الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

تشبيك التحالفات.. ماذا يعكس التعاون العسكري بين الإمارات والصين؟

  • مشاركة :
post-title
الرئيسان الإماراتي والصيني

القاهرة الإخبارية - ضياء نوح

أعلنت وزارة الدفاع الوطني بجمهورية الصين الشعبية، الإثنين 31 يوليو 2023، إجراء تدريبات جوية مشتركة مع القوات الجوية الإماراتية، في منطقة شينجيانج، التي تقطنها أقلية الأويجور المسلمة شمال غربي البلاد، وذكر البيان المقتضب للوزارة أن التدريبات الأولى من نوعها، المقرر تنفيذها في أغسطس، تحمل اسم درع الصقر "فالكون شيلد 2023 Falcon Shield".

تمتلك الإمارات علاقات وطيدة مع جمهورية الصين الشعبية، باعتبارها الشريك التجاري الأول في الخليج العربي والمنطقة العربية، بإجمالي تبادل تجاري خلال 5 سنوات، بلغ 860 مليار درهم (234.14 مليار دولار)، بما يعادل 46.82 مليار دولار سنويًا.

وتأسيسًا على ما سبق؛ يتناول التحليل دوافع تعميق التعاون العسكري بين الإمارات والصين، في ظل مشهد دولي مُتخم بالتحالفات الجديدة والتقليدية.

تشبيك التحالفات

يعكس تعميق التعاون العسكري بين جيش التحرير الشعبي الصيني ونظيره الإماراتي دلالات مهمة على سياسة البلدين تجاه إعادة بناء توازن جديد في السياسة الدولية، يتضمن تحولات هيكلية أمنية واستراتيجية في كل من منطقة الشرق الأوسط ومنطقة المحيطين "الإندوباسيفيك"، وتمثل منطقة الخليج العربي حلقة وصل حيوية بين المجالين بحكم إطلالتها الجنوبية على المحيط الهندي، ويمثل كلا الجانبين سوقًا مهمًا لتصدير منتجاته.

(*) تعميق الانخراط الحذر: لم تكن دولة الإمارات أول دولة إقليمية أو عربية أو خليجية تُجري تدريبات مشتركة مع الصين، إذ أجرت القوات البحرية الملكية السعودية تدريبات "السيف الأزرق" البحرية بين البحرية الملكية السعودية وبحرية جيش التحرير الشعبي الصيني، في البحر الأحمر 2019. وبالتزامن بدأت بكين منذ ذلك العام تدريبات "حزام الأمن البحري" الدورية السنوية، شمال المحيط الهندي مع كل من موسكو وطهران.

وتمثل التدريبات الجوية بين الإمارات والصين فوق الأجواء الصينية، إشارة لافتة للانخراط الإماراتي الحذر في تعميق العلاقات مع الصين رغم الضغوط الغربية على الحلفاء بمنطقة الخليج، التي لم تثن أبو ظبي عن تطوير خبرات قواتها المُسلحة عبر تعميق الشراكة العسكرية مع مختلف القوى الكبرى، وفي مقدمتها تدريبات "الاتحاد الحديدي" السنوية مع الجيش الأمريكي.

(*) تدعيم الشراكات الاستراتيجية: على مدار أعوام عززت دولة الإمارات موقعها في القطاع اللوجيستي وإدارة وتطوير الموانئ، ما جعلها إحدى أهم وجهات إعادة التصدير الداعمة لاستراتيجيات القوى الصناعية الكبرى والصاعدة كما تمثل بعدًا مهمًا في تطوير اقتصادها الوطني في عصر ما بعد النفط، إذ يوفر ذلك القطاع نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، حسب تصريحات الدكتور ثاني الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، 5 يوليو الماضي، مؤكدًا أن حجم قطاع إعادة التصدير يمثل 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي ونحو 27.5% من إجمالي قيمة التجارة الخارجية للإمارات عام 2022، بقيمة 167.16 مليار دولار تقريبًا، فضلًا عن اهتمامها بتوسيع حضورها في منطقة القرن الإفريقي، التي تمثل مصدرًا حيويًا للأمن الغذائي الإماراتي.

الرئيس الإماراتي ورئيس وزراء اليابان

وتتلاقى تلك الرؤية مع دور الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، من خلال أعمال البنية التحتية الكونية في إطار المبادرة، وبالتوازي مع توسيع الشراكات الاقتصادية الشاملة للإمارات مع كل من إندونيسيا والهند، والتعاون مع الهند والولايات المتحدة وإسرائيل، في إطار تحالف "I2U2".

