الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

محمد رشدي.. صوت النيل و"عرباوي" الأغنية المصرية

  • مشاركة :
post-title
محمد رشدي

القاهرة الإخبارية - إيمان بسطاوي

"إذا كان النيل يغني، فصوته محمد رشدي، فهو جزء من تراب مصر وأحجار الأهرامات، وصوت خاص جدًا من هذا البلد"، هكذا وصف الموسيقار عمار الشريعي، موهبة الفنان الراحل محمد رشدي، "عرباوي" الأغنية المصرية، فصوته المميز الذي لا يختلف على عذوبته اثنان، جعله يُعد واحدًا من أشهر مطربي الأغنية الشعبية.

تأثر محمد رشدي - المولود في مثل هذا اليوم 20 يوليو عام 1928- بالمولد الشعبي "سيدي إبراهيم الدسوقي"، حيث نشأته في محافظة كفر الشيخ، مُستمدًا ثقافته من هذا المولد الذي يجتمع فيه الفنانون والفرق الشعبية على مدار شهرين، ليؤكد "رشدي"، أنه كان ينتهز فرصة إقامته ويذهب لمقر إقامة الفنانين ويجلس أمام بيوتهم، ويراقب تصرفاتهم، متفرغًا لهم طوال 24 ساعة، وهو ما أثر على إتقانه فن الموال الشعبي، وذلك بحسب ما أكده في لقاء تليفزيوني سابق.

ذهابًا وإيابًا كان رشدي يشدو بأغاني الفنانة ليلى مراد، فوصل عشقه لها لجلوسه حتى بعد انتهاء حفلاتها، فاشتهر بتقديم أغانيها وتقليدها أمام مأمور المركز في بلدته وكل الشخصيات المرموقة، وفي إحدى المرات وخلال غنائه أغانيها أمام نجل العمدة أثناء الانتخابات، وعده الأخير بأن يأتي له بالسيدة أم كلثوم لتسمعه، وبالفعل وَفّى "ابن العمدة" بوعده ولعب القدر دوره في إعطاء فرصة عمره بالوقوف مغنيًا أمام كوكب الشرق أم كلثوم، لتكون أول من تسمعه، والتي قالت له "انطق صح يا فلاح" بعد تلعثمه في نطق كلمة بأغنية قدمها أمامها.

كانت موهبة محمد رشدي ربانية، وأراد تدعيمها بالدراسة ولكنه واجه اعتراضًا من أسرته في بداية الأمر على السفر للدراسة بمعهد الموسيقى، ولكن بعد تدخل بعض أهالي القرية وافق والده مجبرًا، وبدأ محطة جديدة من حياته بعد انتقاله للقاهرة، فذهب إلى ابن قريته الذي كان يعمل ساعيًا عند الفنان محمد عبدالوهاب، ليجد رشدي نفسه بداخل مكتب عبدالوهاب مشاهدًا أمامه أسطوانات وتمثال بتهوفن، وكبار النجوم يترددون عليه مثل شادية وغيرها، وخلال تواجده بمكتب عبدالوهاب، وجد قصاصة ورق مكتوبًا بها أغنية وملقاة داخل سلة المهملات، فأخذها، ليؤكد "رشدي" أن هذه الأغنية التي حملت اسم "سامع وساكت ليه هو أنت قلبك إيه" للمؤلف حسين طنطاوي، كانت بوابة دخوله مجال الغناء، إذ قام بغنائها في اختبارات القبول بالإذاعة المصرية، بعد أن لحنها، ولكن مؤلفها فوجئ مُتسائلًا كيف وصلت له هذه الأغنية وطالب "رشدي" بسداد 3 جنيهات ثمنها، فاضطر لكتابة وصل أمانة لمؤلف الأغنية وسدده لاحقًا.

راهن الكتاب إحسان عبد القدوس ورجائي النقاش وصلاح حافظ على موهبة محمد رشدي وتبنوه، ليقول إنهم كانوا يؤكدون له أنه مطرب المرحلة القادمة، وبالفعل بدأوا تجهيزه وأمدوه بقراءة كتب كبار الكتاب مثل العقاد، وساهموا في زيادة وعيه باختيار أغانيه في مرحلة الستينيات.

