الموقع الرسمي | القاهرة الاخبارية

المخرج باسل الخطيب: أدعو في "الحكيم" إلى توحد المجتمع السوري الذي عانى حربا غير مسبوقة

  • مشاركة :
post-title
الفيلم السوري الحكيم

القاهرة الإخبارية - إنجي سمير

العمل يقترب من أزمات ما بعد الحرب بشفافية ودون مواربة.. واختيار مهنة الحكيم له دلالته

ما واجهته سوريا سيكون مادة لكثير من الأعمال الدرامية لسنوات.. وقررت البقاء ومتابعة العمل فيها رغم كل التهديدات والمخاطر

تعلمت من دريد لحام في 3 سنوات تعاوننا فيها أكثر مما تعلمته خلال 25 عامًا أمضيتها بالعمل في السينما والتلفزيون

هناك من يقول إنه من المبكر الحديث عن الحرب لكنني وكثيرين كانت الأمور واضحة لنا لأننا عايشناها يوميًا

سنوات طويلة قضاها المخرج السوري باسل الخطيب راهبًا في محراب القضية السورية، التي سخّر لها كل إمكاناته الفنية ليوثّق مرحلة مهمة وتجربة قاسية مر بها وطنه سوريا، بداية من الحرب والدمار الذي خلفته، وحتى مرحلة ما بعد الحرب وما تبعها من تحولات اجتماعية واقتصادية، كان حريصًا على أن يرصدها بعدسته ليوثّق تلك الفترة بعدد من الأفلام شاركت في مهرجانات عربية عدة، ويقدم للعالم صورة سوريا التي قد لا يعرفونها وما سببته الحرب على المجتمع.

"الحكيم" الاسم الذي استقر عليه المخرج السوري ليتضمن تجربته الجديد، التي يواصل فيها رصد معالم إنسانية واجتماعية واقتصادية في سوريا ما بعد الحرب، وكان الفنان السوري الكبير دريد لحام رفيقه في التجربة، إذ لعب بطولة الفيلم في ثاني تعاون بينهما بعد "دمشق - حلب"، بالإضافة إلى مشاركة الفنانة الكبيرة صباح الجزائري وعدد آخر من النجوم، وفضّل باسل اختيار مهنة "الحكيم" في الفيلم - الذي استغرق التحضير والتصوير له ما يقرب من عام كامل-، في دلالة وإسقاط واضح على أنه بجانب مهمته ورسالته السامية في معالجة البشر، لكن له دورًا أيضًا في علاج الأزمات التي حلت بالمجتمع السوري بعد الحرب.

في حواره مع موقع "القاهرة الإخبارية" يتحدث باسل الخطيب، عن طبيعة التجربة الجديدة، وحرصه المستمر على متابعة ورصد القضية السورية التي عاشها يومًا بيوم ولم يغادر الوطن فبات مطلعًا على كل التفاصيل التي عاشها المجتمع السوري ليرصدها في أعماله، كما تطرق في الحوار إلى تعاونه مع الفنان دريد لحام والكواليس بينهما، وسر اختياره لهذه القصة تحديدًا، وتفاصيل أخرى تطرق إليها في هذه السطور:

لنبدأ من أحدث أعمالك.. ما الذي جذبك لخوض تجربة إخراج فيلم "الحكيم"؟

الحقيقة أنه تملكتني رغبة في تكرار التجربة مع الفنان السوري دريد لحام، بعد النجاح الكبير لفيلمنا الأول "دمشق حلب"، الذي نال جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، قبل ثلاثة أعوام، إذ عُرض على نطاق واسع في معظم الدول العربية وبعض الدول الأجنبية، وكان الفيلم السوري الأول الذي عرض على هذا النحو منذ أكثر من ثلاثين عامًا، ومن هنا تحمّسنا أنا ودريد، لمتابعة مشروعنا السينمائي سويًا، خصوصًا أننا تمكّنا من تكريس حالة انسجام وتوافق في الأفكار والرؤى، وباتت تجمعنا علاقة شراكة، بالإضافة إلى الصلة الإنسانية الوثيقة.

