شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، في الساعات الأولى من اليوم الإثنين، عدوانًا جديدًا على جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، أسفر عن استشهاد 7 فلسطينيين وإصابة عشرات آخرين، وفق ما أفادت وزارة الصحة الفلسطينية.
ذرائع الاحتلال
واقتحمت قوات الاحتلال مدعومة بالأليات العسكرية وبغطاء جوى، مدينة جنين ومخيمها، بذريعة ضرب البنية التحتية للإرهاب، كما ادعى جيش الاحتلال في بيان له على "تليجرام".
وأظهرت مقاطع فيديو مركبات الاحتلال، وهي تسير في شوارع جنين، إذ قال جيش الاحتلال إن قواته استهدفت مركز القيادة العملياتية المشتركة لمخيم جنين، وكتيبة جنين، المرتبطة بحركة الجهاد الفلسطينية.
ونقلت شبكة "سي. إن. إن" الإخبارية الأمريكية، عن مواطنين في جنين، إنهم سمعوا أصوات انفجارات وإطلاق نار كثيف، في حين أظهر فيديو عملية نقل فلسطينيين جرحى إلى مستشفى جنين الحكومي.
ومن بين الجرحى، سبعة فلسطينيين إصابتهم خطيرة، وفق وزارة الصحة الفلسطينينة، وقال محمود السعدي، مدير الصليب الأحمر الفلسطينيى في جنين، إن معظم الإصابات خطيرة، وفي الأجزاء العليا بالجسد، مشيرًا إلى أن عملية نقل الجرحى كانت صعبة.
من جهتها، قالت "كتيبة جنين" إنها دمرت مركبة عسكرية إسرائيلية على الأقل بالعبوات الناسفة، وإن مسلحوها اشتبكوا مع قوات الاحتلال لمنع تقدمهم إلى داخل المخيم.
وقالت حركة الجهاد الفلسطينية، إنها ستواجه عدوها بكل خيارات الرد الممكنة، بعد العملية العسكرية الكبيرة في جنين.
جريمة حرب جديدة
وأدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس، العملية العسكرية الإسرائيلية واسعة النطاق في جنين ومخيمها، ووصفها بـ"جريمة حرب جديدة".
وقال نبيل أبوردينة، المتحدث باسم السلطة الفلسطينية: "إن الأمن والاستقرار لن يتحقق في المنطقة ما لم يشعر الشعب الفلسطيني بهما".
وأضاف أن "ما فعله الاحتلال الإسرائيلى في جنين ومخيمها جريمة حرب جديدة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل".
عدوان متكرر منذ بداية 2023
وجاء العدوان الإسرائيلي الأخير على جنين بعد أقل من أسبوعين من عملية عسكرية نفذتها قوات الاحتلال على المدينة الباسلة، وأسفرت عن استشهاد 5 فلسطينيين على الأقل وإصابة العشرات.
وتعد العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال في جنين ومخيمها، 19 يونيو المنصرم، الأكبر من سابقاتها هذا العام، إذ أصيب ما يزيد على 40 مواطنًا فلسطينيًا بالرصاص.
وخلال عدوان 19 يونيو، دارت اشتباكات عنيفة في أرجاء مخيم جنين، واعتلى قناصة إسرائيليون أسطح المنازل لاستهداف مقاتلين فلسطينيين. وقصفت مروحيات أباتشي إسرائيلية جنين للمرة الأولى منذ 22 عامًا. ودفعت دولة الاحتلال بالمزيد من التعزيزات العسكرية إلى جنين، خاصة بعد إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي إصابة 8 من جنوده في مخيم جنين.
ومع بداية العام الجاري 2023، كثفت قوات الاحتلال اقتحامات جنين ومخيمها، بزعم اعتقال مطلوبين فلسطينيين نفذوا هجمات ضد إسرائيليين. ويدعي الاحتلال أن جنين معقلًا للأجنحة المسلحة للفصائل الفلسطينية.
