جاء انعقاد قمة مجموعة العشرين في الفترة من 15 إلى 17 نوفمبر 2022 بمدينة بالي الإندونيسية تحت شعار "التعافى معاً، التعافي بشكل أقوى"، في ظل بيئة دولية متوترة تتصاعد فيها لغة الصراع الدولي، ما بين التهديد باستخدام السلاح النووي فى الأزمة الروسية الأوكرانية، وشبح الركود العالمي الذي يخيّم على اقتصادات الدول بعد تجاوز التضخم مستويات قياسية، بما أدى إلى أزمات في ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية، فضلًا عن تداعيات جائحة كوفيد19 التى لايزال العالم يعاني من تبعاتها الصحية والاقتصادية.
لذلك، تنامت الآمال المعقود على لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس الصيني شي جين بينج الذي انعقد في 14 نوفمبر 2022 على هامش فعاليات القمة، بأن ينجح في تعزيز السلام العالمي والحد من التنافس على النفوذ الدولي بين القوتين العظميين، لا سيما أن هذا اللقاء يعد الأول لهما منذ تولى الرئيس بايدن مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي التى كرست من سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس الشيوخ، وحصول الحزب على عدد معتبر من مقاعد مجلس النواب، بما جعل الرئيس الأمريكي، يشير إلى أن تلك النتائج الإيجابية ستعزز من وضعه السياسي في مواجهة الرئيس الصيني.
كما أن هذا اللقاء يأتي بعد إعادة انتخاب الرئيس الصيني "بينج" أمينًا عامًا للحزب الشيوعي مما يرسخ موقعه، كأقوى حاكم للصين منذ ماو تسي تونج، وانتخابه أيضًا رئيسًا للجنة العسكرية المركزية للحزب، بما يمهد الطريق لإعادة انتخابه لولاية ثالثة في مارس 2023.
حدود التوافق:
عكست تصريحات الرئيسين خلال اللقاء رغبتهما في إدارة التنافس بينهما بحيث لا يتحول إلى صراع، وهو ما عبّر عنه الرئيس بايدن، بالقول إن بكين وواشنطن تتشاركان المسؤولية للظهور أمام العالم أنهما قادرتان على إدارة الخلافات ومنع المنافسة من التحول إلى نزاع، فيما أشار الرئيس الصيني "بينج" إلى أن العالم وصل إلى مفترق طرق، وأنه يتوقع أن تعالج الصين والولايات المتحدة بشكل صحيح العلاقة بينهما، تماشيًا مع تلك التصريحات الإيجابية، فإن هناك العديد من الملفات التي من الممكن أن تشكل مجالاً أرحب للتوافق الأمريكي- الصينى، لعل أبرزها:
(*) الأزمة الاقتصادية العالمية: إذا كانت مجموعة العشرين، قد تشكلت عام 1999 عقب الأزمة المالية الآسيوية بهدف توحيد وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في أكبر 20 من الاقتصادات الراسخة والناشئة فى العالم، فإن الأزمة الاقتصادية الحالية تحتاج إلى إعادة الاعتبار للهدف الذي نشأت من أجله قمة العشرين، وتحولها إلى منتدى رئاسي لمناقشة الاستقرار الاقتصادي والمالي الدولي، حيث تشكل تلك الدول مجتمعة نحو 80% من الناتج الاقتصادي العالمي، ونحو 75%من الصادرات العالمية و60%من سكان العالم، وربما يمثل التوافق الأمريكي الصيني، بعد أن أصاب الركود كلا الاقتصادين فرصة مواتية لانتشال الاقتصاد العالمي من تباطؤ النمو المتوقع له في 2023، وهو الأمر الذى جعل الرئيس الصيني بينج يشير خلال اليوم الأول لانعقاد فعاليات القمة إلى أن الاقتصاد العالمي يواجه خطر الركود والبلدان النامية أول المتضررين.
(*) الأمن الغذائي العالمي: تشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي إلى الارتفاع الحاد لعدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويحتاجون إلى مساعدات، حيث يصل عددهم إلى ما يقرب 222 مليون شخص في 53 دولة. ويرجع تفاقم أزمة الغذاء العالمية إلى عمليات الإغلاق التي أعقبت جائحة كورونا، وتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية، التى أدت إلى ارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء. من هنا جاءت دعوة الرئيس بينج خلال كلمته أمام قمة العشرين إلى معارضة تسييس مشكلات الغذاء والطاقة وتحويلها إلى أدوات وأسلحة، لذلك من الممكن أن يشكل الحفاظ على توفير الأمن الغذائي العالمي مدخلًا لتعزيز التعاون الأمريكي الصيني من خلال تيسير التجارة والإمدادات الدولية من الأغذية والاستثمار في الزراعة الحديثة القادرة على الصمود أمام تقلبات الطقس، فضلًا عن توفير التمويل اللازم لدعم المجتمعات التي تعانى من أزمات غذائية حادة.