استغرق العمل وقتًا في التحضير والتصوير.. ما التحديات التي واجهتك في الفيلم؟

التحدي الأساسي بالنسبة لي كان يكمن في أننا يجب أن نقدم تجربة جديدة مختلفة لا تقل أهمية عن سابقتها، وهذا في حد ذاته تحد كبير، لأن المقارنة لا بد أن تثار بين "الحكيم" و"دمشق - حلب"، فاتجهنا نحو موضوع مختلف بأحداثه وشخصياته ومواقع تصويره، انطلاقًا من فكرة أننا نريد أن نتحدث عن سوريا ما بعد الحرب، لذا قررنا الاقتراب من حياة الناس الذين عاشوا الحرب، لكن آثارها لا تزال باقية وتنعكس بشكل مباشر على سلوكهم وأفعالهم.

الفيلم السوري الحكيم
ما المدة التي استغرقتها في التحضير والتصوير؟

العمل بأكمله استمر لمدة عام تقريبًا، فإعداد السيناريو ودراسته شيء جوهري بالنسبة لنا، ولم يكن ممكنًا أن نبدأ التصوير قبل أن يكون بين أيدينا النسخة المتوافق عليها، بالطبع تحدث لاحقًا بعض التعديلات عندما يتحول المشهد إلى صورة تنبض بالحياة، لكن وجود السيناريو المتماسك والمحبوك جيدًا أحد أهم أسس نجاح المشروع، وهو ما قدمته في الأفلام الثلاثة مع دريد لحام، ومن المفترض أن يُعرض الفيلم الثالث "يومين"، الخريف المقبل، كما يوجد سر يُكمن في أن تصوير هذه الأفلام رغم صعوبة مشاهدها يتم بسلاسة ويسر ودون أي معوقات ومشكلات تذكر.

ما أصعب مشاهد العمل؟

باعتقادي أن العناية الإلهية كانت تحيط بنا طوال الوقت، ربما يتعجب البعض هذا المنطق، لكن هذه هي الحقيقة، فالأفلام كانت تُنجز حتى قبل انقضاء جدول التصوير، وكان يسود العمل أجواءً من الألفة والحماسة لدى الجميع، وكما يقول دريد لحام، إننا في بداية التصوير نكون زملاء، وفي نهايته نصبح عائلة واحدة، والصعوبة الوحيدة كانت تتمثل بالنسبة لي في مواجهة التحدي بأن تكون نتائج التصوير أفضل من قبل، والمبدأ الذي أعمل من خلاله أن أعتبر يوم التصوير هو اليوم الأول والأخير، وهذا يستوجب بالتالي أن أقدم أفضل ما لديّ.

الفيلم السوري الحكيم
ما هي ردود الفعل على الفيلم عند عرضه؟

بالعموم كانت ردود الفعل إيجابية، ومن الطبيعي أن تكون هناك وجهات نظر مختلفة، وهذا ينطبق على أي عمل فني، فلا يمكن أن يتلقاه الجميع بشكل متشابه، المهم هو أن حالة متابعة الجمهور للفيلم خلال العرض كانت مُرضية، وشعرت أنهم يتابعون بترقب وشغف، هذا ما لمسته عند العرض الأول للفيلم في مهرجان سينمانا الدولي بسلطنة عمان، إذ نال الجائزة الذهبية، وخلال العرض الاحتفالي به في بغداد شهد استقبال أكثر من رائع وقوبل بحفاوة لم نكن نتوقعها.

ما الرسالة التي يحملها الفيلم؟

الفيلم يحمل طابعًا إنسانيًا واجتماعيًا، تتخلله بعض المواقف الكوميدية، لعل أهم رسالة يحملها الفيلم، تأكيده على حالة التكافل واللُحمة المطلوب تواجدها اليوم في مجتمع عاني كارثة حرب غير مسبوقة ستبقى تداعياتها موجودة لسنوات طويلة مقبلة، وفي هذا السياق تبرز فكرة الخير، وأن الإنسان في النهاية لا بد أن ترتد إليه نتائج مواقفه وأفعاله تجاه الناس الذين يعيش معهم ولأجلهم.