في شهر يناير، نفذت قوات الاحتلال عملية عسكرية كبيرة في مخيم جنين، بزعم استهداف خلية عسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، واستشهد 3 منهم، خلال اشتباكهم المسلح مع قوات الاحتلال.
وفي مارس، استشهد 6 فلسطينيين بمداهمة للجيش الإسرائيلي لمخيم جنين في الضفة الغربية تضمنت محاصرة منزل يتحصن فيه عدد من النشطاء.
وأعلن جيش الاحتلال أن العملية استهدفت اغتيال الناشط عبدالفتاح خروشة من "كتائب القسام"، المتهم بتنفيذ عملية إطلاق نار في بلدة حوارة بنابلس وقتل إسرائيليين.
وفي أبريل، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين، وحاصرت العديد من المنازل، وسط تحليق مكثف للطائرات في الأجواء. كما دفعت بتعزيزات كبيرة، حين اندلعت اشتباكات عنيفة بينها وبين الشباب الفلسطينيين. وأسفرت العملية آنذاك عن عدد من الشهداء والجرحى.
وفي مايو، اقتحمت قوة كبيرة من جيش الاحتلال مدعومة بالآليات العسكرية مخيم جنين، ودارت اشتباكات عنيفة مع عناصر من سرايا القدس في المخيم.
السور الواقي
وتعد جنين التي يقطنها 40 ألف نسمة، أكبر مدن المثلث الواقع بين جنين ونابلس وطولكرم. ويستهدف الاحتلال جنين بالغارات المتكررة، لاعتبارها حاضنة للمقاومة الفلسطينية، ورأس الحربة لما يُسمى بـ"مثلث الرعب" في الضفة الغربية.
ومن أشهر العمليات العسكرية التي نفذها الاحتلال في جنين، تلك التي حملت اسم "السور الواقي"، مارس 2002، حين اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين بقوات غفيرة من الجيش والمشاة والدبابات بعد تطويقه بالكامل.
وحاصرت إسرائيل المخيم 10 أيام، مُنِعت فيها عن المخيم المياه والكهرباء والطعام والعلاج، كما قصف الاحتلال المخيم بطائرات "إف-16" والمدفعية.
ودمر الاحتلال 455 منزلًا بالكامل، و800 منزل بصورة جزئية، واستشهد 58 من أبناء المخيم معظمهم من غير المقاومين، إذ كان يستخدمهم دروعًا بشرية خلال محاولته التوغل في المخيم، واعتقال المئات من أبنائه، في مجزرة طالت البشر والحجر، وهزت الرأي العام العالمي.
الأسباب الحقيقية للعدوان
ويعزو المراقبون الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة لجنين ومخيمها، خلال الشهور القليلة الماضية، إلى هدف الاحتلال فرض واقع جديد في الضفة والمدن المحتلة، بالتزامن مع زيادة عملية الاستيطان في تلك المناطق.
وكشف تقرير إسرائيلي أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية، تجاوز النصف مليون. فيما تضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة توسيع المستوطنات على رأس قائمة أولوياتها.
كما يشير المراقبون إلى أن العدوان الإسرائيلي الأخير على جنين، يمثل محاولة من قبل جيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، لذر الرماد في العيون، والتغطية على "إرهاب المستوطنين" ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
وبلغت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين مستويات قياسية مرتفعة العام الماضي، واستمرت في الزيادة منذ تولي حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اليمينية، السلطة في يناير، التي سرّعت وتيرة التوسع الاستيطاني.
وأثار إرهاب المستوطنين ضد الفلسطينيين العزل، بحراسة قوات الاحتلال، إدانات دولية واسعة، ما أضاف ضغوطًا جديدة ضد الحكومة الإسرائيلية، التي تواجه أيضًا احتجاجات داخلية واسعة لا تزال مستمرة ضد التعديلات القضائية.