حفرة كبيرة عندما تراها للوهلة الأولى، تظن أن انفجارًا هائلًا وقع في منتصف الصحراء، ربما لن تصدق أنها كانت قبل لحظات منحلًا يضج بالحياة في قطاع غزة، يضع عليه يوسف المصري آماله، فهو مصدر رزقه الوحيد لإعالة أسرته المكونة من 4 أفراد، قبل أن يحوله صاروخ الاحتلال في لحظة إلى تراب.
في 15 مايو الماضي، كان الشاب الفلسطيني قابعًا في منزله، وأصوات طائرات الاحتلال تملأ الأرجاء: "سمعنا صوت قذيفة، قولت والله أكيد هذه في منحلي وراحت رزقتي من مشروع النحل، وأول ما خلصت الحرب وروحت على منحلي لقيت هباط كامل صار في النحل".
يوسف المصري: تم قصف منحلي ثلاث مرات
لم يصدق الشاب الفلسطيني، الأمر فهذه ليست المرة الأولى التي يخسر فيها أجزاءً من منحله: "كل مرة المنحل بينضرب هاي 3 مرة مقدرتش استوعب وانهرت ومش قادرين كل مرة انغامر ونعاود ونغامر ونصلح مفيش مساعدة لا من زراعة ولا من مؤسسات فاحنا مشروع رزقنا مفيش غيره عايشين من وراه".
كانت المرة الأولى التي يتعرض فيها "منحل الشمال"، للقصف في 2008، والثانية في 2014، وفي 2021 تسبب الاحتلال في خسارته لنحو 90 خلية، وفي التصعيد الأخير بمايو الماضي، خسر يوسف، نحو 40 خلية جراء القصف.
لم تتوقف خسائر يوسف المصري عند الحد الذي خسره جراء التفجير: "حتى اليوم بعالج النحل المتبقي، لليوم بعالج من وراء القصف؛ لأنه النحل تسمم من رائحة سم الصواريخ يعني الوضع ازداد سوءًا".
في 2005 تعرض الشاب الفلسطيني لحادث، سبب له مشكلة دائمة في قدمه، بعد نحو عامين من زواجه: "أنا رب أسرة ساكن ببيت صغير غرفة وصالة وعندي 8 أفراد، وعامل حادث ورجلي فيها بلاتين، وكنت بسترزق من النحل حتى أطور حياتي وأكبر مشروعي، لكن اليهود دمروا حلمي كان نفسي ابني بيت، وأعمل مستقبل لأولادي، حقيقة وقت شوفت المنحل، كان شعورًا سيئًا للغاية ومفيش حد دور علينا"، يحكي "يوسف" الذي يشكو من عدم صرف أي تعويضات أو مساعدات له من الحكومة أو من المؤسسات الأخرى، عن وضعه لـ"القاهرة الإخبارية".
يعمل يوسف في منحله، رفقة أولاده، فهو مشروعه الذي بدأه قبل 18 عامًا: "والله كان على القد، وحاليًا بعد القصف الوضع صعب شوية؛ لأني بدي أعالج نحل ولا أصرف على البيت، الحمد لله مستورة، ولكن نحتاج مساعدة وزارة الزراعة، بنقدم للوزارة لتعويضنا عن الأضرار بس على الفاضي ما حدا بيساعد كله".
علاء جهاد: خسائرنا مُتكررة دون تعويض ونتمنى سماع صوتنا
وضع يوسف لا يختلف كثيرًا عن حال النحالين في غزة، فعلاء جهاد، الذي بدأ تربية النحل قبل نحو 10 سنوات، يُعاني هو الآخر، كغيره من مربي النحل في غزة، بسبب اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، الذي يقوم بقصف المناحل، أو رش المبيدات على أماكن تواجد النحل، وغيرها من الاعتداءات.
قبل أقل من شهر، وبالتصعيد الأخير على قطاع غزة، استهدف الاحتلال مناحل عدة في غزة بالطائرات والصواريخ، بحسب "علاء"، الذي يتذكر ما تعرض له هو الآخر، بالحرب التي جرت في 2021، حين قصف الاحتلال منحله بالفسفور، ما أدى إلى تدمير أكثر من 40 خلية، بمنحله القريب من الحدود، وحتى اليوم لم تعوضه وزارة الزراعة الفلسطينية عن تلك الخسائر.