ومثلت الإمارات محطة مهمة في جولة فوميو كيشيدا، رئيس الوزراء الياباني، بمنطقة الخليج، يوليو الماضي، لتعزيز التعاون في مجال الطاقة الأحفورية والمتجددة، إلى جانب جذب استثمارات إماراتية، في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية، إلى جانب الاهتمام والتوجه الإماراتي لتوطين الصناعات التكنولوجية الفائقة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، ومن بينها الصناعات الدفاعية، إذ باتت مجموعة إيدج الإماراتية في 2021، ضمن أكبر 25 شركة دفاعية تتصدر مبيعات الدفاع حول العالم، وفق معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

عزز الرؤية الإماراتية لبناء قوة مستقلة تحمي مصالحها الاقتصادية المتنامية والمرتبطة بحركة التجارة العالمية أهمية اقتناء أحدث نظم التسليح الأمريكية والفرنسية، وتبدي أبو ظبي اهتمامًا بالصناعات الدفاعية الجوية الصينية، فهي مشغل رئيسي للمسيرات القتالية وينج لونج 1 و2، وأكدت وزارة الدفاع الإماراتية، فبراير 2023، عزمها شراء 12 طائرة تدريب متقدمة من طراز "L 15"، مع إمكان إضافة 36 طائرة في المستقبل.

(*) تعزيز هامش المناورة: بالتوازي مع العلاقات الأمنية الوطيدة مع الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين وعلى رأسهم فرنسا، تحاول الإمارات العربية تعزيز هامش المناورة في كل تحركاتها، إذ تسعى أبو ظبي لتنويع الشراكات إلى جانب تعزيز الاعتماد على النفس بتطوير قدرات قواتها الجوية على خبرات وبيئات تدريبية مختلفة، بعيدة عن منطقة الخليج العربي.

كما أن ارتباط البلدين بحركة التجارة البحرية العالمية وسلاسل الإمداد الحيوية يعزز من أهمية الشراكة عبر المحيط الهندي، باعتباره مجالًا مشتركًا، ومن المهم أن تبقى الإمارات عينًا على تحالف حزام الأمن البحري بشمال المحيط الهندي، وفي المقابل يؤشر التدريب المشترك على الثقة المتنامية في الشريك الصيني، الذي يسعى لبناء تفاهم إقليمي يقلص البصمة العسكرية والأمنية للولايات المتحدة.

المعضلة الأمنية

على الرغم من المساعي الصينية المتواصلة لفرض وجود بكين على قمة النظام الدولي، إلا أن انعدام اليقين حول التحولات الجارية في المجالين الجيوسياسي والجيواقتصادي الدوليين من تصاعد الانقسام حول الحرب الروسية الأوكرانية والتكلفة غير المتوقعة لأي اضطرابات إضافية تضر بسلاسل الإمداد العالمية، تدفع بالعديد من الفاعلين الدوليين (ومن بينهم الصين والإمارات)، لتعميق علاقاتهم بكل الأطراف الفاعلة على المسرح الدولي، التي تمتلك أدوات للتأثير في صنع القرار الدولي، مثل الدول النفطية والدول المصنعة للتقنيات الفائقة والعسكرية منها على وجه التحديد سعيًا لتنويع سلاسل الإمداد الحيوية.

كما تمثل على الجانب الآخر فرصة لمراقبة حركة التحالفات والشراكات التي قد تؤثر على مصالحها في فضاء جيوسياسي آخذ في التشابك بين منطقتي الشرق الأوسط والإندوباسيفيك على صعيد التنافس الأمني، ومن ثم من المحتمل أن يمتلك ذلك التدريب أثر الدومينو في تتابع التدريبات المشتركة بين بكين ودول المنطقة لفتح الباب أمام توسع الحضور الأمني لها في المنطقة.

وإجمالًا؛ يشير التعاون الإماراتي الصيني إلى حيوية العلاقات في مضمونيها الثنائي والإقليمي، بالنظر لحجم السوق الصينية الضخمة والأسواق العربية التي يمكن لأبو ظبي أن تكون مفتاحًا للوصول إليها، بجانب اهتمام البلدين بتأمين سلاسل الإمدادات الحيوية من النفط ومصادر الطاقة وكذلك توطين التكنولوجيا الفائقة، نظرًا لانخفاض سقف المفاوضات مع الجانب الصيني في هذا الملف مقابل غيره من القوى الدولية، وهو ما يمثل ميزة تفضيلية لبكين في المقابل يعزز من نفوذها في منطقتي الإندوباسيفيك والشرق الأوسط.