنتجها المحافظة.
وفي محافظة الوادي الجديد، تم تطوير شبكات توزيع الوادي الجديد بتكلفة 100 مليون جنيه، بالإضافة إلى إنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في الفرافرة في ديسمبر 2021، بتكلفة 100 مليون جنيه، وبطاقة إنتاجية 5 ميجا وات، مع زيادة قدرة محطة كهرباء الفرافرة إلى 12 ميجاوات من خلال إنشاء وحدة كهرباء إضافية بقدرة 3.8 ميجاوات.
(*) مواجهة أزمة السيول: قامت الدولة المصرية بالعديد من الإجراءات لمواجهة أزمة السيول التي تتعرض لها جنوب سيناء، إذ تم تنفيذ 10 سدود في منطقة وسط سيناء، وتنفيذ سد أم البارد بمنطقة التمد في وسط سيناء في يناير 2022، بتكلفة 17 مليون جنيه، إذ سيعمل علي تخزين 3 ملايين متر مكعب من مياه الأمطار، بالإضافة إلى تنفيذ عدد من السدود في مدينة الحسنة، و4 سدود في مدينة ذهب (أبو خشيب، الجيبي، الغائب، زغرة الأسفل).
(*) تطوير منفذ السلوم: يعتبر منفذ السلوم، هو البوابة الغربية لمصر مع ليبيا ودول المغرب العربي، إذ تم تطوير 285 فدانًا من هذا المنفذ، وإضافة 10 مخازن كبيرة، ورفع كفاءة المباني الإدارية وتزويدها بأحدث الأساليب التكنولوجية، بالإضافة إلى وجود 3 مسارات للمنفذ تمنع التكدس داخله، ومن هنا يُمكن القول إن تطوير هذا المنفذ وفّر العديد من فرص العمل لأهالي السلوم، وهو ما رفع من مستوى المعيشة في هذه المنطقة، فضلًا عن النتائج التي سيُحققها على مستوى التجارة.
في النهاية، يُمكن القول إن المشروعات القومية التي نفذتها الدولة المصرية بتوسع في المحافظات الحدودية والمشروعات المُستقبلية التي أشار إليها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في لقائه مع الأهالي في السلوم، تؤكد وعي دولة ما بعد 30 يونيو 2013 بالأهمية الاستراتيجية للمحافظات الحدودية، من منطلق أن تطويرها يُحقق منافع اقتصادية للمجتمع بأكمله، نظرًا لاتصالها بالعالم الخارجي، إذ كانت تلك المحافظات تعاني من أزمات متنوعة في السنوات التي سبقت عام 2014.