"في كل تصعيد نخسر عددًا من خلايا النحل؛ بسبب عدم القدرة على الوصول إلى المناحل، التي تتركز على الحدود، لعدم تمكننا من الوصول للنحل في كل تصعيد"، يحكي "مجاهد"، الذي يتمنى أن يجد من يسمع صوته، ويعوضه هو وغيره من النحالين عن الخسائر التي يتكبدونها في كل تصعيد.
تتعدد المشاكل والمصاعب التي يواجهها علاء وغيره من نحالي غزة: "النحل اللي بنخسره في التصعيد لا يعوضنا عنه أحد، ونُعاني من عدة مشاكل، منها غلاء أسعار صناديق الخشب، وغلاء السكر، وانتشار أمراض النحل؛ بسبب المبيدات السامة التي يرشها الاحتلال، وعدم تمكننا من استيراد الأدوية المناسبة للنحل"، ووزارة الزراعة يأتيها الدعم والمساعدة بس ما عوضونا، صحيح عوضوا عددًا قليلًا جدًا من المتضررين 2021 وبعدها ما أعطوا أحدًا ولا أعطونا".
عمر أبو جليدان.. قصة نجاح وسط ضغوطات الاحتلال
أما عمر أبو جليدان، فيرى أن قصته "قصة نجاح"، فقد نجح الشاب الفلسطيني في مضاعفة عدد الخلايا بمنحله إلى 10 أضعاف: "بدأت مشروع النحل قبل نحو 11 عامًا، بمنحل صغير قوامه 10 مناحل، ونجحت في تطويره ليصل إلى 100 خلية".
خلال السنوات الماضية، واجه "جليدان"، الكثير من المشاكل، تبدأ من النحل ورعايته وتمتد إلى التسويق، فيقول: "أكبر المشاكل التي كانت تواجهنا تعديات واعتداءات الاحتلال الغاصب، فالنحال الفلسطيني يعرض حياته للخطر، فخلال وضع منحله في المناطق الزراعية القريبة من الحدود يتعرض لإطلاق النار أو تجريف وتدمير منحله".
في 2014، تعرض جليدان، للفترة الأصعب في تربيته للنحل، إذ تعرض منحله لدمار جزئي عند اجتياح الاحتلال لبلدة خزاعة في خان يونس: "وقتها لم أستطع الوصول إلى منحلي لمدة 53 يومًا، ما أدى لوفاة الكثير من النحل؛ بسبب قلة الاهتمام، وأحيانًا أرى موت النحل أمامي ولا أستطيع توفير علاج له".
يحاول أبو جليدان صاحب مناحل التوحيد، جاهدًا ليتغلب على كل تلك الصعاب، ثم تبدأ صعوبة جديدة في تسويق العسل، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب في قطاع غزة، من حصار إسرائيلي، وقلة فرص العمل، إضافة إلى منع التصدير لخارج غزة.
وليد أبو دقة: 500 نحال في القطاع وهذه مطالبهم
قبل نحو عام، حاول نحالو غزة، إنشاء كيان، يدافع عنهم، ويطالب بحقوقهم، خاصة فيما يتعلق بمسألة التعويضات، في ظل خسائر مُتكررة، بسبب الاحتلال أو التغيرات المناخية، إذ يتراوح عدد النحالين ما بين 500 إلى 750 نحالًا، يعملون بشكل أساسي، إضافة إلى "العابرين"، الذين يبدأون مشروع النحل، ثم يتوقفون عن التربية، بحسب وليد أبو دقة، مدير جمعية النحالين في القطاع.
يوضح "أبو دقة"، أن مشكلة النحالين في قطاع غزة والمُتعلقة بالتعويضات، والتي استمرت على مدار 20 عامًا، سببها عدم وجود جمعيات تتحدث باسمهم وتقدم مشاريع لوزارة الزراعة، لتعويضهم عمّا سبق، متمنيًا أن تلقى المشاريع التي قدموها آذانًا مصغية، حتى تكون هناك فرصة لتعويض المُتضررين.
