تراث سينمائي ضخم تتمتع به مصرـ. هذه الصناعة التي عرفت طريقها إلى هوليوود الشرق قبل أكثر من قرن، تحديدًا عام 1896، ونظرًا لارتباط الوطن العربي بهذه الصناعة المصرية ومدى تأثيرها الوجداني الكبير في شعوبه، قرروا المساهمة ولو بجزء بسيط في حفظ التراث والاحتفاء به.
شهد شهر ديسمبر عام 2022 اصطفاف الجمهور السعودي أمام إحدى قاعات السينما المخصصة لعرض الفيلم المصري المعاد ترميمه بعد عقود من إنتاجه "خلي بالك من زوزو"، وتكرر الأمر مع الفيلم المصري الآخر "غرام في الكرنك" بعد ترميمه أيضًا من قِبل القائمين على مهرجان البحر الأحمر، في صورة تعكس مدى أهمية الفن المصري للوطن العربي.
كان لمصر أيضًا نصيب من الاهتمام بحفظ تراثها بترميم الأعمال الكلاسيكية القديمة، التي أمتعت الجمهور، ولذلك كان الفنان حسين فهمي حريصًا على أن يضم كنزين من كنوز الفن المصري للدورة الـ44 من مهرجان القاهرة السينمائي، هما "يوميات نائب في الأرياف" للمخرج توفيق صالح، الصادر عام 1969، و"أغنية على الممر" للمخرج على عبد الخالق، الصادر عام 1972.
ويشهد مهرجان لوكارنو السينمائي الذي تنطلق فعالياته في 7 أغسطس المقبل، وجود مهم للمخرج المصري يسري نصر الله من خلال ترميم فيلمه "باب الشمس" بطولة "باسل خياط" بعد 19 عامًا من عرضه، كما سيعرض أيضًا العمل البلجيكي في الدورة الجديدة من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
ساكن في الوجدان
الفنانة فريدة فهمي بطلة فيلم "غرام في الكرنك" أكدت أن إعادة عرض تلك الأعمال وترميمها أمر مهم للأجيال الجديدة، وقالت في تصريحات لموقع "القاهرة الإخبارية": الفيلم خطوة مهمة جدًا في صناعة السينما، ومسألة ترميمه من قبل مهرجان عربي يدل أنه مازال ساكنًا في وجدان الجمهور بتفاصيله وأغنياته، كما أنني كنت أتمنى أن يتم تكريم مخرج العمل الراحل الكبير علي رضا على التحفة الفنية التي تركها لنا، فهو عمل اجتمعت فيه كل عناصر النجاح.
خطة جادة
ويؤكد الناقد المصري كمال رمزي أن هناك مطالبات بترميم الأفلام منذ فترة كبيرة، ويقول: "علينا أولًا أن نقوم بعمل حصر للأفلام التي تحتاج إلى الترميم، وأين تتوفر النسخ الأصلية الخاصة بها، لكن للأسف هذا ليس متوفر لدينا".
ويرى "رمزي" أن العالم كله يهتم بترميم الأفلام القديمة، ويقول: "هي ثقافة كلاسيكية على قدر كبير جدًا من الأهمية ويجب أن نوفر التراث ونعتني به، لأن هذا يعود بالنفع على الأفلام الحديثة، ويجب أن يكون هناك خطة جادة لترميم الأفلام لأن الأمر في النهاية عشوائي".
التراث للأجيال الجديدة
"نحن نتعامل مع الترميم والتاريخ بأنه أمور مُسلم بها وليست مهددة ولدينا منها الكثير"، هذا ما أكده الناقد المصري عصام زكريا لموقع "القاهرة الإخبارية"، إذ قال: "علينا مهمة حفظ التراث للأجيال الجديدة، وما يحدث حاليا أن التراث يضيع، وما يصرف في هذا التراث سيعود علينا بمكاسب كبيرة، بالإضافة إلى وجود جانب معنوي آخر وهو الحفاظ على هذا التاريخ".
ترميم الماضي وإعادته للحياة
بينما قال الناقد المصري طارق الشناوي إنه إذا أردنا حماية مجتمعنا، علينا ترميم الماضي وإعادته للحياة مجددًا، وهو أمر بدأ يحدث بعد أن تم ترميم عدد من الأفلام.
وأضاف: "من المهرجانات التي اهتمت بذلك هو مهرجان البحر الأحمر السينمائي، إذ قام بترميم الفيلم المصري "خلي بالك من زوزو" بطولة سعاد حسني وحسين فهمي، كما قام مهرجان القاهرة السينمائي بترميم الفيلمين المصريين "يوميات نائب في الأرياف" للمخرج توفيق صالح الذي تم إنتاجه عام 1969 و"أغنية على الممر" للمخرج على عبد الخالق، وتم عرضه عام 1972"، موضحًا أنه كانت هناك خطة في المهرجان بترميم فيلمين كل عام، لكن من الصعب ماديًا اكتمالها من وجهة نظره في ظل الظروف الحالية لأنها مكلفة كثيرا، ولكن في كل الأحوال يجب أن نلحق تراثنا السينمائي قبل أن يموت.
وأكد "الشناوي" أن كل عام يمر تزداد مشكلات الترميم لأن هناك شيئا من الأصل الذي يتم ترميمه، وهي ترميم أفلامنا التي تتكون من 4000 فيلم روائي، وبالتالي لا بد من وجود خطة قومية وليست فقط أن تكون مسؤولية وزارة الثقافة، مشيرًا إلى أنه لا بد من البحث عن الرعاة حتى لو كانوا سيتقاسمون الأرباح، ومن الممكن أن تتحول هذه الأفلام التي لها بعد اقتصادي إلى مورد رزق، خاصة أنه من المؤكد تعثر معظم المهرجانات في ذلك، وبالتالي ينبغي وضع حل من جانب القائمين على المهرجانات من خلال التفكير في البعد الاقتصادي بإقناع الرعاة بالوجود وإيجاد رؤية اقتصادية أخرى لحث رجال الأعمال للمساهمة في ترميم هذه الأفلام لأنها بالفعل مشروع قومي.
الترميم كل عام
يرى المخرج المصري أمير رمسيس، مدير مهرجان القاهر السينمائي الدولي، أن مهرجان القاهرة حرص من خلال دورته الماضية على ترميم فيلمين مصريين مهمين وهما "يوميات نائب في الأرياف" و"أغنية على الممر"، موضحًا: نحاول أن نقدم ذلك كل عام، خاصة أنه قرار رئيس المهرجان الفنان المصري حسين فهمي، وهو إضافة كبيرة لنا والدليل على ذلك ردود الفعل الإيجابية التي تلقيناها بعد عرض الفيلمين المرممين، فمن واجبنا ترميم أفلامنا بأنفسنا في مهرجاننا وليس في مهرجانات أخرى، مؤكدا أن ترميم الأفلام يتطلب تكلفة عالية، ويعتبر من التحديات ولكن سنحاول الحفاظ على ذلك.
وأعلنت إدارة مهرجان القاهرة عن تكريم المخرج المصري يسري نصر الله في دورته الـ45، المقرر إقامتها في الفترة من 15 إلى 24 نوفمبر المقبل، ترميم فيلمه "باب الشمس" الذي تم عرضه في مصر عام 2005 كجزء من تكريم المخرج المصري يسري نصر الله.