في تمام السادسة من مساء يوم الاثنين، بتوقيت الخرطوم، انقضت نصف المدة المقررة للهدنة الإنسانية في السودان لـ72 ساعة، فيما لازمتها للمرة الأولى تهدئة حقيقية سمحت بوصول بعض المساعدات والتقاط الأنفاس في ظل وتيرة متسارعة للمعارك المندلعة بين الجيش السوداني والدعم السريع لأكثر من شهرين.
واتفق طرفا الصراع في السودان، على إيقاف إطلاق النار لمدة 72 ساعة اعتبارًا من الساعة السادسة من صباح اليوم الأحد، يمتنعان خلالها عن التحركات والهجمات واستخدام الطائرات الحربية أو الطائرات المسيرة أو القصف المدفعي أو تعزيز المواقع أو إعادة إمداد القوات، أو الامتناع عن محاولة تحقيق مكاسب عسكرية أثناء وقف إطلاق النار، والسماح بحرية الحركة وإيصال المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان، وفق بيان أمريكي سعودي.
الخرطوم تتنفس
وشهدت الخرطوم وبحري وأم درمان، البؤر الثلاث المشتعلة في العاصمة السودانية منذ بدء الاشتباكات، هدوءًا نسبيًا لليوم الثاني، من دخول الهدنة حيز التنفيذ في السادسة من صباح يوم الأحد.
وبعد أيام عصيبة رصدت وسائل إعلام سودانية، ومواقع التواصل الاجتماعي بالأوساط المعنية، عودة حركة المواطنين بصورة شبه طبيعية، وغياب أصوات القصف المدفعي والرصاص، لكن وسط مخاوف مما ينتظرهم فور انقضاء الهدنة، والتي عادة ما تشهد معارك حامية يعوض خلالها الطرفان فترة هدوء نسبي لم تسجل إلا قليلًا.
ويعيش سكان الخرطوم أوضاعًا إنسانية واقتصادية مأساوية منذ بدء الصراع، بسبب تردي الوضع المعيشي وانعدام السيولة وسوء الوضع الصحي في ظل خروج نصف المستشفيات والمراكز الصحية من الخدمة.
استعداد أممي لتقديم العون
وأكدت المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالسودان، كلمنتين نكوالتي سلامي، استعدادها التام لدعم العمل الإنساني في ظل الظروف الاستثنائية التي يمر بها السودان حاليًا، ومضاعفة الجهود بالتنسيق مع الجهات المختصة في هذا المجال، لاسيما في ظل تهدئة الهدنة، مشيدة بالجهود الحكومية الجارية في متابعة ومعالجة الأوضاع الإنسانية في الظروف الراهنة بالسودان.
والوضع المأساوي خلّف آلاف القتلى والجرحى، إذ أكد وزير الصحة السوداني هيثم إبراهيم، في تصريحات صحفية سابقة، أدلى بها أمس الأول، مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، وسقوط نحو ستة آلاف مصاب، منذ بدء الصراع في البلاد.
ودفعت المعارك أكثر من 2,2 مليون شخص إلى النزوح، فيما لجأ أكثر من 528 ألفًا منهم إلى دول الجوار، وفق أحدث تقرير للمنظمة الدولية للهجرة.
اغتيال جديد في الجنينة
وعلى العكس من العاصمة، الوضع لم يهدأ في الجنينة، هذه الهدنة، إذ لا تزال النزاعات التي اتخذت منحى عرقيًا، في متابعة مسار أقسى وأكثر عنفًا في ظل القتل العشوائي، واستهداف المسؤولين وعمال الإغاثة.
واُغتيل مفوض العون الإنساني، وعضو هيئة الاتهام في جرائم "كريندنق ومستري"، الصادق محمد أحمد، في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، اليوم الاثنين.
وأكدت هيئة "محامي دارفور" في بيان لها، اليوم، مقتل الصادق، واتهمت "ميليشيا مسلحة وعناصر يتبعون الدعم السريع" بالتورط في عملية الاغتيال، وفق ما أوردت صحيفة "التغيير" السودانية.
ومفوضية العون الإنساني هي إحدى الوحدات التابعة لوزارة الضمان والتنمية الاجتماعية في جمهورية السودان، وهي الجهاز الوطني المسؤول عن تنسيق المجهودات الإنسانية في السودان، والحد من مخاطر الكوارث والنزاعات عبر شراكة مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الطوعية الوطنية والأجنبية.
وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، اليوم عن قلقه إزاء البعد العرقي للعنف في ولاية غرب دارفور بالسودان، وحذّر من مهاجمة المدنيين على أساس انتماءاتهم العرقية في الجنينة.
واستهداف المسؤولين في دارفور ليس الأول من نوعه على يد جماعات مُسلحة في الإقليم، إذ اقتحمت، الخميس الماضي، ميليشيات مُسلحة مقر إقامة والي غرب دارفور، خميس أبكر، واختطفته قبل أن يظهر لاحقًا مقطع مصور يظهر تعرضه للاغتيال.
والجنينة مركز ولاية غرب دارفور، إحدى الولايات الخمس للإقليم المصنف باعتباره منطقة منكوبة، تشهد بالأساس وضعًا إنسانيًا كارثيًا، ترقى النزاعات فيه إلى "جرائم ضد الإنسانية" بحسب المبعوث الأممي للسودان، فولكر بيرتس، الثلاثاء الماضي.
وحذر مارتن جريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في بيان إن إقليم "دارفور يتجه سريعًا نحو كارثة إنسانية" ولا يمكن للعالم أن يسمح بحصول ذلك.
ومنذ 15 أبريل الماضي، يشهد السودان معارك ضارية، بين الجيش النظامي والدعم السريع شبه المسلحة خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى، ودفعت بأكثر من مليون سوداني للنزوح داخليًا بعيدًا عن مناطق الصراع، في ظل أكثر من 10 اتفاقات لوقف إطلاق النار بين الطرفين لم يصمد أي منها طويلًا دون خروقات تتطور لقتال عنيف.