وبعد أن التصقت أغنية "قولوا لمأذون البلد"، بمحمد رشدي لسنوات طويلة، لعب القدر دوره في أن تحظى بشهرة امتدت لخارج أقطار الوطن، ليقول عن ذكرياته مع هذه الأغنية: "كنت مشهورًا بأنني مطرب أغنية "قولوا لمأذون البلد" لمدة 7 سنوات، وهذه الأغنية لها واقعة غريبة معي، فكنت سأغنيها في حفلة في الإذاعة، وبعد أن دخلت المبني فوجئت بمنعي من الغناء لاندلاع الثورة وقتها، حيث كانوا على وشك إذاعة بيان الثورة، ولكنني أصررت على الغناء وانهرت من البكاء؛ لأنني كنت أعتمد على ما أتقاضاه من الإذاعة، فأشفقوا علىَّ ووافقوا على الغناء، ووقتها سمع العالم كله هذه الأغنية؛ لأن الجميع كان يترقب بيان الثورة، فنجحت الأغنية بشكل مذهل".

يعتبر محمد رشدي الملحمة الشعبية "أدهم الشرقاوي" تمثل نقلة حقيقية له في حياته بعد أغنية "قولوا لمأذون البلد" التي ظلت ملتصقة به لسنوات، ليسرد ذكرياته معها قائلا: "تعرضت لحادث ووضعت قدمي في الجبس، ووقتها كان المخرج يوسف الحطاب يميل لأسماء مطربين آخرين لغناء أغنية الملحمة، ولكن محمد حسن الشجاعي مستشار الإذاعة آنذاك، تدخل وأصر على غنائي لها، واستعدادًا لغنائها قمت بشراء كل أغاني مطربي الموال الشعبي من سوق الكانتو، وبعد أن لحنت وغنيت مواويل "أدهم الشرقاوي" لم يوضع اسمي عليها، ولكني لم أصمت على هذا الأمر حتى تم تداركه وحققت نجاحًا مبهرًا".

أدخل محمد رشدي الغناء الشعبي في كثير من الأفلام؛ ليضيف رونقًا خاصًا على الأعمال، فكان من المطربين القلائل الذين حققوا هذه المعادلة، وقدم للسينما نحو 20 فيلمًا سواء كان ممثلًا أو مكتفيًا بالغناء فقط، ومن الأفلام التي شارك فيها "فرقة المرح، والمارد، ورد وشوك، عدوية، وحارة السقايين"، فقدم عشرات الأغاني الناجحة في أفلامه مثل "على الرملة"، و"عدوية" و"كعب الغزال" و"طاير يا هوا"، و"متى أشوفك"، "يا ليلة ما جاني الغالي"، وغيرها.

شكل محمد رشدي ثنائيًا مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي واكتمل ضلع المثلث بوجود الملحن بليغ حمدي، ليصف رشدي بأن الأبنودي خلق له لغة ومفردات جديدة في الغناء وجرأة في الكلمات مثل " يا وهيبة يا ما كلنا برتقال"، بينما يؤكد الأبنودي أنه عقب سماعه موال " أدهم" تأكد أن رشدي قادر على غناء أشعاره، ليقول:" محمد رشدي من الأصوات الحقيقية، حين يغني فهو يبعث الريف، وأرى فيه صوتي، ولولا وجود رشدي ما كتبت هذه الأغاني".

وبعد نجاح " يا وهيبة"، قدم أغنية " عدوية" التي مثلت أول تعاون مع بليغ حمدي وثاني تعاونه مع الأبنودي والتي وصف شهرتها بأنها تجاوزت حدود الوطن العربي، لتتوالى بعدها الأغاني بين الثلاثي ويكون الثلاثي نجوم الأغنية الشعبية.

"ولا يا ولا يا عرباوي، ارمي بياضك خطي القناوي"، كان هذا مطلع أغنية " عرباوي" التي ساهمت في تلقيب محمد رشدي بـ " عرباوي" الأغنية الشعبية، والتي كتبها له حسن أبو عثمان ولحنها الملحن حلمي بكر، والذي تعاون معه بعد أن تفرغ الأبنودي وبليغ حمدي للعمل مع عبد الحليم حافظ.

على مدار ما يقرب من 5 عقود قدم محمد رشدي سجلًا حافلًا من الأغاني الشعبية وفن الموال، فصوته النادر مَثّل بصمة خاصة لشخصيته، سيظل يصدح في سماء الفن حتى بعد فناء الجسد، ليرحل في الثاني من مايو عام 2005 بعد إصابته بفشل كلوي عن عمر ناهز الـ76 عامًا، تاركًا رصيدًا كبيرًا من أغانيه والتي كان آخرها ألبومه الذي ختم به مسيرته "دامت لمين".

محمد رشدي