ويقول رئيس جمعية النحالين، إن الصعوبات اللي يواجهها النحالون في القطاع، خلاف الصعوبات التي يواجهها كل نحالي العالم، من تغير مناخي وغلاء في التغذية، وعدم اهتمام الحكومة بالتدخل ودعم النحالين، يُضاف إليها مشاكل الاحتلال الإسرائيلي، والاعتداءات المُتكررة.
"وقت الحرب والتصعيد تسقط القذائف بين المناحل وتدمرها، وعلى أقل تقدير لا يستطيع النحال الوصول إلى منحله، لأن معظم مناحل قطاع غزة تتركز في شريط واحد، يمتد من شمال قطاع غزة لجنوبه بطول 40 كيلو مترًا"، يبدأ "أبو دقة" في سرد مشاكل النحالين، قائلًا "إن الوضع في غزة وقلة المزارع يُجبر النحالين على وضع مناحلهم قرب الشريط الحدودي، وهو ما يجعلها عُرضة للقصف والتدمير في أي وقت حتى إذا لم يكن هناك أي تصعيد: "إذا كان أي هدف للإسرائيليين بين المناحل لا يرحمون المناحل، فإذا كان الهدف بين الأطفال لا يترددون في قصفه فما بالك بالمناحل".
بدأ "أبو دقة"، هواية تربية النحل، قبل نحو 23 عامًا: "هويت تربية النحل عام 2000، لكن أنا لم أرث هذه المهنة، لكن أحببتها وكنت أربي في منحل صغير ورويدًا رويدًا استطعت تطويره إلى منحل أكبر، وبعلاقاتي مع النحالين في العالم العربي، استطعت أن أجلب للنحالين ما يحتاجونه، وتقريبًا أنا المستورد الوحيد في كل قطاع غزة لكل ما يلزم النحل".
في محاولة للتغلب على المشاكل التي يواجهها النحالون، تسعى الجمعية، لإدخال ثقافة مواكبة الظروف التي يعيشونها، من خلال تغيير الصناديق التي تتم تربية النحل بها، من الصناديق الخشبية، إلى صناديق مُصنعة من مادة البولي بلورين، وهي مادة لا تتأثر بحرارة الشمس المباشرة حتى 160 درجة مئوية، كما أنها لا تتأثر بالبرودة، ومقاومة للحرق والكسر والتغيرات المناخية، بحسب "أبو دقة": "نحاول أن ندل المؤسسات التي تعوض النحالين على توفير هذه الصناديق حتى عندما يحصل أي ضرر للمناحل أثناء التصعيد، ربما تتطاير الصناديق ولكنها لن تتكسر أو تحترق، كما أنها تكون مُغلقة بإحكام ولا تفتح الخلايا إلا من خلال فتح القفل، وبالتالي إذا تطاير الصندوق لن يفتح ويُحافظ النحال على نحله".
وتُعد مشكلة الاستيراد، أحد أبرز المشاكل التي تواجه النحالين في غزة، وتتسبب في نقص كبير في المعدات والأدوية، ويقول أبو دقة: "أنا المستورد الوحيد في قطاع غزة المُشكلة التي نواجهها أنه عندما نريد أن نستورد أي شيء لا بد أن نأخذ الأذونات الإسرائيلية، وعندهم ضوابط عقيمة لا تسمح بدخول بعض المستلزمات أو العلاجات أو الأدوية، عندهم ممنوعات على قطاع غزة، مسموح بها عندها، لكن غير مسموح بدخولها قطاع غزة، بحجج أنها مُتعلقة بازدواجية التصنيع، كما يقولون، والاستيراد ليس بالأمر السهل وهناك ندفع جمارك إسرائيلية وجمارك فلسطينية، ثم تأتي البضاعة لقطاع غزة ندفع ضرائب للحكومة في قطاع غزة، وبالتالي المُتضرر في النهاية النحال؛ لأن البضاعة تدخل على ثلاثة جمارك وثلاثة خطوط مواصلات".