قررت أطراف الوساطة لنزع فتيل الأزمة في النيجر، منح الدبلوماسية فرصة جديدة، قبل اللجوء إلى القوة؛ لإعادة الرئيس المعزول، محمد بازوم، إلى منصبه.
وتقود المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" جهود الوساطة لنزع فتيل الأزمة في النيجر، وتمارس ضغوطًا إلى جانب دول غربية ضد منفذي الإطاحة برئيس النيجر، محمد بازوم، لإعادته إلى منصبه.
وبعد 4 أيام من الإطاحة بالرئيس النيجرى بازوم في 26 يوليو الماضي، قرر قادة "إيكواس" التعليق الفوري لجميع التبادلات التجارية والمالية مع نيامي، وتجميد أصول منفذي الإطاحة بـ"بازوم".
وأمهلت المجموعة منفذي الإطاحة ببازوم، مهلة أسبوعًا انتهت الأحد الماضي، لتلبية مطالبهم، وإلا ستقوم المجموعة باتخاذ كل الإجراءات الضرورية، منها استخدام القوة.
وعقد قادة إيكواس قمة طارئة ثانية بخصوص النيجر، الخميس الماضي، في العاصمة النيجيرية أبوجا، خلصت في بيانها الختامي إلى "عدم استبعاد أي خيار لحل أزمة النيجر بما في ذلك استخدام القوة باعتباره ملاذًا أخيرًا".
وفعَّلت المجوعة الإفريقية قوة عسكرية احتياطية قالت إنها ستنشرها كملاذ أخير إذا لم تنجح المحادثات.
وفى اليوم التالي للقمة الثانية، قررت "إيكواس" عقد اجتماع جديد لقادة جيوش الدول الأعضاء، كان مُقررًا أمس السبت؛ من أجل إعداد خطط لتدخل عسكري محتمل في النيجر.
لكن دول المجموعة أرجأت الاجتماع الذي كان مقررًا عقده في أكرا عاصمة غانا لأسباب فنية، وقال متحدث باسم "إيكواس" في تصريحات صحفية، إن "قادة جيش غرب إفريقيا سيجتمعون في الأيام المقبلة (دون تحديد اليوم) لإعداد خطط لتدخل عسكري محتمل في النيجر".
وكشف مسؤول نيجيري وآخر من كوت ديفوار، أن الاجتماع المرتقب سيُعقد السبت 19 أغسطس الجاري في غانا.
انقسام حول التدخل العسكري
وعلّق محللون على أن التناقض في تحديد موعد الاجتماع بوضوح يعكس انقسامًا في الآراء بين قادة المجموعة الإفريقية، بشأن قرار التدخل العسكري المطروح لإعادة النظام الدستوري في النيجر، لوسائل إعلام غربية.
في حين أبدت دول نيجيريا والسنغال وكوت ديفوار وغانا وبنين استعدادها للحل العسكري، تعارض مالي وبوركينا فاسو هذا الخيار، واعتبرتا استخدام القوة في النيجر بمثابة إعلان حرب عليهما.
والجزائر الجارة الشمالية للنيجر، التي رغم معارضتها لعملية الإطاحة بالرئيس بازوم، ترى أن أي محاولة لإعادته بالقوة ستزيد الوضع تأزمًا، وبالتالي فحدودها مع النيجر، التي تبلغ نحو ألف كيلومتر لن تكون منطلقًا لأي عملية عسكرية.
وتشاد الجارة الشرقية للنيجر، هي الأخرى لا تؤيد التدخل بالقوة، حسب ما جاء على لسان وزير دفاعها، ما يعني منطقيًا أن حدودها لن تستخدم في أي تدخل عسكري. وقالت دول منها ليبيريا والرأس الأخضر إنها تفضل الدبلوماسية.
وتزامنًا مع إرجاء اجتماع قادة جيوش الإيكواس، تسعى المجموعة الإفريقية، لإرسال لجنة برلمانية إلى النيجر لعقد لقاء مع منفذي الإطاحة ببازوم، الذين استولوا على السلطة الشهر الماضي، ويرفضون حتى الآن الضغوط الدبلوماسية لإعادة الحكم المدني.
وشكل برلمان "إيكواس" في اجتماع عقده أمس السبت، لمناقشة اتخاذ مزيد من الإجراءات في النيجر، لجنة تعتزم اللقاء مع الرئيس النيجيري بولا تينوبو، الذي يتولى حاليًا الرئاسة الدورية لإيكواس، للحصول على إذنه للذهاب إلى النيجر.
ويرفض منفذو الإطاحة برئيس النيجر، الجهود الدبلوماسية التي تبذلها "إيكواس" والولايات المتحدة ودول غربية أخرى، لنزع فتيل الأزمة في النيجر، والحيلولة دون التدخل العسكري، الذي يهدد باندلاع المزيد من الصراع في منطقة الساحل الفقيرة بغرب إفريقيا التي تواجه بالفعل تمردًا عنيفًا من جماعات متطرفة.
وتعتبر النيجر، حليفة رئيسية للغرب في الحرب على الإرهاب، إذ تتمركز قوات أمريكية وفرنسية وألمانية وإيطالية في النيجر؛ لمواجهة تمرد جماعات محلية مرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش.
كما أن القوى الغربية تخشى من أن يزداد النفوذ الروسي في النيجر من خلال مجموعة "فاجنر"، كما حدث في جارتيها مالي وبوركينا فاسو.
ومن المُقرر أن يجتمع قادة جيوش إيكواس خلال الأيام المقبلة، وإذا اختاروا التدخل، فليس من الواضح كم من الوقت سيستغرق جمع قوة "إيكواس" وكم سيكون حجمها.
غير أن تقديرات أشارت إلى أن القوة العسكرية للتدخل المحتمل في النيجر، قد تضم ما يصل إلى 5 آلاف جندي من دول من بينها نيجيريا وبنين وكوت ديفوار والسنغال.
وكشف رئيس كوت ديفوار الحسن وتارا، أمس الأول الجمعة، أن بلاده "ستساهم بكتيبة من 850 إلى 1100 عسكري"، وأن نيجيريا وبنين ودولًا أخرى ستشارك أيضًا، دون مزيدٍ من التوضيح.
الحل الوسط للأزمة
ومع هذا الانقسام حول خيار التدخل العسكري في النيجر، خشية من اندلاع صراع واسع النطاق في المنطقة، يبرز "الحل الوسط" وهو احتمال اضطرار "إيكواس" إلى التنازل، عن طريق إقناع منفذي الإطاحة برئيس النيجر بترك السلطة، لكنهم لن يسلموها إلى بازوم، ويمكن أن يأت شخص محايد لإدارة حكومة انتقالية، وفق ما نقلت شبكة "سى. إن. إن" الأمريكية، عن أولوسي أديتايو، الخبير النيجيري في الأمن والاستخبارات.
لكن الناشط النيجيري إنسا جاربا سيدو، يرى أن الطريقة الوحيدة لتجنب الصراع بين منفذي الإطاحة بالرئيس محمد بازوم في النيجر، ودول المنطقة، التي تلوح بالقوة لإعادته إلى منصبه هي "الاعتراف بالنظام الجديد".
وأوضح "سيدو" في تصريحات نقلتها وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية: أن "هناك خيارًا واحدًا فقط، هو قبول الوضع الجديد في النيجر أو الحرب، انتهى الأمر بالنسبة لبازوم، يجب أن تنساه البلاد، انتهى الأمر، إن محاولة إعادته للسلطة مضيعة للوقت".