يتطرق الفيلم إلى طبيعة الوضع في سوريا من خلال الحكيم الذي يكتشف التردي الاجتماعي الذي خلفته الحرب وتأثيره على السلوك.. إلى أي مدى أثر ذلك على المجتمع، وهل كنت حريصًا على نقل الواقع كما هو دون تجميل؟

فترات الحروب تكون صعبة وقاسية في حياة الشعوب، وغالبًا ما تكون الفترة التي تلي الحرب العسكرية أكثر صعوبة وقسوة، إذ يجد الناس أنفسهم في مواجهة حرب مختلفة على المستوى الأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي، وهذا ما نعيشه الآن من أزمات أفرزتها الحرب والحصار الذي نعاني منه منذ سنوات، ففيلم "الحكيم" يقارب بعضًا من هذه الأزمات، بصدق وبشفافية ودون أي مواربة، فمهما كانت مُخيلة الفنان جامحة، ومهما كانت مراجعه ثرية، إلا إن الواقع المعاش يبقى الأساس، وواقع الناس وتفاصيل حياتهم هو المصدر الأهم والأقوى تأثيرًا، وهذا الواقع لا يمكن التلاعب به أو تجميله لأن هذا سيكون مكشوفًا ولن يتفاعل معه الجمهور لأنه يفتقد إلى الصدق والمصداقية.

هل كان لاختيار مهنة الحكيم دلالة في أنه مثلما يعالج المرض يسعى لعلاج سلوك الناس ومشكلاتهم؟

بالتأكيد لهذا الاختيار دلالاته، فهو يؤكد البُعد الإنساني النبيل للشخصية، ويتيح لها في الوقت نفسه، كطبيب يعمل في الريف، التواصل مع شخصيات مختلفة لكل منها ظروفها وأزماتها، إذ يجد نفسه متماهيًا مع هذه الشخصيات، وتتداخل حياته مع حياتهم بتأثير متبادل كما هو واضح بالفيلم.

تحرص من خلال أعمالك في الآونة الأخيرة على تسليط الضوء على الحرب السورية ومدى التأثير الذي خلفته على طبيعة البلد اجتماعيًا وسياسيًا، لكن لا ترى أن الجمهور بحاجة لمشاهدة طبيعة موضوعات مختلفة؟

التنوع مطلوب بالتأكيد، لكن الجمهور في النهاية يريد عملًا يحترم عقله ومشاعره بغض النظر عن الموضوع، إلى اليوم، وبعد مرور 78 عامًا على انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا تزال الكثير من الدول تنتج أفلامًا عن هذه الحرب، كما أعتقد أن الحرب التي واجهتها سوريا ستبقى مادة لكثير من الأعمال الدرامية لسنوات كثيرة مقبلة، لأن تأثير الحرب سيبقى لعقود، ونراه أمام أعيننا، وفي أعين الناس الذين يواجهون واقعًا مؤلمًا ومستقبلًا غامضًا أكثر إيلامًا، لذلك فإن أي انفراجات سياسية تجري اليوم، لا يكون لها أي تأثير ملموس على حياة الناس وواقعهم المعيشي.

وصف الفنان الكبير دريد لحام تجربته معك في فيلم "دمشق حلب" بالحلم الكبير الذي تحقق، لكنه عاد وأكد أن الأحلام لم تنته بفيلم "الحكيم".. كيف لمست التعاون معه للمرة الثانية، وكيف رأيت وصفه لأعماله معك بالأحلام الكبيرة؟

الحقيقة أن كلماته شهادة أعتز بها، دريد لحام أيقونة من أيقونات الفن العربي، العمل معه امتياز يُضاف إلى مسيرة من يكون معه، وذكرت في أكثر من مناسبة، وأكررها الآن لقد تعلمت خلال السنوات الثلاث التي تعاونت فيها معه أكثر بكثير مما تعلمته خلال الـ25 عامًا التي أمضيتها بالعمل في السينما والدراما، فإحساسه بالمسؤولية تجاه عمله عالٍ جدًا، يتعاون مع الجميع بروح أبوية مُحبة، ويتميز بتواضعه المدهش ولا يرد طلبًا لمن يلجأ إليه، وعندما يصف عملنا بأنه حلم كبير تحقق فهذا يسعدني جدًا ويدعوني للفخر، مشروعنا المشترك مستمر، وهو يفاجئني دائمًا بأفكار جميلة ومبتكرة، ونعمل حاليًا على كتابة الفيلم الرابع "زيتونة"، بالتعاون مع الكاتب تليد الخطيب الذي سبق أن كتب سيناريوهات "دمشق حلب" و"يومين".

هل كان الجمع بين دريد لحام وصباح الجزائري مقصودًا؟

الاعتبار الوحيد هو مصلحة العمل، دريد لحام وصباح جزائري قدما الكثير من الأعمال المشتركة في السينما والمسرح والدراما، التي لا تزال محفورة في ذاكرة الناس، وشكّلت عودتهما سويًا بعد انقطاع طويل حالة جميلة، خاصة وأنها انعكست على نتيجة العمل النهائية.

هل هناك خطة للمشاركة بالفيلم في عدد من المهرجانات؟.. وماذا عن عرضه في الوطن العربي؟

خلال الأيام المقبلة سنقوم بجولات على عدد من المحافظات السورية، تزامنًا مع بدء العروض الجماهيرية للفيلم، وفي الوقت نفسه، نعمل على خطة لتسويقه وعرضه خارج دمشق.

كيف ترى الوضع السينمائي في سوريا؟، وهل تقلُص عدد دور العرض أدى إلى تراجع الإنتاج؟

أراه واعدًا وأتفاءل بالمستقبل رغم كل الظروف الصعبة التي نمر بها، بالتأكيد قلة الإنتاج السينمائي الذي يتصدى له المؤسسة العامة للسينما، وغياب الإنتاج الخاص، وقلة دور العرض، كل هذا له تأثيره السلبي، لكن من ناحية أخرى، نتابع التفاعل الاستثنائي للجمهور السوري عند عرض فيلم جديد، الناس رغم أوضاعهم المعيشية الصعبة، يُقبلون على هذه العروض بشغف كبير، وهذا ما كنا نلمسه في السنوات الماضية عندما كنا نعرض أفلامنا في المدن السورية، كذلك فإن افتتاح المعهد العالي للفنون السينمائية في دمشق قبل ثلاث سنوات، الذي أشرفت على تأسيسه ولا أزال عميدًا له، قد أتاح لجيل من الشباب الموهوبين والطموحين إمكان دراسة السينما أكاديميًا، وهؤلاء هم من نعول عليهم مستقبلًا لتحقيق المزيد من الإنجازات للسينما في بلدنا.

كرّست عملك كمخرج في السنوات الماضية لخدمة القضية السورية، قبل أن تعود لتقديم مسلسل "مارغريت" بطولة حياة الفهد، هل هذا اتجاه للانتشار عربيًا من جديد؟

دائمًا، وفي كل مرحلة، توجد أولويات بالنسبة لي، خلال سنوات الحرب، كان قراري البقاء في سوريا ومتابعة العمل فيها رغم كل التهديدات والمخاطر، لم يكن خيار الرحيل واردًا على الإطلاق، وارتبط هذا القرار بخيارات أخرى فنية وعملية، وكنت أرى أن أي عمل فني في هذه المرحلة يكتسب مشروعيته من خلال مواكبته لما يعانيه الناس، وتحديدًا آثار الحرب وانعكاساتها على حياتهم ومستقبلهم، البعض كان يقول إنه من المبكر الحديث عن الحرب، إذ يجب انتظار نتائجها النهائية، لكن بالنسبة لي وللكثيرين ممن كنا نعايش الحرب يوميًا، فقد كانت الأمور واضحة، ولم نكن بحاجة لسنوات أخرى كي نتحدث عن هذه المأساة، لكن التحدي كان يكمن في أحد جوانبه، وأننا سنقدم للناس وقائع عايشوها وربما يعرفونها جيدًا أكثر منا، لذك كان المطلوب أن نقدم لهذه الأعمال إضافات جديدة، وتشرع أمام الجمهور آفاقًا مختلفة.