أماطت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، اللثام عن تجنيد ما لا يقل عن 21 طفلًا من قبل الأجهزة الأمنية البريطانية، منذ عام 2015، للمساعدة في ضبط الإرهابيين وتجار المخدرات ورجال العصابات.
واستندت الصحيفة البريطانية إلى تقارير حكومية رسمية، تكشف عن تجنيد الأطفال لعمليات المراقبة، مشيرة إلى أن بعض الأطفال تم استخدامهم للتجسس على الأفراد المشتبه في تورطهم بالتطرف، والبعض الآخر لجمع معلومات عن عصابات المخدرات.
وتناهز أعمار المجندين فيما يعرف بـ"مصادر الاستخبارات البشرية السرية للأحداث" دون 18 عامًا، ولا توجد قيود قانونية على كيفية استخدامها من قبل الوكالات الشرطية والاستخباراتية.
وذكرت "ديلي ميل" أن الأرقام الرسمية تكشف قيام جهازي المخابرات البريطانية الداخلية "إم أي 5" والخارجية "إم أي 6" ومركز الاتصالات الحكومية البريطانية، باستخدام "مصادر الاستخبارات البشرية السرية للأحداث"، كجزء من عمليات جمع المعلومات الاستخبارية بين عامي 2015 و2021.
مصدر أساسي للمعلومات
ودعت الجمعيات الخيرية والنواب إلى حظر استخدام الأطفال في التجسس. لكن الأجهزة الأمنية تقول إنهم مصدر أساسي للمعلومات، يستخدم فقط في ظروف استثنائية.
ونقلت "ديلي ميل" عن كارولينا ريتشليكا، من مجموعة حقوق الأطفال: "فقط من أجل قانون الأطفال"، إنه من "المقلق للغاية" أن يُطلب من الأطفال المشاركة في نشاط سري مرتبط بالمجرمين الخطرين".
لكن الكولونيل فيل إنجرام -ضابط سابق في المخابرات العسكرية البريطانية- قال إن استخدام الأطفال "يخضع لضرورة صارمة للغاية وعمليات فحص ومراقبة".
وذكر أحدث تقرير سنوي لمفوضي سلطات التحقيق أنه تم تجنيد طفل واحد فقط، العام الماضي، وكان الشخص فوق سن 16 عامًا.
وأظهرت تقارير سابقة أنه تم تجنيد ثلاثة أطفال جواسيس في عام 2020، وصدور 17 ترخيصًا من "مصادر الاستخبارات البشرية السرية للأحداث" بين عامي 2015 و2018. ولم تتوفر أي أرقام لعام 2019.
كيفية تجنيد الأطفال
وسلّط أحد التقارير الضوء على كيفية تجنيد طفل جاسوس، لمساعدة الشرطة على اختراق شبكة مخدرات إجرامية.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية، إن العملاء السريين يلعبون دورًا حاسمًا في حماية الجمهور من الجرائم الخطيرة، مؤكدًا أن القاصرين لا يشاركون إلا في ظروف استثنائية، وهناك ضمانات إضافية مطبقة، بما في ذلك طلب إذن على مستوى أعلى".
وتكشف أحدث الأرقام أيضًا أنه في عام 2021، فتشت أجهزة المخابرات والشرطة ووزارة الدفاع والسلطات المحلية ودائرة السجون في بريطانيا، 1017 منزلًا، وتتبعت 6847 شخصًا واخترقت 3630 هاتفًا.
وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا شهدت جدلًا واسعًا في 2021، عند طرح مشروع القانون، لتجنيد الأطفال ما دون سن 18 عامًا، للعمل مع المؤسسات الأمنية والتجسس حتى على أسرهم.
مشروع القانون دفع القانونيين والسياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، بالنظر في تفاصيله المثيرة، وإمكان تعريض حياة الأطفال للخطر، وأكثر من هذا هو التعاون مع المخابرات البريطانية للتجسس على الوالدين.
المطالبة بقيود صارمة
وبينما دفعت الحكومة البريطانية بالمبرر الأمني، وبأن القانون يساعد في محاربة الجرائم وتجارة المخدرات والإرهاب، ولا يعرّض حياة الأطفال للخطر؛ طالب برلمانيون وحقوقيون بوضع قيود صارمة على استخدام الأطفال في العمليات الأمنية وجعلهم مصدرًا للحصول على المعلومات.
ونص مشروع القانون، آنذاك، على أن الأطفال ما بين سن 16 و17 سنة يمكنهم التعاون مع أكثر من 20 مؤسسة أمنية، بغرض جلب معلومات مهمة تفيد في حلّ العصابات الإجرامية أو مواجهة الإرهاب.
ويجرى تنفيذ هذه المهمة الخطيرة، حسب القانون، في سرية تامة، ومع توفير الغطاء اللازم لهؤلاء الأطفال، بل إن الحكومة البريطانية ذهبت بعيدًا باقتراحها منح هؤلاء الأطفال حق ارتكاب بعد الجنح في أثناء ممارسة مهامهم السرية، في حال كان خرق القانون سيؤدي للكشف عن جريمة خطيرة أو يجنب البلاد هجومًا إرهابيًا.
ويمنح القانون الأطفال حق خرق القانون تحت 4 مبررات، هي: "حماية الصحة العامة، الأمن العام، والمساعدة في احترام القانون الضريبي، أو استباق جريمة إرهابية".
تجسس الأطفال على الآباء
ومن بين البنود المثيرة للجدل في هذا القانون، هو إمكان تجنيد الأطفال للتجسس على آبائهم، في حال اشتبه هؤلاء الأطفال في أن أحد الوالدين يحمل أفكارًا متطرفة، أو أنه منخرط في عمل إرهابي.
ويضع القانون بعض القيود على تجنيد الأطفال، مشددًا على أنه لا يتم اللجوء لهذا الأسلوب إلا عند الحاجة القصوى، مُطالبًا الجهات التي تقوم بتشغيل الطفل أن تضع الأولوية لسلامته الجسدية، والحرص على أمنه أولًا.
ومن بين الأجهزة العشرين التي يمنحها القانون حق تشغيل الأطفال جواسيس، هناك "أجهزة المخابرات الداخلية والخارجية والجيش والشرطة وعدد من المؤسسات الحكومية التي تحارب التهرب الضريبي وغسيل الأموال ومكافحة تجارة البشر والمخدرات".
وكاد مشروع القانون أن يمر دون إثارة كل هذا الجدل، بعد أن تم التصويت عليه بسهولة في مجلس العموم من طرف الأغلبية الحكومية، غير أنه توقف عند مجلس اللوردات، إذ طلب الرافضون من الحكومة وضع المزيد من التفاصيل حول حماية الأطفال وتقييد عملهم بشكل مشدد جدًا.