(*) التغيرات المناخية: تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال مشاركته في قمة شرم الشيخ المناخية بتحقيق أهداف بلاده في خفض الانبعاثات بحلول عام 2030، مطالبًا دول العالم ببذل مزيد من الجهد لمواجهة الأزمة المناخية، التي تهدد الحياة على كوكب الأرض. كما أشار جون كيرى، المبعوث الرئاسي الأمريكي للمناخ، خلال فعاليات يوم إزالة الكربون، ضمن فعاليات قمة cop 27 إلى ضرورة أن نواجه سويًا هذا التحدي، وينبغي علينا العمل المشترك لتخفيف آثار حرق الوقود الأحفوري، مضيفًا أن الدول العشرين الكبرى في العالم مسؤولة عن 80٪ من الانبعاثات ويمكنها تغيير ذلك، وإذا كانت الصين تحتل المرتبة الأولى في حجم الانبعاثات الكربونية تليها الولايات المتحدة الأمريكية، فإن ذلك يتطلب وضع خطة عمل مشتركة تحول دون فناء الكوكب وفقًا لتصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش.
قضايا خلافية:
على الرغم من تفاؤل العديد من المحللين بنتائج لقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الصيني شى جي بينج، على هامش القمة، إلا أن ثمة قضايا خلافية سيكون لها مردودها على حدود التوافق الأمريكي الصيني، ومنها:
(&) الصراع على قمة النظام الدولي: يشكل الصراع الروسي- الأوكراني، تجسيدًا للصراع بين قوة صاعدة في النظام الدولي، هي روسيا تحاول حماية تخومها من تمدد الناتو وحماية أمنها القومي، وقوة تتعاضد معها في البحث عن نظام دولي أكثر عدلًا واستقرارًا، في مقدمتها الصين والهند. في المقابل، تسعي القوة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للحفاظ على النظام الدولي الراهن والذي تشكل عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، واتسم بالهيمنة الأمريكية وقيادتها للنظام الدولي، وهو الوضع الذى تحاول الصين تغييره أخيرًا في ظل امتلاكها للمقومات الاقتصادية التى تؤهلها لتدشين نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه دورًا مؤثرًا؛ لذلك جاء تأكيد الرئيس الصيني بينج خلال كلمته أمام قمة العشرين في 15 نوفمبر 2022 بأن تحديد خطوط فكرية وإثارة الخلافات بين التكتلات والترسيم الإيديولوجي لن يؤدي إلا إلى تقسيم العالم وعرقلة تقدم البشرية.
(&) أزمة تايوان: على خلفية زيارة نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة إلى تايوان في 2 أغسطس 2022. والتي تعد أول زيارة لمسؤول رفيع المستوى منذ 25 عامًا، والتي صرّحت بأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للصين بعزل الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي ديمقراطي، وتعيش تحت التهديد الدائم لغزو من قبل الجيش الصيني. جاء تصريح وزير الخارجية الصيني وانج يي قائلًا إن "الذين يسيئون للصين سيعاقبون حتمًا"، كما قررت وزارة الخارجية الصينية وقف التعاون والاتصالات مع واشنطن في ملفات عدة تمتد من التغير المناخي إلى الاتصالات العسكرية، وشملت الإجراءات الصينية وقف التعاون في ملفات: إعادة المهاجرين غير الشرعيين، ومكافحة المخدرات، والسلامة البحرية، ومكافحة الجريمة عبر الحدود. كما قام الجيش الصيني في رده على زيارة بيلوسي بعدد من المناورات العسكرية بالذخيرة الحية في 6 مناطق حول تايوان، محذرًا السفن والطائرات كافة من الدخول لهذه المناطق، فيما علق وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على تلك المناورات قائلًا بأنها تعد تصعيدًا كبيرًا.
(&) ملف حقوق الإنسان: يشكل ملف حقوق الإنسان إحدى القضايا الخلافية ما بين واشنطن وبكين، حيث تسعى واشنطن لتوظيف الملف فى إدارة صراعاتها الممتدة التي ترتبط بمحاولة واشنطن وقف التفوق الاقتصادي، ومحاصرة تمدد النفوذ الصيني بشتى السبل، وبالتالي تسعي لتسييس ملف حقوق الإنسان كورقة ضغط داخلية على الصين، حيث تتركز انتقاداتها في معاملة الإيجور المسلمين في شينجيانج، وهونج كونج والتبت.
تأسيسًا على ما سبق، يمكن القول إن إعلان الرئيسين الأمريكي جو بايدن والصيني شي جي بينج عن استعدادهما للحوار المباشر بشأن القضايا الاستراتيجية وتجنب النزاع، خلال لقائهما قبيل انطلاق أعمال قمة العشرين، يعكس الرغبة المشتركة بين الدولتين في تعزيز الاستقرار العالمي ويبشر بانفراجة دولية ربما ستنعكس على ترميم ومعالجة أضرار الصراع الدولي بكل تكلفته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية خلال الآونة الأخيرة، لا سيما بعد تأكيد الرئيس الصيني بينج بأن العالم قد وصل إلى مفترق طرق، وهو الأمر الذى يتطلب إجراءات ممتدة لبناء الثقة منها إمكانية تدشين حوار استراتيجي بين القوتين العظميين، لمعالجة الأزمات الدولية التي تهدد السلام العالمي، وتعاني منها جميع المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء.